عادل بن رمضان مستهيل
وتبقى القلوب الجميلة
هي التي لا تنكر الفضل أبدًا
في زمنٍ باتت فيه القيم النبيلة عملة نادرة، يظل الوفاء بالجميل علامة مميزة للقلوب العظيمة.
إنها القلوب التي تحمل في جنباتها جمالًا خفيًا لا يراه الجميع، لكنه يظهر جليًا في تصرفاتها وذكرياتها العطرة مع من أحسنوا إليها يومًا.
نعيش في عصرٍ تزدحم فيه المشاغل وتطغى فيه الماديات، فتتراكم فوق صدورنا سحب النسيان، ونكاد نغفل عن أعمق المعاني الإنسانية.
لكن بين الحشود، هناك دائمًا أولئك الذين يرفضون الاستسلام للزحام، ويحملون داخلهم ميزانًا داخليًا لا يخون. فهم يعرفون كيف يحتفظون بالفضل، بل ويعيدون مضاعفته، ليصبحوا نورًا في حياة من حولهم. لا تنكر القلوب الجميلة الفضل أبدًا، لأنها تؤمن أن كل خيرٍ يُزرع فيها يومًا هو وديعة تستحق أن تُعاد.
قد يكون هذا الفضل كلمة طيبة قيلت في لحظة ضعف، يدًا ممدودة في وقت عوز، أو نصيحة حكيمة ألقت بصيصًا من الأمل في أيام حالكة.
فالقلوب الجميلة لا ترد الفضل على شكل معروف فقط، بل تحوله إلى شجرة باسقة تمنح الآخرين ثمارًا وظلالًا.تجدها، دائمًا، تشكر كل من ساندها، صغيرًا كان أو كبيرًا، قريبًا أو بعيدًا.
هي القلوب التي لا تنتقص أبدًا من قيمة الإحسان، حتى وإن بدا بسيطًا في أعين الآخرين. تتذكر دائمًا أن “من لا يشكر الناس لا يشكر الله”، وتدرك أن قيمة الإنسان تُقاس بوفائه قبل أي شيء آخر.
قد تكون هذه القلوب أندر من اللآلئ، لكنها موجودة. فهناك الصديق الوفيّ يذكرك بفضلك بعد سنوات طويلة، وهناك التلميذ الذي يدعو لمعلمه بالخير رغم مرور العقود. و هناك و هناك قصص و أمثلة لا تحصى و لا تعد لأمثلة الوفاء بالجميل.
من أجمل الأبيات التي كُتبت عن الوفاء بالجميل، أبيات للإمام الشافعي رحمه الله، حيث يقول:
إذا صاحبتَ في أيامِ بؤسٍ ** فلا تنسَ المودةَ في الرخاءِ
ومن يُعْدِمْ أخوهُ على غناهُ ** فما أدّى الحقيقةَ في الإخاءِ
ومن جعلَ السخاءَ لأهلِ ودٍ ** فليس بعارفٍ حقّ السخاءِ
هذه الأبيات تفيض بالحكمة وتدعو إلى الوفاء ورد الجميل، حيث يبرز الشافعي أن الصداقة والمودة لا تكتمل إلا عندما يتذكر الإنسان وقوف أحبائه بجانبه في الشدة، فيرد لهم المعروف في أوقات رخائه.
كذلك يقول المتنبي في وصف الوفاء:
إذا أنت أكرمتَ الكريمَ ملكتَه ** وإنْ أنتَ أكرمتَ اللئيمَ تمرّدَا
في هذا البيت، يشير المتنبي إلى طبيعة النفوس، حيث يقدّر الكريم المعروف ويردّه بجميل أضعافه، بينما اللئيم ينكر الفضل ويُقابل الإحسان بالإساءة.
الوفاء بالجميل قيمة متجذرة في الشعر العربي، وكان دائمًا ما يُحتفى بها في قصائد أعظم الشعراء عبر العصور.
وفي نهاية المطاف، تبقى القلوب الجميلة عنوانًا لمعنى الحياة. هي من تجعل للعلاقات الإنسانية قيمة، وتمنحنا أملًا أن الخير ما زال نابضًا، وأن الوفاء ليس مجرد كلمة تُقال، بل هو جسر يعبر بنا إلى إنسانيتنا.
فلكل من حافظ على هذا الجمال الداخلي، كن مطمئنًا، أنت رسالة سلام في عالمٍ متعب، وقلبك عنوان يُحتذى به.