BBC العربية
تعيش جزيرة مايوت الفرنسية في المحيط الهندي أوضاعاً مأساوية بعد أن ضربها إعصار “شيدو” السبت الماضي 14 ديسمبر/كانون الأول.
ألحق الإعصار الذي يعدّ الأعنف منذ 90 عاماً، أضراراً جسيمة في البنية التحتية وسوى أحياء بأكملها بالأرض.
وتفيد الحصيلة الأولية بمقتل ما لا يقل عن 21 شخصاً وإصابة المئات، لكن السلطات المحلية تخشى ارتفاع عدد القتلى إلى “مئات” أو حتى “بضعة آلاف” خلال الأيام القادمة.
وتعد جزيرة مايوت التي تبعد نحو 8 آلاف كيلومتر عن العاصمة الفرنسية باريس جزءاً من أراضي ما وراء البحار الفرنسية.
كما أنها الجزء الأفقر من بقية المناطق الفرنسية، إذ تعاني منذ عقود من أعمال عنف واضطرابات اجتماعية.
في هذا التقرير نتعرف على جزيرة مايوت، الأرض الأفريقية التي تحكمها فرنسا منذ عقود طويلة.
الجغرافيا والبيئة السكانية
تقع جزيرة مايوت في المحيط الهندي قبالة سواحل شرق أفريقيا بين مدغشقر وموزمبيق، وتعد الجزيرة أرخبيلاً صغيراً تبلغ مساحته 376 كيلومتراً مربعاً.
يتألف أرخبيل مايوت (أو جزيرة مايوت) من جزيرتين رئيسيتين هما “غراند تير” الكبرى، و”بوتيت تير” الصغرى، وتبعدان عن بعضهما مسافة بحرية قصيرة لا تتجاوز 2 كيلومتر.
جغرافياً، تقع جزيرة مايوت ضمن أرخبيل جزر القمر الذي يتكون من أربع جزر رئيسية هي: القمر الكبرى، أنجوان، موهيلي، ومايوت.
وتبعد مايوت نحو 70 كيلومتراً عن جزيرة أنجوان التي تشكل مع جزيرتي القمر الكبرى وموهيلي وجزر صغيرة جمهورية جزر القمر العربية.
يبلغ عدد سكان مايوت نحو 321 ألف نسمة، غالبيتهم من المسلمين بنسبة تصل إلى 97 في المئة، ونصفهم تقريباً من المهاجرين غير الشرعيين القادمين من جزر القمر، مدغشقر، وحتى دول بعيدة مثل الصومال والكونغو.
وكون مايوت جزءاً من فرنسا فاللغة الرسمية فيها الفرنسية، لكن لغات محلية أخرى مثل “شيماوري” لا تزال مستخدمة بشكل واسع هناك.
تاريخياً عُرفت مايوت باسم “جزيرة الموت”، وهو الاسم العربي الأصلي لها قبل أن تغير فرنسا اسمها إلى مايوت، الاسم الرسمي المستخدم اليوم.
ويعود سبب تسميتها بـ “جزيرة الموت” إلى الشعاب المرجانية المحيطة بها، والتي كانت تتسبب في تحطيم وغرق السفن القادمة إليها.
“بين الاستعمار الفرنسي والنزاع السياسي”
استوطن البحارة العرب أرخبيل جزر القمر لأول مرة قبل نحو ألف عام، وهناك أسسوا سَلْطنات صغيرة على الجزر الأربع، وانتعشت التجارة بين الأرخبيل ومدغشقر وشرق أفريقيا.
وفي عام 1841، اشترت فرنسا جزيرة مايوت من السلطان أندريان سولي بعدما كانت معقلاً للقراصنة. وفي عام 1843 أصبحت مايوت رسمياً أول جزيرة من جزر القمر تخضع للسيطرة الفرنسية.
وبحلول عام 1912، بسطت فرنسا سيادتها على جزيرة القمر الكبرى وأنجوان وموهيلي، وأصبحت جزر القمر مستعمرات فرنسية رسمياً.
