السلطنة اليوم
رخيوت – عادل سعيد اليافعي :
ولاية رخيوت هي إحدى ولايات سلطنة عمان بالتحديد محافظة ظفار و تقع ما بين ولاية صلالة وولاية ضلكوت ويربطها طريق معبد ذو مواصفات عالمية عالية فهو يشق الجبال بتناغم بديع وتبعد مركز رخيوت عن مدينة صلالة مركز محافظة ظفار حوالي 140 كيلو متر تقريباٌ إلا أن حدود ولاية رخيوت تبدأ بعد عقبة اقيشان تحديدا عند مدخل فزايح وتتمتع رخيوت بمناظر جميلة فهي منطقة جبلية كما أنها بحرية وأيضاً صحراوية وفي فصل الخريف تكتسي باللون الأخضر الذي يضيف إليها الجمال ولقاءنا مع الكاتب يوسف بن فارح مسعود السعدوني الملقب ( الحنتالي ) وهو من مواليد الولاية نفسها 1953 وهو من الكتاب الناشطين في الجانب التاريخي ولديه عدة مولفات كما انه من المبادرين الاجتماعين وعضو الجمعية العمانية للكتاب والادباء و عضو الاتحاد الدولي للادباء والشعراء العرب كما انه مؤسس فرقة رخيوت الشعبية 2012 وعضو بالعديد من اللجان على مستوى الولاية والمحافظة وله اسهامات فنية وشعرية كثيرة والذي ياخذنا في عالم اخر حول هذه الولاية الجميلة وكتابة السردي ( رخيوت من وحي الذاكرة ) والذي قال في بداية حديثه : أنّ التاريخ ليس مجرّد حدث عابر يُسجّل على ورق بل قاعدة متينة لأي مستقبل وكما يُقال: من ليس له ماض لا حاضر له، لذا أود في بداية الأمر أن ألفت نظر القارئ الكريم بأنّ كتابة التاريخ ليست بنزهة أو بالعمل اليسير أو سهل المنال، بل يعسر الولوج إلى عوالمه فهو عبارة عن سلسلة من الأحداث الحقيقية وقعت في زمان ومكان ما، وأنّ الأفراد والجماعات التي عاشتها هي بدورها تعكس – في نهاية المطاف – تلك الأفعال والأعمال التي وقعت في أي محطة من محطات الحياة البشرية، ولا تكمن أهمية كتابة التاريخ أو غيرها من أصناف البحوث في كثرة عدد الصفحات من قلتها، وإنما فيما يحتويه العمل من أفكار ومضامين، وفي قدرة الكاتب على ربط خيوط الأحداث، وبراعته في صقلها أثناء صياغته لها؛ بحيث يضع الأحداث في سياقها الحقيقي، ويتوقف على ماهية المعلومات التي يمتلكها الكاتب الشفهية منها والمكتوبة .
الحذر والتجرد من الذاتية
واستطرد السعدوني قائلا :كما يتحتم على الكاتب أن يكون حذرًا ومتجردًا أثناء تناوله لتلك الأمور التي هي في غاية من الحساسية، إذ يترتب عليه أن يبحث عن المتاح من المعلومات المرتبطة ببحثه، وتمحيصها تمحيصًا دقيقًا قدر المستطاع، وأن يحرص على أن يكون محايدًا وموضوعيًا عند تناوله كلّ الموضوعات في بحثه، بحيث يضع كل شيء في موضعه وفي مستوياته الممكنة، وهذا يتطلّب تحرّي الصواب ودقة المعلومة التي يجمعها، بما فيها تلك التي يمتلكها هو؛ سواء التي عاشها وعاصرها بصفته الشخصية أو المنقولة إليه عبر الآخرين ككبار السن الذين عاشوا بعض تلك الأحداث، أو وصلتهم من الذين سبقوهم أو من خلال ما يحصل عليه من وثائق ومخطوطات مكتوبة.
ومن أجل ذلك فقد سعيتُ جاهدًا للولوج إلى ما يمكن الولوج إليه بهدف تصويب محتوى هذا الكتاب مع قناعتي بأنّ أي عمل بشري قد يعتريه القصور والنقصان، وأقرُّ بقصور تجربتي ومحدودية بحثي الذي قيدته بإطار زمني محدد، مع يقيني بأن تلك الحقبة أي حقبة سعيد بن عامر عكعاك المُلقب بـ “سعيد السعدوني، وفق ما جاء في المخطوطة التي حصلنا عليها من أرشيف آل همام قد سبقتها عدة حقب ومراحل تاريخية لها رموزها وشخصياتها كان لهم حضورهم خلال تلك الأزمنة الغابرة بلا شك، ولكن لندرة المصادر الموثقة التي تمكننا من الرجوع إليها في حال تم التطرق إليها، فقد قيدتُ هذا البحث لأتناول فيه ما ارتبط بمدينة رخيوت في حقبة الشيخ سعيد بن عامر الملقب بـ سعيد السعدوني” ومن تلاه لكي يتلاءم أو يتوافق مع العنوان الذي يتصدر الكتاب استنادًا إلى ما امتلك من معلومات متواضعة مترابطة بمعاصري تلك الحقب الزمنية لهذه المدينة العريقة وبندرها التاريخي، هذا أولاً.
