/العمانية/
الجزائر في 27 نوفمبر /العُمانية/ تُشكّل ترجمة الأدب من لغة إلى
أخرى نافذة مفتوحة على الآخر لفهمه، والاطّلاع على مختلف الآداب، كما أنّها
بالنسبة للأديب المُبدع فرصة لإيصال صوته إلى جمهور يتحدث بلسان آخر، وهذا ما
يمنحه أيضًا الرّواج والانتشار.
ويقف الأدبُ الجزائريُّ مُنفتحًا على اللُّغات الأجنبيّة الأخرى؛ فقد
تُرجمت كلاسيكيات الرواية الجزائرية المكتوبة باللُّغتين العربية والفرنسية، إلى
لغات كثيرة، مكّنت من التعريف بأدب أشهر الروائيين الجزائريين، مثل: محمد ديب
(1920 /2003)، وكاتب ياسين (1929 /1989)، وآسيا جبار (1936 /2015)، والطاهر وطار
(1936 /2010)، ورشيد بوجدرة، وواسيني الأعرج، ومحمد مولسهول (ياسمينة خضرا)،
وغيرهم.
وقد فتح روائيُّون جزائريون بترجمة أعمالهم إلى لغات لم يسبق للأدب
الجزائريّ أن تُرجم إليها، أبوابًا واسعة لاقتحام هذه الأراضي الجديدة، وهو ما حدث
أخيرًا من خلال ترجمة رواية “زوج بغال” للروائيّ بومدين بلكبير، من
اللُّغة العربية إلى اللُّغة الهندية، وهي اللُّغة التي لم يسبق أن تُرجمت إليها
أعمالٌ روائيّة جزائرية؛ لتكون “زوج بغال” أوّل رواية جزائرية تُترجم
إلى الهندية، كما تُرجمت رواية “حينما تشتهيك الحياة” للروائيّة فضيلة
ملهاق، من اللُّغة العربية إلى اللُّغة الأوردية؛ لتكون هي الأخرى أوّل رواية
جزائرية تقتحم هذه الأرض البكر.
وترى الباحثة د. فتيحة كحلوش في حديث، لوكالة الأنباء العُمانية، أنّ
الترجمة إلى أيّة لغة، تُشكّلُ مكسبًا للعمل المترجَم؛ لأنّ الأمر يتعلّقُ في
النهاية، بالترويج للذات عبر الأدب الذي يُترجَم، لا ذلك الذي يبقى حبيس لغته
الأصليّة ومجتمعه.
أمّا عن ترجمة الرواية الجزائرية إلى لغات مثل: الهندية، والأوردية -
وهي لغات لم يسبق وأن تُرجم الأدب العربي الجزائريّ إليها – فتقول د. فتيحة كحلوش:
“كلُّ اللُّغات مُهمّة، بما أنّ الملايين يتكلّمونها، ويقرأون
بواسطتها”. وتضيف: “اللُّغات وعاءٌ ناقلٌ لثقافات الشعوب ورغباتها،
وليست مجرّد وحدات صوتية، والآخر يعرفك عبر اللُّغة، فيُرسّخ تصوُّرَه عنك، أو
يُعدّله، أو يُغيّره تمامًا، وهذه واحدة من الغايات السامية للرواية – كما أتصوّر
-. أمّا بالنسبة للترجمة إلى الهندية، أو الأوردية، أو حتى العِبرية؛ فهو أمرٌ في
غاية الأهميّة بالنسبة للكاتب الذي يحظى بهذه الفرصة”.
من جهة أخرى، يؤكّد الروائيُّ الجزائريُّ، حسين شرقي، أنّ الترجمة
إلى أية لغة أخرى يجب أن تتوفّر فيها اعتباراتٌ معيّنة؛ إذ يقول: “من وجهة
نظري، قبل الترجمة، يجب أن تكون الرواية قد حقّقت مبيعات لا بأس بها، وأن تكون
حائزة على عدة جوائز لتُصبح مؤهّلة للعبور إلى ضفاف لغوية أخرى”.
ويعتقد هذا الروائيُّ أنّ الترجمة لا يُمكن أن تكون ناجحة، ما لم
تأخذ بعين الاعتبار لغة وثقافة المجتمع الذي كُتب به العمل الروائيُّ، وإلّا
ستُصبح “ترجمة من أجل الترجمة”، ولن يُكتب لها النجاحُ.
ويضيفُ حسين شرقي: “يمكن ترجمة أيّ رواية إلى لغة أخرى، لكنّ
الترجمة الناجحة ليست تلك التي تستهدف غاية الترجمة فقط، وإنّما هي تلك التي تحترم
محمولات النّص وقيمه الأدبية، والاجتماعية، والسياسية، والثقافية التي تضمّنها
الخطاب السرديُّ في لغته الأصلية التي كُتب بها”.
وترى الروائيّة الجزائرية جميلة مراني، أنّ الترجمة تتيح للكاتب
الانفتاح على الآخر، والاقتراب منه، وتسمح بإنشاء جسور عابرة للثقافات والمجتمعات،
ولذلك تؤكّد هذه الروائيّة أنّ الترجمة “تُمكّن المبدع من مخاطبة الآخر
المختلف، كما تسمحُ بالتعرُّف على طرق تفكير جديدة”.
وفي هذا الشأن، تُشير مراني إلى أنّ ترجمة الآداب المكتوبة بلغات
مختلفة أخرى إلى اللُّغة العربية، على مدار السنوات السابقة، مكّن القارئ العربي
المتخصّص، وغير المتخصّص، من التعرُّف على الآخر، وإغناء الثقافة العربية، كما
مكّنت من الاطّلاع على ثقافات جديدة عبر فضاء الرواية المترجمة.
وتُلحُّ جميلة مراني على ضرورة أن تكون الترجمة أمينة لأنّ
“مخاطبة القارئ العربيّ تختلف تمامًا عن مخاطبة القارئ الأجنبي”.
أمّا الروائيُّ “الطيب
صياد” فيرى أنّ العدد الضئيل من الترجمات، هي محاولات فردية من بعض المؤلفين
والمترجمين. وهذا ما يُثير الاستغراب، بحسب هذا الروائيّ؛ كون الجزائر تمتلك نسبة
لا بأس بها من الناطقين باللُّغة الفرنسية بطلاقة.
ويضيف صياد بالقول: “مع
ذلك، فإنّ هؤلاء المترجمين لا يُشاركون مُطلقا في عملية الترجمة، بل حتى المؤلفات
المكتوبة بالفرنسية التي تُرجمت إلى العربيّة، فإنّ أغلب مترجميها غير جزائريين،
وهذا أمرٌ غير مفهوم تماما”.
/العُمانية/النشرة الثقافية/عُمر الخروصي