وفي عام 1974، وبعد نضال طويل ضد الاستعمار الفرنسي، أُجري استفتاء شعبي حول استقلال جزر القمر، ليصوّت 63 في المئة من سكان مايوت للبقاء تحت سيطرة فرنسا، بينما صوّت سكان الجزر الثلاث الأخرى لصالح الاستقلال.
وفي عام 1975، أعلنت السلطات القمرية (بجزرها الثلاث) استقلالها على نحو أحادي، لتنظم فرنسا استفتاء آخر في العام التالي أظهر رغبة أقوى لسكان مايوت للبقاء تحت الإدارة الفرنسية.
وفي استفتاء أُجري عام 2009، صوّت أكثر من 95 في المئة من سكان مايوت لتكون مقاطعة فرنسية تتبع مقاطعات ما وراء البحار، وهو ما تحقق في 2011، لتصبح الجزيرة رسمياً المقاطعة الخامسة والمحافظة الفرنسية رقم 101.
أثار القرار توتراً سياسياً مع دولة جزر القمر العربية، التي تعتبر مايوت جزءاً من أراضيها، وتطالب باستعادتها.
ولا تعترف الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية بالسيادة الفرنسية على مايوت، لكن سكانها يتمسكون بالبقاء ضمن فرنسا نظراً للخدمات الاقتصادية والاجتماعية التي تقدمها.
“فقراء في فرنسا وأغنياء في أفريقيا”
رغم أن مايوت جزءاً من فرنسا، وحظيت باعتراف الاتحاد الأوروبي عام 2014، إلا أنها تعاني من معدلات فقر وبطالة مرتفعة.
ويعيش 75 في المئة من سكانها تحت خط الفقر، فيما تبلغ نسبة البطالة 37 في المئة، يُضاف إلى ذلك أن ثلث السكان يعيشون في أكواخ صفيح تفتقر إلى البنية التحتية الأساسية، بحسب رويترز.
ويعتبر مستوى الخدمات التعليمية والصحية متديناً في الجزيرة التي تعتمد على المساعدات الفرنسية بشكل كبير.
ورغم كونها أفقر مقاطعة فرنسية، لكن مايوت غنية نسبياً مقارنة بجزر القمر المجاورة؛ لذلك يرى سكانها أن بقاءهم ضمن فرنسا يضمن لهم مستوى معيشياً أفضل.
والهجرة واحدة من أبرز القضايا التي تواجه الجزيرة، حيث تشهد تدفق آلاف المهاجرين غير الشرعيين – خاصة من جزر القمر- أملاً في حياة أفضل أو للحصول على الجنسية الفرنسية لأطفالهم.
وفي عام 1995 فرضت فرنسا تأشيرة دخول على مواطني جزر القمر الراغبين في السفر إلى مايوت، وهم الذين اعتادوا التنقل بحرية بين الجزر الأربع للعمل أو زيارة عائلاتهم؛ ما أدى إلى تصاعد وتيرة الهجرة غير الشرعية.
“جزيرة العطور والبن”
لجزيرة مايوت أهمية جيوسياسية نظراً لموقعها القريب من قناة موزمبيق في المحيط الهندي، ونظرا لامتلاكها احتياطات من الغاز الطبيعي، ولذلك يرى بعض مواطني جزر القمر أن وجود فرنسا في الجزيرة هو “وجود استعماري اقتصادي”.
وتتميز مايوت أيضاً بتنوع بيئي فريد، حيث تضم شعاباً مرجانية تعد من أجمل الشعب في العالم، وتحيط بها واحدة من أكبر البحيرات الطبيعية في العالم.
كما تشتهر بزراعة النباتات العطرية، وعلى رأسها زهرة “إلانغ إلانغ”، التي تدخل في تركيبات أهم لعطور الفرنسية. إلى جانب ذلك، تزدهر فيها زراعة الفانيليا والبن، والتي كانت مصدرا مهما للدخل الاقتصادي في الماضي.
ويعتمد السكان المحليون للجزيرة على الزراعة وصيد الأسماك كمصدر دخل أساسي، بينما توفر المساعدات الفرنسية وظائف في التعليم والخدمات الصحية والإدارية. ورغم هذا التنوع يظل اقتصاد الجزيرة هشاً يعتمد بدرجة كبيرة على الأموال الفرنسية الممنوحة.