وثانيًا يُعد هذا العمل بمثابة أوّل تجربة لي في التجاسر على بحث يتسم بهذه الأهمية والحساسية، وثالثًا بما أنّي غير متخصص في البحث العلمي، والذي له الكثير من المحددات التي تلزم الكاتب أو الباحث التقيد بها واتباعها أثناء كتابته، بينما ومن الواضح أن الأسلوب الذي اتبعته يغلب عليه الجانب السردي مع بعض الوقفات التحليلية المتواضعة عندما أتناول بعض تلك الأحداث التاريخية المهمة التي يتطلب الوقوف عندها، وتمحيصها لسبب أو لآخر .
تجربة ومغامرة
واوضح السعدوني في حديثه لنا : أرجو أن يضع النقاد والمختصين لي في هذه التجربة المبرر بعين الاعتبار ، هذا مع إدراكي التام بصعوبة ما أخوض فيه، وما قد يترتب عليه من ،تبعات، غير أن الواجب حتم علي المغامرة والمضي قدمًا في هذه التجربة، وإن شابها بعض القصور، والكمال لله. وبحثنا هذا عبارة عن محاولة متواضعة سنضعها في متناول أيدي القرّاء، وفيه سنحاول تناول بعض “ملامح تاريخ مدينة رخيوت القديم”، والذي نسعى من خلاله إلى تبيان وتوثيق وحفظ ما أمكن من هذه الذاكرة لأحفادنا لنطلعهم على ماضي أسلافهم، وما كانت تحظى به مدينتهم (رخيوت من ماضٍ يُحتذى به يومها؛ فقد كانت تشكّل ملاذا آمنا للنازحين، ومقصد الرخاء للتجار والقادمين إليها من كل حدب وصوب عرفها وتحدث عن بندرها القاصي والداني ولطالما حظيت هذه المدينة بهذا التاريخ الحافل وبهذا الإرث الحضاري التليد والذي يمثل هويتها، فالواجب يملي علينا التدوين ونقل الأحداث من الشفهي إلى المكتوب حفاظًا عليه من التلف والاندثار.
وكم استوقفتني ذاكرتي عند أوّل زيارة لمدينة رخيوت بعد عودتي من المهجر عام 1994م، وتجوالي في كل زوايا وأزقة المدينة القديمة المكوّنة من ثلاث حارات : ( عيياق) وتعني وسط المدينة، و (مسباخ) وهي جنوب شرق المدينة، و (جربيب) وهي الجهة الغربية، والتي يقع فيها منزلنا الذي ولدت فيه. لقد اعترتني الحيرة والدهشة عند رؤيتي لتك المنازل المتهالكة التي أصبحت أشبه بأطلال، فأجهشت بالبكاء لرؤيتي للحال الذي آلت إليه تلك الحارات التي كانت تشكل يومها الواجهة التاريخية والحضارية لهذه المدينة العريقة ومازالت، وكان لذلك البكاء ما يبرّره تذكرت حينها قصيدة المرحوم الشاعر علي النهاري التي قالها في أواخر الأربعينيات من القرن الماضي، حيث ضرب لها فألا مشؤومًا وحدث لها ما تنبأ به والتي سنذكرها في الفصل الأخير من هذا الكتاب واصفًا حال رخيوت وما لحقها وأهلها وتجارتها من جراء الحرب العالمية الثانية والذي بسببه توقفت الحركة التجارية بين الهند وبقية البلدان الأخرى، وما نجم عنها من كساد تام لتجارة اللبان الأمر الذي انعكس على أحوال النّاس وحياتهم ومعيشتهم بصفة عامة، وعلى التّجار المرتبطين بتجارة اللبان من والي الهند بصفة خاصة، فضلًا عن الأمراض والأوبئة التي انتشرت في مختلف بلدان العالم من جراء تلك الحرب وقد نالت رخيوت نصيبها ، ولم يتوقف ذلك التنبؤ أو ذلك الفأل المشؤوم الذي رسمه الشاعر عند بضع كلمات من الشعر فحسب، بل تجسّد واقعًا مفزعا تجلّى في هجرة الأهالي بسبب حرب ظفار ومغادرتهم لها دون رجعة إلى وجهات مختلفة، وكلّ من عاد منهم من الشتات إلى الوطن قرّر الاستقرار في مدينة صلالة لعدم أهلية مساكنهم في رخيوت للأسباب التي تم ذكرها، ومازالوا إلى يومنا هذا، مما زاد من حسرتي إذ لم أجد فيها يوم زياتي لها بعد عودتي غير أسرتين ممن كانوا يسكنون مدينة رخيوت قبل هجرتهم لها، بينما بقية الأسر التي وجدتها في ذلك اليوم فهي من الأهالي والأسر التي نزلت من الجبل بعد أن حررتها الحكومة من الجبهة في عام 1975م، بالإضافة إلى المركز الإداري وبعض المقرات الحكومية الحديثة التي أنشأتها لموظفيها، وأذكر أنني استشعرت يومها، وكتبت أكثر من قصيدة رثاء معبرًا من خلالها عن ما أكنه من مشاعر وأحاسيس جيّاشة صادقة حيال هذه المدينة التاريخية، وبالرغم من تواضع قريحتي مازلت أذكر بعض أبيات تلك القصائد سأتطرق إليها في باب الإرث الثقافي والفني من هذا الكتاب.
