/العمانية/
الجزائر في 12
فبراير/العُمانية/ أثرى الشاعر الجزائريُّ، ميلود حكيم، المكتبتين الجزائرية
والعربية، بترجمة “محمد ديب.. الأعمال الشعرية الكاملة”، من الفرنسيّة
إلى العربيّة، وهو كتابٌ من ثلاثة أجزاء، صدر عن منشورات الكلمة بالجزائر، ويتضمّن
مجموع الدواوين التي نشرها محمد ديب (1920/2003) في حياته، إضافة لنصوص غير منشورة
أُضيفت لهذا العمل بعد وفاته.
ويؤكّد المترجم ميلود حكيم
في حوار لــ “وكالة الأنباء العُمانية” بالقول “إنّ محمد ديب في
الأساس شاعرٌ، رغم أنّه معروف بكونه روائيًّا، إلا أنّ حضوره الشعري له تميُّزه،
منذ ديوانه الأول “الظل الحارس” الذي نشر في أوائل الستينات ووضع مقدّمة
له الشاعر لوي أراغون”.
ويضيفُ “في هذا
الكتاب، تتنوّع القصائد بين الهمّ الوطني، ووصف معاناة الجزائريّين تحت نير
الاستعمار، وقصائد يمتزج فيها الحبُّ مع المنفى، والكآبة مع الدعابة المُرّة. وقد
أدخلتْ هذه القصائدُ الشاعرَ بقوّة في المشهد الشعريّ الفرنسي، بفضل جمالياتها
واختلافها عمّا كان سائدا من شعر في فرنسا، وقد نوّه بها أراغون. أمّا الديوان
الثاني فهو “صياغات”، ظهر في منشورات “سوي” بفرنسا سنة 1970،
وفيه يتوغّلُ محمد ديب في تجريب شعريّ عميق، إذ تترسّخُ جملته وبلاغته المختلفة،
وتتنوّعُ موضوعاته لتلامس الأسئلة الكبرى. بعدها أصدر مجموعته الشعرية “إيروس
شامل الحضور” سنة 1975 ليؤكد حضوره الشعري من خلال تكثيف ثيمة الحب والحلول
في العالم، والذهاب في هرمسية غامضة، تحتفي بالعناصر وبشمس المتوسط، إذ نجد لغة
الجسد في تجلياتها المتنوّعة، وأقاليمها الكثيرة. وبقي الشاعرُ مخلصًا لمساره المنخرط
في مقاربة حميميّة للعالم، وفي تكثيف للغة يذهب بها إلى أقاصيها الرمزية التي
تنتصر للإيحاء والإشارة والتلميح على حساب اللُّغة المباشرة والسّطحية. هي كتابة
تشفُّ لتقول المجهول، ولتمنح للكلمات والأشياء علاقات جديدة. ويواصل ديب حفره
الشعري بعد ذلك من خلال دواوين أخرى مثل “النار.. النار الجميلة” 1979،
و” يا يحياء” 1984، ثم “فجر إسماعيل” 1996؛ وفيه يعود لإحدى
ثيماته المفضّلة المتمثلة في قصّة إسماعيل وتاريخ السلالة العربية، ومأساة
الهجرات، وصولا إلى طفل الانتفاضة، وهنا يظهر التزام محمد ديب بالقضايا العربية
والقضايا العادلة كالقضية الفلسطينية.
وفي سنة 1998، يُصدر
“طفل الجاز”، وفيه يُقارب العالم بعين طفل، وبلغة بسيطة وشفّافة، تنتصرُ
للبراءة والدهشة، وتدين الحروب التي تقتل الأطفال وتستعبدهم، وتدمّر طفولتهم. ويصل
محمد ديب في هذا الديوان الذي نال به جائزة “مالارمي” الشعرية إلى ذروته
الإبداعية. في سنة 2000، يُصدر ديب ديوانه “القلب الجزيري”، وفيه يبقى
وفيًّا لموضوعاته وعوالمه، ويُعمّق اشتغاله الشّعري الذي يتّجه أكثر إلى التقشُّف
اللُّغوي والتخلُّص من البلاغة الزائدة، ليصل إلى قصيدة كثيفة ومُركّزة، تكتفي
بذاتها، وتقول عفوية الشعر وبراءته، وأبعاده اللّعبية والمجانية، التي لا تمنح
معنى واضحا، بل أحاسيس ملتبسة تقول تلعثم اللُّغة وعجزها”.
