BBC العربية
هز صراع على السلطة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه العسكرية أرجاء البلاد بعد أن سقط أكثر من خمسين مدنيا جراء الاشتباكات المسلحة.
ويحاول سكان العاصمة السودانية الخرطوم الفرار من إطلاق النار وسط اشتباكات بين القوات المتناحرة من أجل السيطرة على القصر الرئاسي، والتلفزيون الرسمي، ومقر القيادة العامة للجيش.
وقتل حوالي 25 شخصا، من بينهم 17 مدنيا، جراء الاشتباكات في الخرطوم، وفقا لمصادر طبية.
واندلعت الاشتباكات بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بعد تصاعد توترات بشأن المخطط المقترح لانتقال البلاد إلى الحكم المدني.
وأظهر تسجيل مصور طائرة مدنية تحترق في مطار الخرطوم. وقالت شركة الخطوط الجوية السعودية إن طائرتها “تعرضت لحادث”.
وقالت قوات الدعم السريع إنها تسيطر على المطارات والمواقع الرئيسية الأخرى. لكن الجيش نفى صحة ذلك، وقال إن طائراته تقصف قواعد قوات الدعم السريع.
ويزعم كلا طرفي الصراع على السلطة في السودان أنه سيطر على المطار، ومواقع رئيسية أخرى في الخرطوم حيث يستمر القتال على مدار الليلة.
وسمع دوي قصف بالمدفعية الثقيلة في أم درمان المتاخمة للخرطوم ومدينة بحري في الساعات الأولى من صباح الأحد. وقال شهود عيان إن مدينة بورسودان المطلة على البحر الأحمر شهدت إطلاق نار أيضا.
وقال الجيش إن قواته كانت تقصف قوات الدعم السريع، كما ناشد سلاح الجو السوداني المواطنين بالبقاء في منازلهم السبت الماضي وسط إجراء مسح جوي كامل لنشاط القوات شبه العسكرية.
ووصف سكان العاصمة السودانية مدى ما يشعرون به من ذعر وخوف. كما روى أحدهم لبي بي سي كيف كانت الطلقات تسدد إلى المنزل المجاور لمنزله.
ولقي حوالي 56 مدنيا مصرعهم في أنحاء متفرقة من البلاد، وفقا للجنة من الأطباء السودانيين. وأضافت المصادر الطبية أن العشرات من قوات الجيش قتلوا بينما يتلقى آخرون العلاج في المستشفيات.
وأشارت إلى أن إجمالي عدد المصابين في تلك الاشتباكات بلغ 595 على الأقل.
وقتل ثلاثة موظفين في برنامج الغذاء العالمي في السودان، وهو منظمة توفر إمدادات الغذاء للمجتمعات الأكثر احتياجا، أثناء تبادل إطلاق نار في قاعدة عسكرية في مدينة كبكابية غربي البلاد.
ويحكم الجيش السودان منذ الانقلاب الذي قام به في أكتوبر/تشرين الأول 2021.
ويستمر القتال بين وحدات الجيش الموالية للحاكم الفعلي للبلاد الجنرال عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة نائب رئيس مجلس السيادة السوداني الجنرال محمد حمدان دقلو، المعروف أيضًا باسم حميدتي.
وقال الجنرال حميدتي إن قواته سوف تواصل القتال حتى تتم السيطرة على جميع القواعد العسكرية في البلاد.
في المقابل، رفض الجيش الحديث عن المفاوضات “حتى يتم حل قوات الدعم السريع”.
“الكثير من الذعر والخوف”
وأظهر تسجيل مصور الناس في العاصمة السودانية وهم يهربون ويبحثون عن ساتر للاحتماء به بينما تتصاعد أعمدة دخان أسود في المدينة.
وقال صحفي في وكالة أنباء رويترز إن هناك مركبات مدرعة في الشوارع في حين أظهر تسجيل مصور طائرة مدنية تحترق في مطار الخرطوم. وقالت شركة الخطوط الجوية السعودية إن طائرتها “تعرضت لحادث”.
وعلقت شركات طيران أخرى رحلاتها إلى الخرطوم، كما أغلقت دولة تشاد حدودها مع السودان.
وقال طبيب بريطاني من أصول سودانية، يقوم بزيارة لأقاربه في السودان، لبي بي سي: “لا توجد كهرباء. وحرارة الجو مرتفعة إلى حدٍ لا يمكننا معه أن نفتح النوافذ، علاوة على الضوضاء التي تصم الآذان”.
