/العمانية/
مسقط في 11 مارس /العُمانية/ تتشكّل تجربة الفنانة التشكيلية نائلة بنت حمد المعمرية في كونها تجربة متجددة؛ حيث تمتد أكثر من 25 عامًا، من خلال الأسلوب البصري وأعمالها الواقعية والتجريدية، فهي تؤكد أن الفن جزء من الحياة وثقافتها، وسياحةٌ عقلية وفكرية ممتعة، وللفنانة المعمرية العشرات من المعارض الشخصية والجماعية، كما أنشأت مركزاً لتعليم الفن التشكيلي، ومن خلال هذا الطواف الفني تظهر تجربة الفنانة نائلة في صور شتى، وعلى مر سنوات تراكمية أوجدت حضورها بصورة فنية مغايرة.فعن لوحاتها التي استطاعت أن تستنهض نفوس المتابعين وما تقدمه من أسلوب فني وثقافة بصرية؛ تسعى لتجديدها بين فترة وأخرى تقول: يُعد الفن التشكيلي بالنسبة لي حالة تأملية وتعبيرًا عن كل المكنونات الجميلة وما حولنا من طبيعة وعناصر ومفردات، سواءً كانت مخلوقة أو مصنوعة، والراصد لأعمالي الفنية سيجد تركيزي الدائم على دراسة ما حولي بشكل عام، وأرى أن الفن التشكيلي أمر بالغ في الأهمية، وأترجمه من خلال المدرسة التجريدية التي أعتمدُ على التعبير من خلالها عن الموضوع بعيدا عن التفاصيل الدقيقة للأشكال أو المفردات المرسومة وبتكوينات خاصة بي وتقنياتي التي عرفت بها.وتوضح: أعرّف مفهوم الفن بالترجمة والتعبير لما حولنا من موضوعات أو مناظر أو قضايا، وأتعامل مع الموضوع بعمق وبأكثر من زاوية ورؤية، وهذا يؤكد نظرتي الخاصة للفن التشكيلي، فإنه يجب على أي فنان في أثناء إنتاجه لعمله التشكيلي أن يدرسه ويغوص في أعماقه، فتتولد داخله عملية لحوار لغوي بينه وبين عمله، ولهذا تجدنا أحيانا نقول إن العمل أو اللوحة “تعاندنا”، فأنا أرسم شيئا، وهي تخرج بنتيجة وبشيء آخر غير مقبول، فنتركها فترة ونرجع إليها بعد فترة من الزمن.وتضيف: أتوقع أني وجهّت العديد من المتذوقين والفنانين بالرجوع إلى جماليات ما حولنا والتعبير عنها؛ فالفن جزء لا يتجزأ عن حياتنا التي نعيش فيها، فالفن والتناغم الشكلي واللوني منتشر في كل مكان، والدليل على ذلك أن الكثير من المتابعين لمسيرتي الفنية يتواصلون معي بإرسال الكثير من الصور والمناظر التي يستلهم منها أي شخص فكرة معينة، وأحيانا يتم نقاش فني حي في تحليل بعض الأعمال وتقييمها فنيًّا، والبعض الآخر يعود إلي في استشارة فنية في فكرة عمله والخامات المناسبة لعمله.وتتحدث الفنانة نائلة عن الهوية والثقافة العمانية في الفن التشكيلي العُماني وأعمالها الفنية خصوصا وتقول: الهوية مفهوم عميق لا نستطيع أن نحصره أو نقيسه بأمر مادي، بل من الممكن أن يكون أمرًا معنويًّا، وحسب اطّلاعي على الحراك التشكيلي العماني؛ أقول إن هويتنا واضحة سواء من خلال المفردات المرسومة، أو من خلال الألوان بنسبة 97% و3% هناك من يرصد الهوية الأجنبية من حيث المواضيع والتقنيات والألوان، وبالنسبة لأعمالي فمعظمها تأتي من الطبيعة التي أشاهدها وأطّلع عليها من مناظرها وتضاريسها ونباتاتها وطيورها، وإن كانت مستوردة، وتم تربيتها في سلطنة عُمان، فدائما لدي تعليق أقوله “نحن شمسنا ساطعة” فنرى الألوان واضحة كثيراً؛ ولهذا ترى أن أعمالي تختزل في ألوانها النارية الظاهرة للعيان، ولكن نعم استوحيت بعض الألوان من مخلوقات من خارج سلطنة عُمان، ولكن بألواننا المعروفة.
