BBC العربية
- بسام بونني
- مراسل بي بي سي لشؤون شمال أفريقيا
قال وزير العدل المغربي، عبد اللطيف وهبي، إن سلطات بلاده ستنزل أشد العقوبات، في مشروع القانون الجنائي الجديد، لحماية الأطفال من جرائم الاغتصاب وتعاطي المخدرات.
وجاءت تلك التصريحات تزامناً مع قرار محكمة الاستئناف بالرباط تشديد الأحكام بحق متهمين في قضية اغتصاب طفلة هزت الرأي العام بالمملكة. بيد أن عائلة الضحية تدرس إمكانية اللجوء إلى النقض، في الوقت الذي تعتبر فيه هيئات حقوقية أن المنظومة القانونية المغربية لا تحمي ضحايا الاعتداءات الجنسية بشكل كاف.
وتزامنت تصريحات وهبي أيضاً مع قرار المحكمة رفع عقوبة المتهم الرئيسي من عامين إلى 20 عاماً بالسجن النافذ، إذ تبين من نتائج تحليل الحمض النووي للطفل الذي وضعته الطفلة الضحية، أنه والد الطفل. بينما شددت عقوبة متهمين آخرين من 18 شهرا إلى السجن 10 أعوام.
وأدين ثلاثة رجال في 20 مارس/ آذار بتهم: التغرير بقاصر، وهتك عرض قاصر بالعنف. وذلك بعد شكوى تقدمت بها عائلة الفتاة في العام الماضي إثر حادثة الاغتصاب.
واستمعت المحكمة يوم الخميس للطفلة في جلسة مغلقة، أكدت خلالها أنها تعرّضت لاغتصاب متكرر نتج عنه الحمل بطفل، بينما أنكر المتهمون الثلاثة أمام محكمة الاستئناف كل الجرائم التي أدينوا بارتكابها أمام محكمة البداية.
وارتفعت كذلك قيمة التعويضات المستحقة للضحية من حوالي 5 آلاف دولار إلى نحو 14 ألفا.
وتعود القضية إلى العام الماضي، حين تناوب ثلاثة أشخاص تتراوح أعمارهم من بين 25 و37 عاما على اغتصاب طفلة أصيلة بلدة تيفلت، التابعة لمحافظة الخميسات. ونتج عن الجريمة حمل الضحية من مغتصبيها.
وكانت أحكام أول درجة من التقاضي قد تراوحت بين السجن من عام ونصف لعامين. ووصف محامو الضحية، حينها، الأحكام بالمخففة وبأنها لا يمكن إلا أن تكون شكلاً من أشكال تكريس الإفلات من العقاب.
ويعاقب القانون المغربي المغتصبين بالسجن لمدة لا تقل عن 5 سنوات، وترتفع المدة إلى 10 سنوات، حين تكون الضحية قاصراً.
اللجوء للنقض
كان والد الضحية متفائلاً قبيل انطلاق الجلسة صباح الخميس الماضي. وقال في تصريحات صحافية، أمام مبنى محكمة الاستئناف بالعاصمة المغربية، إن وسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية تمكنت من تحويل ملف ابنته إلى قضية رأي عام. وأبدى عبد الفتاح زهراش، أحد محاميي عائلة الضحية، ارتياحه لتشديد العقوبة بعد جلسة انتهت في وقت باكر من صباح الجمعة. لكنه شدد على عزمه اللجوء إلى النقض، معتبراً أن الأحكام الصادرة بحق المتهمين المشاركين في الجريمة مخففة بالنظر إلى فظاعتها.
ويشهد المغرب، في السنوات الأخيرة، سلسلة من الاعتداءات الجنسية طالت قاصرين وانتهى بعضها بوفاة الضحايا.
واستمعت المحكمة للضحية في جلسة مغلقة. وقالت المسؤولة في جمعية “إنصاف”، أمينة خالد، إن الطفلة “بدت صامتة، إذ ما تزال غير مستوعبة لكل ما حدث من هول الصدمة، رغم أنها استعادت الابتسامة نسبيا”.
معضلة حماية الضحايا
ترى هيئات حقوقية مغربية أن المنظومة الحقوقية في المملكة لا تحمي ضحايا الاعتداءات الجنسية بشكل كاف.
وفي قضية رجل الأعمال الفرنسي جاك بوتيه، المتهم بالاعتداء على موظفات يعملن بشركته بطنجة شمالي المغرب، قال محامو الادعاء أن الضحايا تعرضن للتشهير لمجرد لجوئهن للقضاء. وظهر عدد من المدعيات، الشهر الماضي في مؤتمر صحافي بوجوه مغطاة خوفا من تعرضهن للتنمر.
وقالت محامية الضحايا فاطمة الزهراء شاوي إن هناك غياب للعناية بالضحايا، معتبرة أن القانون المغربي يهملهن، في معظم الأحيان.
وتشكو جمعيات نسوية من أن إهمال الضحايا يجعل من الاعتداءات الجنسية بشتى أشكالها أمراً مسكوتاً عنه، خاصة في الأوساط الريفية أو حين تتم الجريمة في وسط عائلي.
جدل مراجعة مدونة الأسرة
وتنص المادة 32 للدستور المغربي لسنة 2011 على أن “الأسرة القائمة على علاقة الزواج الشرعي هي الخلية الأساسية للمجتمع”، وأن الدولة تعمل على “ضمان الحماية الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية للأسرة بمقتضى القانون.
وتشدد المادة ذاتها على أن الدولة تسعى لتوفير الحماية القانونية والاعتبار الاجتماعي والمعنوي لجميع الأطفال بكيفية متساوية بصرف النظر عن وضعيتهم العائلية”.
ومع الدعوات لمراجعة مدونة الأسرة، اندلع نقاش حاد في المملكة بشأن كيفية التعامل مع الاعتداءات الجنسية. وقال رئيس الحكومة السابق سعد الدين العثماني الأسبوع الماضي:”إن مقاربة أي قوانين مرتبطة بالأسرة ينبغي أن تقوم على تيسير الحلال والتضييق على الحرام”.مضيفاً:”أنه يتعين أن تكون المقترحات منسجمة بما يسمح بحفظ الأسرة وتيسير بنائها”.
وطالبت منظمة النساء الحركيات بالربط بين تعديل مدونة الأسرة وتعديل القانون الجنائي.
وكان المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وهو مؤسسة دستورية، أعلن بداية العام الجاري استحداث مجموعة عمل تبحث مقترحات مراجعة المدونة.
وحذر المجلس، في تقرير نشر الشهر الماضي، من استمرار تزويج المغتصبات نتيجة “قصور في القانون الجنائي”. وذكر التقرير أن إلغاء الفصل 475 من القانون الجنائي، عام 2014، الذي كان يسقط الملاحقات القضائية للمغتصب في حال زواجه بالضحية، لم يضع حدا لهذه الممارسة بسبب الخوف أساسا من “الفضيحة”.
وتمثل هذه النقطة تحديداً إحدى أهم نقاط الخلاف في ظل الجدل المتصاعد بين توجهات محافظة وأخرى ليبيرالية بشأن مراجعة مدونة الأسرة.