BBC العربية
- ميليسا نعمان
- بي بي سي نيوز
“كان الأمر مرعباً. اعتقدت أنني سأموت. كنا 52 شخصاً على متن قارب صغير ولم يكن لدينا أي فكرة عن الاتجاه الذي يجب أن نسير فيه”.
“ريان” (اسم مستعار) هو واحد من 45728 شخصاً عبروا القنال الإنجليزي إلى المملكة المتحدة العام الماضي طالبين اللجوء.
وكانت هذه المحطة الأخيرة في رحلته إلى بر الأمان التي أخذته عبر خمس دول مختلفة، بما في ذلك أوكرانيا.
اليوم، ريان طالب جامعي في جنوب ويلز يحلم بأن يصبح معلماً للرياضيات.
“أريد أن أكون قدوة للشباب. أريد أن ألهمهم، وأريهم كيف يعيشون حياة جيدة. من المهم للجيل القادم ألا يرى الفرق بين لونك ومن أين أتيت”.
لكن ريان لن ينسى أبداً رحلته للبحث عن ملاذ آمن.
ولد ريان في المملكة العربية السعودية لأسرة صومالية، وفي سن الثامنة عشرة عاماً قرر الهروب من نظام الكفالة في السعودية ومحاولة الاستقرار في وطن عائلته.
وصل إلى الصومال على أمل أن يكون وطنه على المدى البعيد، لكنه سرعان ما أدرك أنه لا يستطيع البقاء هناك.
وقال ريان: “نشأت في بلد مسالم، لم أر مطلقاً سلاحاً في حياتي. في يومي الثالث في الصومال، وجهت عصابة مسدساً إلى رأسي لأن شعري كان طويلاً جداً بالنسبة لهم. وأخذوا هاتفي، وقاموا بتحطيمه وأعطوني أداة لحلق شعري”.
“كانت البنادق مثل الماء، في كل مكان. شعرت بالخوف. لم أغادر غرفتي في الفندق لأيام”.
بعد الموافقة على طلب تأشيرة مجانية عبر الإنترنت لروسيا، حجز ريان رحلة إلى موسكو، دون أن يعرف أين سيُقيم. وهناك، سرعان ما شعر بالترحاب وتكوين صداقات.
ولكن عندما انتهت صلاحية تأشيرته بعد شهرين ونصف الشهر مع عدم وجود خيار لتجديدها، فقد حان الوقت للمضي قدماً مرة أخرى.
“الشرطة تضربني كل يوم”
يقول ريان إن الشرطة استولت على جوازات سفر أصدقائه، لذلك في ظل عدم وجود وسيلة قانونية لمغادرة البلاد، ذهبوا إلى شخص يعرفونه يعمل مع الحكومة ويقوم بتهريب الناس إلى أوكرانيا.
ذهب أصدقاؤه من دونه، بينما كان ينتظر عمه في السعودية ليحوّل له ما يعادل 1400 جنيه إسترليني، وهو المبلغ المطلوب لعملية تهريبه.
لم يكن متأكداً من أنه سينجو من تلك الرحلة. ويصف أنه خُدع من قبل مهربي البشر، إذ تعرض للإيذاء الجسدي وتُرك عارياً دون أمتعته. وبعد وقت قصير من وصوله إلى أوكرانيا، أُلقي القبض عليه وقال إن الشرطة ضربته لعدة أيام.
وقال “كنت أفهم اللغة الروسية في ذلك الوقت، لكنني لم أستطع التحدث بها. كان لدي مترجم من مصر. كان أحد رجال الشرطة يطرح سؤالا ويضربني الآخر”.
“طلبت منهم إعادتي إلى الصومال. قالوا لي كم عدد الأشخاص الذين يموتون في الصومال كل يوم؟”
وأضاف أن الضباط قالوا إنه لن يهتم به أحد في الصومال.
وقال ريان إنه تعرض لإساءة عنصرية وتم خلع أحد أسنانه. أراد الضباط معرفة اسم المهرب، لكنه لم يكن يعرف الاسم. وبقيت هذه الحادثة عالقة في ذاكرة ريان حتى يومنا هذا.
”نظرت إلى أصدقائي، ووجدت أن أيدينا كانت ملطخة بالدماء. لكننا شعرنا بالامتنان لأننا ما زلنا على قيد الحياة”.
وبعد أن أمضى أربعة أشهر في السجن، كان ريان يتحدث الأوكرانية وتعهد بعدم التعامل مع المهربين مرة أخرى.
وتحسنت الأمور عندما بدأ علاقة مع امرأة أوكرانية، وعاش مع أسرتها لمدة عام ونصف العام، إلا أن العلاقة انتهت بعد ذلك.