وفي شأن الفن وكونه جزءاً من الحياة وثقافتها، بالإضافة إلى حقيقته المتمثلة في السياحة العقلية والفكرية لدى الكثيرين ترسم المعمرية أعمال الواقعية والتجريدية، وهنا تفصيل هذين الاتجاهين فتوضح: تغيّرت الاتجاهات الفنية لدي بتغير الخبرات المكتسبة طبعًا، فقد كانت بدايتي مع الرسم من خلال مجال الرسم (الطبيعة الصامتة) بالرصاص والباستيل، ثم الطبيعة الحية في مجال التصوير الزيتي (المناظر الطبيعية)، وكانت تستهويني المدرسة التجريدية، حيث إني تعلمت أساسياتها على يد الدكتور محمود عبد العاطي – رحمه الله -، وبعدها انتقلت حيث التجارب في المدرسة السريالية، وكانت لي محاولات في الأعمال التركيبية والفيديو آرت، التي تكللت بجوائز، وحالياً أمارس المدرسة التجريدية، كما أنني أحب أن أجرّد الواقع إلى أن يصل لمساحات لونية وضربات من الصعب أن يرجعها المشاهد إلى أصلها الطبيعي، لهذا أجد نفسي في المدرسة التجريدية، ولكن ما زلت أرسم الواقعي أساساً لأي عمل فني، في أي مجال كان، وأي مدرسة فنية.
وتشير الفنانة نائلة إلى مركز تعليم الفن التشكيلي الذي أنشأته منذ فترة، وهنا تتطرق إلى أهدافه وتطلعاتها المستقبلية له.
وتضيف: هناك العديد من الأهداف منها: أنني كنت أتمنى منذ صغري وجود أماكن تدريبية أكاديمية للفن التشكيلي في سلطنة عُمان، وارتأيت بواجب المسؤولية أن أسهم في تطويره، وأسعى مع الجهات المختصة في دفع الحراك التشكيلي العماني، إضافة إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال التدريب للشغوفين في المجال التشكيلي، للحفاظ على قاعدة فنية حقيقية وبهويتنا العمانية، سواءً كانت معنوية أو مادية ملموسة، وتطلعاتي كثيرة في هذا السياق من بينها إقامة حلقات عمل فنية متكاملة، واستضافة فنانين عالميين في هذا السياق وإقامة ملتقيات عالمية في مجال الفنون التشكيلية.ومع الأخذ بالعلم وإدخال التقنيات الحديثة في الفن التشكيلي، والحضور الواسع للذكاء الاصطناعي في هذا المجال، تشير الفنانة المعمرية إلى ما يقلق الفنان في هذا الجانب، والتحديات التي يواجهها الفنان مع هذا الذكاء: لست متخوفة من الذكاء الاصطناعي، فهو في نهاية الأمر منتج ليس به أي شعور أو إحساس، وما يميز أعمالنا هو الحديث الذي ينطق من غير لغة أو حروف بين المتذوق والمنتج الفني، فالفن منتج يدوي وليس برمجياً، ويمكننا الاستفادة من بعض أفكاره المبرمجة من حيث المعطيات للفكرة، ولكن يجب أن نتطوّع بأيادينا نحن حسب الواقع والبيئة والخامة، وسيسهم الذكاء الاصطناعي في بعض المجالات التصميمية، والتصنيعية.
وإلى تسويق الفن التشكيلي العُماني وماهيته، تشير نائلة من خلال الأدوات الناجعة والمحفزة لذلك، ومدى حضوره دوليًّا وإقليميًّا بفعل التسويق سواء على المستوى الشخصي أو حتى المؤسسي، فتقول: لا أخفي قولًا، أفتقر لطرق التسويق الفني سواءً تسويقًا فنيًّا إعلاميًّا أو تسويقًّا فنيًّا ماديًّا، وملكة التسويق الفكرية، وهذا ما يعانيه الكثيرون من نظرائي الفنانين، ونسعى جاهدين في ظل الواقع العالمي بأن نواكب طرق التسويق العالمية، ولكن حسب شخصيتنا وبيئتنا، فمنا من يحاول نشر كل جديد من الأعمال الفنية في كل وسائل التواصل ونشرها محليّاً وعالميّاً، والبعض الآخر عكس ذلك، كون أن هناك حلقة مفقودة بين الأجيال الفنية والتطور المتسارع والمهيمن فكريّاً، وما زلت أبحث عن طرق التسويق الحقيقية.
وتضيف: من الأدوات الناجحة والمحفزة للتسويق الأعمال الفنية، وضع قوانين فنية تلزم المؤسسات باقتناء أعمال الفنانين العمانيين، مع تنظيم هذا العمل على المستوى الرسمي والخاص.وعلى المستوى المحلي قيام المؤسسات الرسمية بدورها في إيجاد الحراك الثقافي الفني في السياق التشكيلي في سلطنة عُمان، فهي قائمة بدورها مع الفنان أيضا خاصة في المحافل الدولية.ولأن العمل الفني يُبَث على موجتين، الموجة الحسية والشكلية والموجة التخيلية والنفسية، وهنا توضّح ماهية أنواع الانطباعات والاستجابات والتجارب والمشاعر والانفعالات عند الفنان عن الإنسان العادي وتقول: ثمة اختلاف كبير بين الفنان والمتلقي للفن التشكيلي، وبإيجاز الفنان تلتقط عينه كافة التفاصيل بدقة أكبر عن غيره وبسرعة، وهي مهارات تُصْقَل من خلال الممارسة وأثناء الرسم، مع تعريفه للمفاهيم الفنية من عناصر وأسس وقيم فنية، مرروا بتكوين الأشكال والوحدات المصممة مثلاً.
