رويترز
من زكية عبد النبي
الرباط (رويترز) – يحتدم النقاش المجتمعي والقانوني في المغرب منذ منتصف الشهر الماضي بشأن التعديلات المقترحة لمدونة الأسرة، ورغم اختلاف الآراء بين مؤيد ومعارض ومن يرى عدم جدوى التعديل فإن نقطة الالتقاء بين الجميع هي التحفظ وعدم الرضاء الكامل عن التعديلات.
وتشمل أحدث مدونة للأسرة في المغرب التي أقرت عام 2004 قوانين الأحوال الشخصية مثل الزواج والطلاق وحضانة الأطفال.
وفي عام 2022 قال العاهل المغربي محمد السادس في خطاب إن المدونة وإن شكلت قفزة إلى الأمام فإنها “أصبحت غير كافية” وكلف رئيس الحكومة حينها بتشكيل هيئة من مختلف الأطراف المعنية بمراجعة المدونة.
وكشف وزير العدل عبد اللطيف وهبي في مؤتمر صحفي الشهر الماضي أبرز ملامح التعديلات المقترحة والتي تتركز في وجوب استئذان الزوجة عند عزم زوجها الاقتران بأخرى، وعدم إسقاط حضانة الأم المطلقة لأطفالها عند الزواج مرة ثانية، والإقرار بأن أداء الزوجة للأعمال المنزلية هو عمل غير مدفوع الأجر يعد إسهاما في تكوين الثروة المكتسبة أثناء فترة الزواج.
لكن رغم الكشف عن التعديلات المقترحة للرأي العام فإن الكثير من النقاط ظلت غير موضحة بالشكل الكافي أو بحاجة للتفسير مما فتح الباب أمام الانتقادات من المؤسسات الأهلية والأحزاب السياسية لينتقل الجدل إلى منصات التواصل الاجتماعي إذ وصل الأمر أحيانا إلى السخرية.
وكلف العاهل المغربي رئيس الحكومة والوزراء بالتواصل مع الرأي العام لتوضيح المضامين الرئيسية للتعديلات مع إحالة المقترحات المرتبطة بنصوص دينية إلى المجلس العلمي الأعلى، وهو أعلى سلطة دينية رسمية في المغرب ويضم الهيئة العلمية للفتوى، لإعادة النظر فيها.
* الحضانة
مع إبداء عدد من الجمعيات النسائية والمدافعين عن حقوق المرأة ترحيبا عاما بالتعديلات المقترحة بقيت تحفظات لدى هذه الجهات على بعض النقاط التي تطالب بإعادة النظر فيها قبل إقرار المدونة.
وقالت عائشة الحيان، المحامية ورئيسة اتحاد العمل النسائي، لرويترز، إن التعديلات المقترحة “رغم استجابتها لبعض مطالبنا فإنها ظلت جزئية، ولا تستجيب لمقومات الإصلاح الشامل والعميق الذي كنا ننتظره”.
وأضافت “بقيت نفس الخلفية المتحكمة في القوانين السابقة هي نفسها المتحكمة في المقترحات الجديدة التي تم الإعلان عنها، حيث حافظت على التراتبية والتمييز في الأدوار والمكانة بين الزوجين ولم تحقق المساواة والعدل داخل الأسرة، الشيء الذي سيعرقل النهوض بوضعية النساء ويحد من مساهمتهن الكاملة في كل مناحي الحياة”.
واستشهدت بالمواد المتعلقة بوضع الأطفال في المدونة قائلة إن “النيابة القانونية التي تطرح إشكالات كبيرة تمس مصلحة المحضونين بالأساس، لم يطرأ عليها تغيير كبير إذ نصت التعديلات على النيابة القانونية المشتركة أثناء علاقة الزواج، وبعد انفصالهما وفي حالة عدم الاتفاق يوجه للقضاء، في حين أن مطلبنا كان هو جعل النيابة القانونية بعد الطلاق مرتبطة بالحضانة أي من له الحضانة تكون له النيابة القانونية سواء الأم أو الأب لتفادي الإشكالات التي تستدعي الرجوع للقضاء وإهدار الوقت والمصاريف بما تضيع معه مصالح الأطفال”.