ومع اقتراب الغزو الروسي لأوكرانيا، طلب رجال الشرطة من ريان وأصدقائه الانضمام إلى الجيش الأوكراني، وتم وعدهم بمنحهم الجنسية، لكنهم لم يكونوا راغبين في القتال.
وقال ريان: “كان لدي خياران”. “إما أن ألتحق بالجيش الأوكراني أو أعد إلى الصومال”.
اصطحبهم صديق أوكراني للاختباء في إحدى القرى على الحدود.
“كان شهر سبتمبر/ أيلول ذاك بارداً جداً. بقينا في الخارج. وكانت درجة الحرارة تبلغ نحو 15 درجة مئوية تحت الصفر. في اليوم الثالث شعرت وكأنه آخر يوم لي. لا يمكنك التحرك، فالبرد يأتي داخل جسدك وينخر فيه طوال الوقت”.
ونقلوا إلى المجر ثم إلى سلوفاكيا قبل أن يعرض عليهم شخص غريب وسيلة نقل مجانية إلى فيينا.
وقال: “الشرطة في النمسا أخذت جميع مدخراتهم وهواتفهم واقتادتهم إلى السجن لأنهم وصلوا بشكل غير قانوني”.
وأضاف: “أصبت بنوبة هلع بسبب السجن الأوكراني”.
“عندما كنت هناك، تذكرت كل ما حدث لي. كنت أخشى أن يحدث لي نفس الشيء مرة أخرى، في السجن لمدة أربعة أشهر، بدون هاتف، لا أحد أتحدث معه”.
ونُقل إلى مخيم للاجئين حيث كان قادراً على كسب المال مقابل الترجمة التي كان يقوم بها للناطقين باللغة العربية والأوكرانية، وقال إنه كان سيختار البقاء في البلاد لأشهر أو سنوات غير أن صفة “لاجىء” ستبقى لصيقة به.
وقال ريان إنه تعرض هو وطالبو لجوء أفارقة آخرين لإساءات عنصرية من قبل السلطات.
ثم قرر ريان مع صديق لاجئ يمني وزوجته الأوكرانية المغادرة وتوجهوا إلى فرنسا، حيث تم الترحيب بهم كلاجئين جراء الغزو الروسي لأوكرانيا.
وقال ريان إنه لم يكن أمامه خيار سوى عبور القنال.
وقال إنه يخشى أن يتم إعادته إلى النمسا، لذلك اختار المغادرة إلى بريطانيا، لأنه تعلم بالفعل بعض اللغة الإنجليزية من الأفلام والألعاب.
كان شروق الشمس مبكرا. وبحلول الوقت الذي انطلق فيه القارب الصغير وعلى متنه أكثر من 50 شخصاً، كان ريان قد ندم بالفعل على قراره.
قائلاً: “تشعر باليأس، ولا تملك القوة. إنه الشيء الوحيد الذي يمكنك فعله”.
“خلعت سترة النجاة وأردت فقط أن أعود إلى الشاطئ، لكن الماء كان متجمداً. كان سيوقف قلبك”.
“كنت خائفاً حقا. كنت أشعر بالدوار والمرض”.
“أنت تغامر بحياتك”
بعد 18 ساعة على متن القارب الصغير، قام خفر السواحل البريطاني بإنقاذ ريان ومن كانوا على متن القارب.
وبمقارنة تجاربه في أوروبا، قال ريان إنه “دُهش” من الطريقة التي تمت معاملته بها من قبل الشرطة ومسؤولي الهجرة في المملكة المتحدة.
وقال: “لم أشعر بذلك قط. لقد عاملوني بلطف وتهذيب. شعرت وكأنني شخص يعيش هنا”.
“شعرت بالامتنان. والنقطة التي يجب أن نفهمها هي أنه ليس الجميع محظوظا باجتياز وعبور القنال. فأنت تغامر بحياتك. لكنني الآن أنا ممتن لأنني لم أغرق”.
ويفتقد ريان عائلته “أكثر مما يتخيله أي شخص آخر”، وقال إنه لم يكن ليغادر بلاده لو كان الوضع آمناً فيه.
“أقسم أنني سأعود ولن آتي إلى أوروبا أبداً. لماذا أتحمل كل هذه المخاطر إذا كان لدي بلد جيد؟”
“كانت حياتي في المملكة العربية السعودية أفضل 100 مرة مما كانت عليه في المملكة المتحدة. يعتقدون أننا جئنا من أجل المال، لكن لا، فالحقيقة جئنا إلى هنا للمحافظة على حياتنا”.
“أنا لا أهتم بالمال. أنا أهتم فقط بأن أعيش حياة آمنة”.
ويعيش ريان الآن على 38 جنيهاً إسترلينياً في الأسبوع لحين استكمال إجراءات طلب اللجوء الخاص به كما أنه لا يحق له العمل، لكنه قال إنه لا يشكو من ذلك.
“أنا سعيد هنا. أنا بأمان”.