ويتكرّر الحال كلّما أزورها بين الحين والآخر لأجد نفسي منزويا بجوار أحد زوايا جدران تلك المنازل المتهالكة لأتأمل حالها، ولأمعن النظر طويلًا في تلك المنازل والبيوت القديمة مسترجعا كلّ أسماء الأسر والأفراد ممّن كانوا يسكنونها، وأنا أتجوّل في أزقتها، فلم أجد ما أفعله يومها إلا السير على خطى المثل القائل: “قد كان فلان“، وهكذا رددت حينها قد كانت رخيوت)، وأيقنت عندها بأن حالها متطابق مع الوصف الذي أطلقه عليها علي النهاري في فَاله المشؤوم، وتخيلت في ذات الوقت عمرها الافتراضي والفترة الزمنية التي بنيت فيها هذه البيوت والمنازل المتواضعة بشكلها وتركيبتها البسيطة والكبيرة بتاريخها وشموخها وشموخ أصحابها ورموزها، ومن بينهم من نتفاخر به اليوم ونكابر بأعمالهم وأفعالهم وإنجازاتهم من خلال كتابتنا لهذه الصفحات الجديرة بالاهتمام، وكلّ تلك الصور والمشاهد، وتلك الأطلال التي عكستها ذاكرتي في ذلك اليوم واسترجاعي للكثير من الذكريات الجميلة عن هذه المدينة العريقة لسنوات خلت هي التي ألهمتني وحفّزتني لكتابة هذا البحث بما يحمله من تفاصيل متواضعة، وأن أقوم بجمع وتدوين كلّ ما هو متاح وله صلة بتاريخ رخيوت القديم .
الذاكرة التاريخية
وقال السعدوني : أود هنا أن أؤكّد للأمانة التاريخيّة على أنّ كلّ ما أسعى إليه من وراء هذا العمل ليس الشهرة، وإنّما الأمر أهم وأسمى وأكبر مما قد يتوقعه البعض، وهو الحرص على توثيق وحفظ هذه الذاكرة التاريخية لأحفادنا كي نُمكنهم – كما سبق وذكرت – من الاطلاع على ماضي أسلافهم، وعلى ما كانت تحظي به مدينتهم من منزلة لها حضورها فيما مضى، لكون هذا الإرث يمثل هويتها، فلا بدّ من الحفاظ عليه من التلف والاندثار حتى تتمكن الأجيال القادمة من التعرّف عليه ودراسته والاستفادة منه ولهذا فقد سخّرت كلّ طاقاتي للحصول على ما يمكن الحصول عليه من معلومات لها صلة مباشرة بتاريخ مدينة رخيوت لأوظفها في هذا البحث، والمدعومة بالكثير من القرائن المكتوبة منها والشفهية لأضمنها في ملحقات الكتاب، لكي نرفع الحجاب عمّا غاب من ماضي وتاريخ هذه المدينة العريقة، ولا يُخفى عليكم لقد كان هذا المشروع هاجسًا صاحبني وأرقني لسنوات قد مضت، غير أنّ ظروفي الخاصة وقفت حاجزا أمام تحقيقه وخروجه للعلن، إلا أنّه مازال ممكن التحقق ومازال يُثير اهتمامي، وما زلتُ أرى فيه فائدة عظيمة للبلاد والعباد؛ لذا حرصت على استغلال كلّ الفرص السانحة لأسخر ما تبقى من العمر في تدوين كلّ ما تسعفني به ذاكرتي وذاكرة كبار السن قبل فوات الأوان، بالإضافة إلى استغلال ما قد أحصل عليه من معلومات شفهية أو مكتوبة من الغير لأضمنها في جنبات هذا الكتاب؛ لنحفظ ولنضمن لهذه المدينة ولو القليل من حقها، ونسأل الله أن يوفقنا بإتمام ما قرّرنا القيام به على النحو الأمثل .