كما انتقدت عائشة رفض المدونة المرتقبة “الخبرة الجينية”- أو تحليل الحمض النووي (دي.إن.إيه)- للأطفال لإثبات النسب، واعتبرته “يعارض المصلحة الفضلى للطفل.. ويحرم الأطفال من حقهم الأساسي في النسب رغم الإمكانية التي توفرها الخبرة الجينية لإثبات ذلك، بشكل علمي دقيق مما يجعل عددا كبيرا من المغاربة خارج اهتمامات الدولة وبرامجها” في حين اعتبر المشرع المغربي هذا الأمر يرجع للشريعة الإسلامية التي لا تجيز نسب ولد الزنا للزاني، وأن “الولد للفراش”.
* الاحتكام للدين
في المقابل، أصدر مجلس إرشاد (جماعة العدل والإحسان) وهي حركة إسلامية مجتمعية مغربية مستقلة بيانا قال فيه إن التعديلات المقترحة “جاءت على غير ما كان ينتظر” مطالبا بالاستناد إلى القرآن والسنة في الفصل في قضايا الأسرة.
وجاء في البيان أن المقترحات المقدمة “تزيد من تهديد التماسك الأسري وتعميق الهوة داخل العائلات، في مقابل تملص الدولة من واجباتها المؤكدة في ضمان العدل الاجتماعي والاقتصادي”.
وحذر البيان من أن “هذه ‘التعديلات‘ المجحفة والمخيفة ستزيد الشباب عزوفا عن الزواج مما سيضاعف التأثير على معدلات الخصوبة في البلاد وعلى الهيكل العمري للسكان”.
كما اعتبرت (رابطة علماء المغرب العربي) أن التعديلات المقترحة “مخالفة للشريعة” وستدفع الناس للجوء إلى الافتاء الشرعي عوضا عن التقاضي بالمحاكم.
ولخصت أسباب رفضها للتعديلات في بضع نقاط منها أن “اعتبار عمل الزوجة المنزلي مساهمة في تنمية أموال الزوج من أجل تقاسم أمواله في حال الطلاق هو “قول علماني غربي لم يقل به أحد من الفقهاء”.
وشملت اعتراضات الرابطة مواد حضانة الأطفال إذ قالت إن “ولاية الأب ثابتة على أبنائه بعد الطلاق وقبله، وتخويل الأم الحاضنة النيابة القانونية ظلم للزوج وحرمان له من حق من حقوقه الثابتة”.
وأشارت الرابطة إلى أن ما جاء في التعديلات المقترحة “لم ينبع من نقاش فقهي أو اجتماعي وإنما هي ضغوط دولية فرضت على المغرب وعلى غيره من البلدان الإسلامية، وأن نتائج هذه التعديلات لن تخدم الأسرة ولا المجتمع ولا المرأة نفسها”.
وأطلقت الرابطة حملة توقيعات على عريضة لرفض التعديلات داعية القضاة والمحامين أيضا إلى رفض التعديلات والوقوف في وجهها بكل الوسائل المتاحة “حتى لا يتحملوا وزر تنفيذ هذه القوانين”.
* ثقافتان
من جانبه، يرى المحلل الاجتماعي المغربي فؤاد بلمير أن “قانون الأسرة في المغرب هو أصعب قانون، لأنه يمس جميع فئات المجتمع وجميع الأطياف، ويهم بالدرجة الأولى الأسرة التي هي النواة الصلبة للمجتمع، وبالتالي فصياغته تكون دقيقة جدا، وتشمل جميع الزوايا”.
وقال لرويترز إن أي تعديلات يجب أن “تحافظ على المقومات الثقافية والدينية والحضارية للمغرب، مع مواكبة التحولات التي طرأت على المجتمع المغربي”.
وأضاف أن “المغرب دائما تتجاذبه ثقافتان، ثقافة تحاول أن تجره إلى العصرنة بشكل مطلق، وثقافة محافظة جدا تشده بالحبال إلى الوراء” مشيرا إلى أن المؤسسة الملكية هي صمام الأمان إذ “دائما ما تسعى إلى الوسطية والاعتدال”.
وأضاف أن “مشروع الزواج من أهم مشاريع الحياة، ولكن لا تعطى له العناية اللازمة في المغرب لأن ما يتم تداوله في مواقع التواصل الاجتماعي المبني على التنكيت والتفاهة وغياب المفهوم الدقيق للقوانين، والجهل يؤثر على الشباب ويبعدهم عن التفكير في تأسيس الأسر”.