وقالت شاهدة عيان لبي بي سي عبر أختها المقيمة في كينيا: “إطلاق النار لا يزال مستمرا والناس يقيمون في منازلهم – هناك الكثير من الذعر والخوف”.
وقالت إن السكان لم يتوقعوا وقوع اشتباكات، وحوصر الكثير منهم، مع إغلاق الجسور والطرق وإغلاق العديد من المدارس.
وكانت دعاء طارق تتحدث لبي بي سي عندما حلقت طائرة عسكرية فوق بنايتها – قالت: “إنهم يطلقون الذخيرة الحية على سطح المنزل المجاور ونحن الآن نلتجئ”.
وطالبت المملكة المتحدة، والولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والصين الأطراف المتحاربة في السودان بوقف فوري لإطلاق النار. كما تحدث الأمين العام للأمم المتحدة مع الجنرال البرهان والجنرال حميدتي، وحثهما على وقف العنف.
وقال السفير الأمريكي جون غودفري إنه “استيقظ على الأصوات المزعجة للغاية لإطلاق النار والقتال. وأضاف: “أنا الآن أحتمي في مكان مع فريق السفارة، كما يفعل السودانيون في جميع أنحاء الخرطوم وأماكن أخرى”.
وزعمت قوات الدعم السريع إنها سيطرت على ثلاثة مطارات على الأقل، لكن الجنرال عبد الفتاح البرهان نفى ذلك أثناء مقابلة أجرتها معه شبكة الجزيرة الإخبارية.
وأشارت تقارير إلى أن هناك اشتباكات في محيط مبنى تلفزيون الدولة الذي يقول شهود عيان أنه يخضع لسيطرة قوات الدعم السريع.
وكانت قوات الدعم السريع قد قالت في وقت سابق إن أحد معسكراتها في جنوب الخرطوم تعرض للهجوم. وقالت وكالة أنباء رويترز إن الجيش شن غارات جوية على قاعدة تابعة للدعم السريع في شمال غرب المدينة، وهو ما نسبته إلى شهود عيان.
في المقابل، قال الجيش إن قوات الدعم السريع تهاجم معسكراته وتحاول السيطرة على مقر القيادة العامة للجيش.
ونقلت وكالة أنباء “فرانس برس” عن المتحدث باسم الجيش العميد نبيل عبد الله قوله إن “الاشتباكات مستمرة والجيش يقوم بواجبه في حماية البلاد”.
وقالت رويترز إن مدينة مروي السودانية شمالي البلاد شهدت إطلاق نار هي الأخرى.
ونشرت قوات الدعم السريع فيديو قالت إنه للقوات المصرية التي “استسلمت” لها في مروي، في حين قال الجيش المصري إن جنوده موجودون في السودان للمشاركة في تدريب عسكري مع قوات الجيش السوداني وأنه ينسق مع الجيش السوداني لضمان سلامة أفراده.
ويحكم السودان مجلس السيادة التي يرأسه الجنرال عبد الفتاح البرهان، بينما يتولى منصب نائب رئيسة قائد قوات الدعم السريع حميدتي.
تعثر الانتقال لسلطة مدنية
وتعثرت الخطوة المقترحة لتشكيل حكومة بقيادة مدنية بسبب الجدول الزمني لدمج قوات الدعم السريع في الجيش الوطني.
وأرادت قوات الدعم السريع تأجيل الخطوة لمدة 10 سنوات، لكن الجيش قال إن ذلك يجب أن يحدث في غضون عامين.
وكان حميدتي من اللاعبين الأساسيين في الصراع في دارفور في 2003 الذي خلف مئات الآلاف من الضحايا.
وظهرت إشارات الجمعة الماضية إلى إمكانية التوصل إلى تسوية لهذا الخلاف.
وأنهى الجيش السوداني فترة استمرت لعامين من اقتسام السلطة بين المدنيين والعسكريين في إطار مجلس السيادة السوداني بعد انقلاب قام به في أكتوبر/ تشرين الأول 2021. وكان الاتفاق على تأسيس المجلس السيادي قد تم التوصل إليه عقب الإطاحة بعمر البشير الذي حكم البلاد لعشرات السنوات.
ومنذ انقلاب الجيش السوداني في 2021، تخرج قوى مدنية في مظاهرات وتنظم احتجاجات بصفة دورية.
وحثت القوى الغربية والزعماء الإقليميون الجانبين على تهدئة التوترات، والعودة إلى المحادثات الهادفة إلى استعادة الحكم المدني.