وللفنانة نائلة “تأملات دائرية” ورؤية خاصة للمعرض الفني الشخصي، وتقرّب تلك الرؤية فتبيّن: هذا المعرض عبارة عن دراسة لشكل الدائرة، سواءً كانت متمثلة كمساحة محصورة على شكل دائرة أو نقطة، في بعض من الكائنات والمخلوقات، مثل الحيوانات أو الحشرات أو النباتات أو الأحجار أو خلايا الأجسام وما شابه في هذا الكون، ولقد تم دراستها كشكل ولون، وتُرجِمت في لوحات تجريدية رمزية، بتكوينات خاصة وبتقنياتها المعروفة بها، والهدف من التركيز على الدائرة، فأنا أعتبر أن الفن حالة تأملية تُتَرْجَم من خلال المدرسة التجريدية والمدرسة الرمزية التي تعتمد على التعبير عن الموضوع من غير توضيح التفاصيل الدقيقة.
وهنا أرى تأملي هو صفة من الصفات التي وهبها الله لنا جميعاً، فإذا ما تأملت إحدى المخلوقات مثلاً كعين أحد الطيور والدرجات اللونية التي خلق بها، يدفعني للتأمل أكثر في العين وما حولها من درجات لونية، على الريش والأقدام والمنقار، ثمة جمال متكامل متقن في توزيعه ونسبة وتوازنه اللوني والشكلي، والتأمل يجعلني أدرك ويربطني لأتذوق الجمال في الأشكال من حيث التكوينات والألوان الربانية، ويمكنني أن أقول إن الجمال هو عمل فني متكامل لا دخل لنا به، إلا أننا نقوم بعمليات فنية تساعدنا على إبراز محاسنه وجمالياته بأساليبنا الخاصة، وترجمة تذوقنا وإحساسنا الذي يحتاج إلى تعمق في دراسته، لنتمكن من إظهاره وإبرازه وحذف بعض الأشياء بناءً على التكوين الخاص بنا.التأثر والتأثير حقيقةٌ في الفن التشكيلي،
وبشأنه تقول الفنانة نائلة: هذا الأمر من الطبيعي أن يتأثر أي فنان في بداياته بفنانين آخرين، حتى يجد نفسه ينتج ويستطيع أن يؤثر بإبداعاته على الآخرين، وهذا ما نسميه بالمحاكاة الفنية أو درجة من محاكاة فكر فني معين، ومن المعروف أن عملية الإنتاج الفني تخضع لمعايير معينة ولظروف بيئية ومجتمعية وثقافية سليمة، تتيح للفنان أن يبتكر عملا فنيا متميزا ومتفردا عن غيره في فكرته، ولكن بسبب الوسائل الحديثة والعولمة هناك تأثر وتأثير كبيران، فالفنان ليس بمعزل عن الآخرين محليا ولا دوليا، والمواضيع والتقنيات موجودة والخامات متوفرة ومنتشرة في كل دول العالم، ومن الطبيعي نجد تواردًا في الأفكار لبعض الأعمال وشبه في الإخراج والمنتج الفني، إن عملية الإنتاج الفني مرتبطة رباطا وثيقا بتوليد أفكار مختلفة ونادرة وبموضوعات فريدة عن غيره، ولم يتطرق لها الفنانون السابقون، فهذا هو ما نسميه “الابتكار”، وهذا من الأمور الصعبة، وتحتاج إلى استمرار دائم في الإنتاج والبحث الفني، فأرى أن التأثر العالمي مؤثر مباشر على النتاج الفني، ومن ثَمَّ فإن نتاجنا بالمقابل مؤثر عليهم.
وتبيّن: أعتقد أن المدى الذي نحن بحاجة إليه هو أن يكون التأثير أكثر من التأثر في سياقنا الفني، نحن لدينا مقومات ثقافية وحضارية وبيئة جغرافية متنوعة، يجب علينا الاستلهام منها على مواضيعنا الفنية والاعتماد على التقنيات الحديثة لنخرج بإبداع وبفكر ابتكاري متفرد، أي أن التأثر والتأثير عملية طبيعية في مجال الفن التشكيلي، وأن يكون لنا الحضور الفلاني محاولين منذ أيامنا الأولى البحث عن ذواتنا الفنية، ولكنها موجودة وطبيعية، ولا نستطيع أن نفصلها عن عملية صقل المهارة الفنية أو التعليمية.
/العُمانية/ النشرة الثقافية / خميس الصلتي