ويواصل المترجم ميلود حكيم
حديثه بالقول “أمّا الديوان الأخير لمحمد ديب L.A. TRIP”،
فهو قصيدة رواية مكتوبة بعد إقامته في أمريكا، وهي مزيجٌ بين الفرنسية
والإنجليزية، يُقدّم فيها ديب مقاربة جديدة للكتابة والشعر، تمتزج فيها مشاهد من
الحياة الأمريكية، والشخصيات التي عاش معها في تلك الفترة، ونجد فيها أيضا تلك
الدعابة العذبة، والقدرة على التصوير، والتوغل في التفاصيل”.
ويُشيرُ المترجم إلى أنّ
الأعمال الكاملة تتضمّن أيضا، نصوصًا غير منشورة، جُمعت بعد وفاة الشاعر سنة 2003،
وفيها قصائد يواصل فيها ديب عمله الشّعري المتميّز، الذي يحفر في اللُّغة
الفرنسية، وشعريتها، بروح جزائرية، ومخيال يقتاتُ من الذاكرة الثقافية للشاعر، أين
نجد حضورًا للتراث، من أمثال، وحكم، وألغاز محليّة، وكذا لنصوص من التصوُّف والشعر
الشعبي، وشذرات أسطورية، تكتنزُ غنى التجربة التي تتقاطع فيها تأثيرات عديدة، وما
يُميّز محمد ديب شعريًّا، هو قدرته على التجديد، والتجريب المتواصل والمستمر، وكذا
حساسيته المرهفة التي تلتقط التفاصيل وتمنح صوتا للعناصر والكائنات، مع التركيز
على رؤية بريئة وعفوية للحياة، وقدرة على قول ما يبقى منفلتا ونائيا رغم قربه منا.
ويؤكد ميلود حكيم بالقول
“محمد ديب شاعرًا، هو الصوتُ الأكثر عمقا في تاريخ الأدب الجزائري، وقد آن
الأوان لنعرفه في هذا الجانب الذي لم ينل حقّه من الحضور، وهذا ما حاولته من خلال
ترجمة هذه الأعمال الشعرية الكاملة”.
ولا يُخفي ميلود حكيم صعوبة
ترجمة أعمال ديب بالقول “هناك صعوبة في ترجمة الشعر، وخاصّة شعر محمد ديب
الذي يتميّز بالغموض، والتجريب، وبلغة كثيفة ورمزية، لهذا كانت مهمّة شاقة، أمكن
تجاوزُها من خلال عملية بحث عميقة صاحبت ترجمتي، ومن خلال استقصاء المرجعيات
الثقافية والفكرية للنصوص، وكذا بعض التوظيفات التراثية والأدبية من نصوص محليّة
واستشهادات من الأمثال والحكم والألغاز والأساطير والنصوص الصوفية، كأنّ العمل هو
إعادة محمد ديب إلى لغته الأولى”.
يُشار إلى أنّ الشاعر ميلود
حكيم (1970) ينحدر من مدينة تلمسان (غرب الجزائر)، وهو واحدٌ من أهم شعراء جيله.
وإلى جانب الشعر، ينشغل بالترجمة. وقد أصدر العديد من الدواوين، أبرزُها
“جسدٌ يكتب أنقاضه” (منشورات الجاحظية/ 1996)، و”امرأة كلُّها للريح”
(منشورات الاختلاف/ 2000)، و”أكثر من قبر.. أقلّ من أبدية” (منشورات
البرزخ/ 2003)، و”مدارج العتمة” (منشورات البرزخ/ 2007). وقد تُرجمت
مختاراتٌ من شعره إلى الفرنسيّة، والإسبانية، والإيطالية، والإنجليزية.
/العُمانية/النشرة الثقافية
/طلال المعمري