عادل بن رمضان مستهيل
adel.ramadan@outlook.com
في زمن تزداد فيه سرعة الأحداث وتلاحق المتغيرات، يبدو أن الصبر بات عملة نادرة. لقد أصبح كل شيء حولنا يصرخ بالإلحاح: رسائل تصل في ثوانٍ، وأخبار تتدفق بلا توقف، وأهداف نسعى لتحقيقها بسرعة البرق. و لكن، وسط كل هذا الصخب، هل فقدنا تلك الفضيلة الإنسانية التي كانت تقود أجدادنا إلى التروي والانتظار حتى تنضج الأمور؟
و إذا تأملنا قليلاً، نجد أن الصبر ليس مجرد قدرة على تحمل الأزمات أو تجاوز المشكلات، بل هو مهارة تُصقل مع الوقت، وإرادة حديدية تجعلك تواجه الرياح العاتية بثبات. و الصبر هو ما يجعل المزارع ينتظر أشهرًا ليجني ثمار ما زرع، وهو ما يجعل الفنان يُنفق ساعات طويلة لإتقان لوحة، وهو ما يُبقي الأم ساهرة بجانب طفلها ليلاً حتى يشفى.
و اللافت أن هذه الفضيلة ليست مجرد قيمة أخلاقية، بل هي أداة للنجاح. فالعديد من الدراسات تؤكد أن الأشخاص الصبورين أكثر قدرة على اتخاذ القرارات الحكيمة، وأكثر ميلًا للتفكير الاستراتيجي بدلاً من اللهاث خلف المكاسب السريعة.
و لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل يمكن أن نكون صبورين في عصر يُمجد السرعة؟ الإجابة هي نعم، ولكن ذلك يتطلب تدريبًا نفسيًا واعيًا. الصبر اليوم لم يعد مجرد فضيلة عابرة، بل هو مهارة حياتية يجب تعلمها. فمن خلال ممارسة التأمل، والتنفس العميق، والوعي اللحظي، يمكننا استعادة تلك اللحظات التي تجعلنا نقول: “لا بأس، سأنتظر، فالأفضل يستحق”.
تخيل لو أن توماس إديسون، مخترع المصباح الكهربائي، تخلى عن حلمه بعد أول تجربة فاشلة. لقد استغرق الأمر منه أكثر من 10,000 محاولة للوصول إلى النجاح. أو تأمل رحلة نيلسون مانديلا، الذي قضى 27 عامًا في السجن، لكنه خرج ليقود جنوب إفريقيا نحو الحرية والمصالحة.
تلك القصص ليست مجرد حكايات عابرة، بل هي شواهد على أن الصبر ليس ضعفًا أو استسلامًا، بل هو قوة تدفع الإنسان نحو القمة.
وفي الختام في عالم يمضي بسرعة الضوء، قد يكون الصبر هو المفتاح الوحيد للتوازن الداخلي والنجاح المستدام. لنجعل من الصبر فلسفة حياة، ولنتذكر دائمًا أن الأشياء العظيمة تحتاج إلى وقت. فكما يقول المثل العربي: “الصبر مفتاح الفرج”، فلعل انتظارنا اليوم هو الخطوة الأولى نحو تحقيق أحلام الغد.