/العمانية/
الجزائر في 27 نوفمبر /العُمانية/ تُشكّلُ تجربة الفنان التشكيليّ
الجزائريّ، محمد جرديني، واحدة من التجارب الفنيّة المتميّزة، لكونها تستمدُّ
عناصر غناها من إعادة تصوير البيئة الصحراوية بمنطقة عين الصفراء بولاية النعامة
جنوب الجزائر (وهي مسقط رأس هذا الفنان)، إلى درجة أنّ الكثير من التشكيليّين
وأبناء هذه المنطقة قالوا عنه: “من لم يعرف محمد جرديني لم يعرف عين
الصفراء”.
وتُعدُّ منطقة عين الصفراء التي شكّلت مصدر إلهام جرديني، من أغنى
المناطق الجزائرية بالآثار القديمة، والمعالم التاريخيّة، فضلًا عن كونها تضمُّ
طبيعة ساحرة جعلتها مهوى قلوب وأفئدة السيّاح الجزائريين والأجانب.
ولذلك، لم يكن هذا الفنان التشكيليُّ مُخطئًا عندما اتّكأ في تجربته
الفنيّة على إبراز ما تختزُنه عين الصفراء من سحر الطبيعة، وجاذبيّة المكان، ليكون
“سفيًرا” أمينًا لهذه البيئة، ينشرُ محاسنها بين الناس عبر لوحاته التي
تحمل أجمل معاني الوفاء لهذه الأرض الحبلى بمظاهر الحُسن والجمال.
لكنّ مسيرة هذا الفنان الجزائري – مثل كثير من الفنّانين – لم تكن
خالية من المطبّات التي نغّصت حياته الإبداعيّة، وجعلته ينزوي إلى العتمة والظل
لمراجعة حساباته، والانطلاق مجدّدًا من الرماد ليُحلّق كطائر الفينيق الأسطوريّ.
وعن هذه التجربة، يقول محمد جرديني في حديث لوكالة الأنباء
العُمانية: “تعود رحلتي الفنيّة إلى سنوات الطفولة الأولى؛ إذ عشقتُ الرسم
وعمري حوالي 6 سنوات، ثمّ كنت عضوًا فاعلًا جدًّا في الاتحاد الوطني للفنون
التشكيلية، من عام 1979 إلى عام 1983، قبل أن أتوقّف عن الرسم إلى غاية عام 2021؛
وهي السنة التي عدتُ فيها إلى الرسم بفضل نمط الحياة الذي فرضه الحجر الصّحي بسبب
وباء (كورونا)، ومنذ ذلك اليوم، وأنا نشطٌ للغاية، وقد أنجزتُ العديد من الأعمال
التي وصلتْ حتى الآن، إلى 61 لوحة، تتنوّع بين المناظر الطبيعية، والبورتريهات،
وتصوير جوانب من الحياة الاجتماعية بمنطقة عين الصفراء”.
ويُشيرُ محمد جرديني إلى أنّ السبب الذي دفعه إلى الانقطاع عن الرسم
مدة تُقارب 38 عامًا، هو اختفاءُ 5 أعمال من أهمّ لوحاته، خلال عرضها عام 1983، في
مهرجان دولي للفنون التشكيليّة بإحدى الولايات الجزائرية، وبقي مصيرُها مجهولًا
إلى اليوم، وهذا ما أثّر في نفسه كثيرًا، ودفعه إلى الانزواء والابتعاد عن العمل
الفنّي.
ويرى جرديني أنّ الفنّ التشكيليّ بالنسبة له هو “أوكسجين
الحياة”، وهذا ما جعله يعود ليرتمي بين أحضانه، بمجرّد حصوله على التقاعد من
عمله في قطاع الصحّة، فضاعف من أعماله الفنيّة، كما أنشأ معرضًا فنيًّا في إحدى
غرف منزله، يضمُّ جميع أعماله الفنيّة، ويستقبل فيه أصدقاءه من الفنانين
التشكيليّين.
ويضيف هذا التشكيليُّ أنّه من الفنانين الذين ينضوون تحت لواء
المدرسة الواقعيّة، وهي المدرسة التي يراها أنها الأقدر على التعبير عن مكنوناته،
وبيئته، وأنّ تقنية الزيت على القماش، باستعمال جميع الألوان، خاصّة الألوان
الدافئة، هي السبيل الأمثل الذي اتّخذه أسلوبًا لإيصال رسائله الفنيّة إلى الجمهور
الواسع.
ويقول جرديني: “أعتبر أنّ الإنسان هو في البداية ابن بيئته؛
ولذلك فأنا كفنان أعيش وفيًّا لهذه البيئة، وقد عرضتُ أعمالي، منذ 2021، في عدة
ولايات على غرار: عنابة، والبيض، والنعامة، والبويرة، ووهران، كما عرضتُ بعض
أعمالي بإسبانيا، ولا أُخفي تأثُّري ببعض الفنانين العالميين أمثال نصر الدين
دينيه (إتيان دينيه)، ورائد فن المنمنمات محمد راسم، ومحمد خدة، ودونيس مارتينيز،
ومحمد ايسياخم”.
ويستلهمُ جرديني بعض أعماله من تاريخ الجزائر، وقد جسّد بعض الأحداث
التاريخيّة في عدد من لوحاته، مثل التي صوّر فيها إحدى المعارك التي عرفتها منطقة
عين الصفراء خلال الثورات الشعبية التي واجه فيها الجزائريون الاحتلال غداة
السنوات الأولى لاحتلال الجزائر عام 1830.
ويذكر ابن منطقة عين الصفراء أنّ أهمّ الأحداث التي بقيت راسخة في
ذهنه عن تأثُّره بالتاريخ، تعود إلى سنوات الصبى، إذ يقول: “كنت لا أزال
صغيرًا، وبالضبط يوم الاثنين 19 مارس 1962، وكنت يومها طالبًا في معهد
“لافيجيري” (الآباء البيض)، بعين الصفراء (جنوب الجزائر)، فرسمتُ
نابليون وعلى يده علم الجزائر، وهذا ما دفع مدير المعهد الأب ديفيل إلى طردي،
وأنهى بذلك مسيرتي الدراسية”.
/العُمانية/النشرة الثقافية/عُمر الخروصي