عادل بن رمضان مستهيل
في الوقت الراهن و مع تسارع وتيرة الحياة اليومية والضغوط الحياتية و المهنية، يواجه الكثير من الموظفين والموظفات. و خاصة لمن أمضى أكثر من عقد من الزمن في وظيفة ما او مهنة دون ترقية او تغير في مهام عمله اليومية سواء كان هذا العمل مكتبي او فني. يعاني من حالة تُعرف باسم “الاحتراق الوظيفي”.
و هذه الحالة، التي باتت منتشرة بشكل متزايد، ليست مجرد حالة من الإرهاق العابر، بل هي ظاهرة خطيرة تترك آثارًا عميقة على الصحة النفسية والجسدية للعاملين.
و يمكن وصف الاحتراق الوظيفي بأنه “الموت ببطء”، حيث يذبل الفرد تدريجيًا بفعل الضغوط المتراكمة حتى يفقد قدرته على الأداء والاستمتاع بالحياة.
وممكن أيضاً تعريف الاحتراق الوظيفي هو حالة من الإجهاد الجسدي والعاطفي الناتج عن العمل المتواصل تحت ضغوط كبيرة لفترات طويلة. يُظهر الموظف المصاب بالاحتراق علامات مثل الإرهاق الدائم، فقدان الحافز، انخفاض الإنتاجية، ومشاعر السلبية تجاه العمل. على المدى الطويل، يمكن أن يؤدي الاحتراق الوظيفي إلى مشاكل صحية خطيرة، منها الاكتئاب، اضطرابات النوم، وحتى أمراض القلب.
و تعرّف منظمة الصحة العالمية الاحتراق الوظيفي على أنه “متلازمة تنتج عن الإجهاد المزمن في مكان العمل الذي لم يتم التعامل معه بنجاح”. و يشمل الاحتراق ثلاثة عناصر رئيسية: الشعور بالإرهاق، الشعور بالسلبية أو السخرية المرتبطة بالعمل، وانخفاض الكفاءة المهنية.
و الاحتراق الوظيفي لا يحدث بين ليلة وضحاها، بل يتراكم بمرور الوقت نتيجة عدة عوامل، منها:
- ضغوط العمل المستمرة: تزايد الأعباء الوظيفية والمهام التي يجب إنجازها في وقت قصير قد يؤدي إلى شعور دائم بالضغط.
- عدم التقدير: الشعور بأن الجهود المبذولة لا تحظى بالتقدير المناسب يؤدي إلى الإحباط.
- غياب التوازن بين العمل والحياة: عندما يسيطر العمل على حياة الشخص بشكل كامل، يفقد الموظف القدرة على الاسترخاء وتجديد طاقته.
- نقص الدعم: غياب التوجيه والدعم من المديرين أو الزملاء يزيد من شعور العزلة والإجهاد.
و يظهر الاحتراق الوظيفي من خلال مجموعة من الأعراض التي قد تكون جسدية أو نفسية. من أهم هذه الأعراض:
الإرهاق المزمن: الشعور بالتعب حتى بعد فترات من الراحة.
فقدان الشغف: الموظف يصبح غير مهتم بالعمل ولا يشعر بأي تحفيز تجاه مهامه اليومية.
الانفصال العاطفي: يصبح الفرد غير متفاعل عاطفيًا مع زملائه ومع مهام العمل.
انخفاض الإنتاجية: تراجع في جودة وكفاءة الأداء الوظيفي.
الأعراض الجسدية: مثل الصداع المستمر، مشاكل النوم، وآلام الجسم.
الاحتراق الوظيفي والموت البطيء
و يشعر المصابون بالاحتراق الوظيفي كما لو أنهم يفقدون حياتهم ببطء. يومًا بعد يوم، و يُستهلكون جسديًا وعاطفيًا دون أن يلاحظوا ذلك حتى يصلوا إلى نقطة الانهيار. هذا هو “الموت البطيء” ليس بالضرورة موتًا جسديًا، بل هو موت تدريجي لروح الشخص وطموحاته وإبداعه.
و عندما يبدأ الإنسان في فقدان معنى العمل ومتعة الإنجاز، يصبح العمل عبئًا يوميًا يستهلك كل طاقته. وفي النهاية، يشعر الموظف بأن الحياة أصبحت مجرد روتين فارغ لا يملك فيه أي سيطرة على مجريات الأمور.
و لكي نتجنب السقوط في فخ الاحتراق الوظيفي، من الضروري اتخاذ خطوات للوقاية والتعامل مع الأعراض عند ظهورها:
- إيجاد توازن بين العمل والحياة: من المهم تخصيص وقت للاسترخاء والهوايات والأنشطة الاجتماعية.
- طلب الدعم: سواء كان ذلك من زملاء العمل، أو الأصدقاء، أو المختصين النفسيين، يجب أن لا يشعر الموظف بأنه وحيد في معاناته.
- تنظيم العمل: توزيع المهام بشكل مناسب وتحديد الأولويات يساعد في تقليل الضغوط.
- الاعتراف بالإنجازات: تقدير الجهود المبذولة والاحتفاء بالنجاحات مهما كانت بسيطة يمكن أن يرفع المعنويات.
- ممارسة الرياضة والاسترخاء: النشاط البدني والتمارين الرياضية يمكن أن يكون لهما تأثير كبير في تقليل التوتر وتعزيز الصحة العقلية.
و في الختام الاحتراق الوظيفي هو ظاهرة تستحق الاهتمام والتعامل معها بجدية. فالموظف المحترق ليس مجرد فرد منهك، بل هو إنسان يعيش “موتًا بطيئًا” حيث يفقد تدريجيًا علاقته بالحياة وبالعمل الذي كان يمثل له مصدر فخر وسعادة. لذا، يجب على الأفراد والمؤسسات السعي معًا لخلق بيئة عمل صحية تدعم التوازن وتقلل من الضغوط، لأن في النهاية، الموظف السليم هو مفتاح النجاح للمؤسسة.