BBC العربية
- فراس كيلاني
- بي بي سي عربي- بغداد
ربما كان أكبر شاهد على الفظائع التي شهدها العراق خلال العقدين الماضيين هو نهر دجلة الذي يمر عبر الكثير من المدن العراقية، ويتلوى داخل أحياء العاصمة بغداد، حتى أن الجثث كانت ترمى فيه خلال فترة الحرب الطائفية التي شهدتها البلاد عقب الغزو الأمريكي البريطاني عام 2003.
منذ ذاك الحين ارتبط اسم العراق في الصحف ونشرات الاخبار بالمجازر والاقتتال الطائفي والسيارات المفخخة والقتل على الهوية وسلسلة طويلة من التنظيمات المتشددة سنياً وشيعياً، تناسلت سريعاً بعد سقوط نظام صدام حسين الذي حكم البلاد باسم البعث بيد من حديد لعقود.
اليوم، وبعد مرور عقدين على ذاك الزلزال الذي هز العراق والمنطقة، يُجمع سياسيون من مختلف المكونات العراقية، كما الكثير من المواطنين الذين التقتهم بي بي سي، على أن الوضع ما زال مفتوحاً على انهيارات جديدة كبرى، بالنظر إلى أن الأزمات التي تعمقت عقب انهيار نظام البعث لم يتم وضع حلول جذرية لها، وإنما دُفنت على أمل نسيانها وتجاوزها بالتقادم.
وتتيح العودة لاستذكار ما جرى خلال العشرين عاماً الماضية إضاءة مفيدة لفهم الدوافع التي أدت إلى المآسي التي مر بها العراق، بعد أن كان وُعد بالخلاص من الديكتاتورية وبجنة الديمقراطية من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا والمعارضة العراقية.
قرار الغزو
كان القرار بإسقاط نظام صدام حسين قد اتخذ مبكراً بعد الانتهاء من غزو الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا لأفغانستان، واستدعت واشنطن حلفاءها من قادة الكرد العراقيين لإبلاغهم قبل نحو سنة من بدء الحرب.
ويقول مسعود بارزاني الرئيس السابق لإقليم كردستان العراق إنه ورئيس حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني الراحل جلال طالباني تلقيا دعوة في نيسان عام 2002 لزيارة واشنطن سراً، وخلال الزيارة تأكد لهما بحسب بارزاني “أن القرار الأمريكي هو إسقاط النظام شئنا أم أبينا، شاركنا أم لم نشارك”. وسريعاً غادر بارزاني واشنطن إلى دمشق ليبلغ الرئيس السوري بشار الأسد بالموقف الأمريكي والتباحث بشأنه.
وكانت دمشق قد استأنفت العلاقات مع بغداد قبل سنوات قليلة عقب عقود من الخلافات بين جناحي البعث، وكان الموقف المعلن للقيادة السورية رافضاً بشدة للغزو، لكن بارزاني يكشف لبي بي سي أن الموقف الحقيقي غير المعلن لدمشق كما طهران ايضاً كان داعماً لإسقاط صدام حسين، وأن مخاوف البلدين كانت مما قد يلي ذلك بعد تثبيت الوجود العسكري الأمريكي في العراق على الحدود مع سوريا وإيران.
واقترح بارزاني وطالباني على واشنطن الترتيب لمؤتمر للمعارضة العراقية لملء الفراغ بعد سقوط النظام العراقي، وبالفعل عقد في لندن في ديسمبر/ كانون أول عام 2002، وتم خلاله التوافق على رؤية مشتركة لعراق ديمقراطي فيدرالي، لكن الرغبة بالانتقام لدى بعض الأطراف الشيعية التي حضرت المؤتمر دفعت بارزاني لإطلاق صيحة تحذير من أن هذه الطريقة في التفكير ستؤدي إلى تبعات كبيرة، وهو ما حصل بالفعل لاحقاً.
اتخذت الولايات المتحدة وبريطانيا أسلحة الدمار الشامل التي لم يعثر عليها أبداً ذريعة لغزو العراق، ورغم الجهود الأمريكية والبريطانية الحثيثة لدفع مجلس الأمن لدعم قرار الغزو بتقديم وثائق وصور -اتضح عدم صحتها- من قبل وزير الخارجية الأمريكي آنذاك كولن بأول، إلا أن دولاً عدة عارضت القرار.
لكن ذلك لم يحل دون المضي قدماً في استكمال الإعداد للغزو، وخاصة في الكويت التي ستنطلق منها القوات البرية، وقطر التي تستضيف قاعدة السيلية، وهي القاعدة التي أدارت منها قيادة ما سيعرف بعملية “حرية العراق” كامل العملية، ومنها انطلقت مختلف انواع الطائرات الحربية التي ضربت العراق.
حتى ذلك التاريخ كان النظام العراقي يعتقد أن الحرب ستكون في أسوأ الأحوال كسابقاتها، حملة تأديبية ستنتهي بإضعافه. ويقول الصحفي العراقي ديار العمري الذي كان يتابع ما يجري من بغداد إن “الأمر كان محيراً”، ويعتقد أن “القيادة العراقية كانت تعول على عامل الوقت، وربما كانوا يعتقدون أن الغزو سيستمر لبضعة أيام ويتوقف عند مناطق معينة، وبعدها سيتم التفاوض”.
في مشهد نقلته غالبية الفضائيات العربية والدولية، بدأ الغزو ليلة التاسع عشر من آذار /مارس ٢٠٠٣ بقصف جوي مكثف ودقيق على العاصمة بغداد والكثير من المواقع العسكرية في غالبية أنحاء البلاد، بالتزامن مع تقدم بري من الكويت جنوباً لتطويق العاصمة بغداد.
ولم تسمح السعودية التي عارضت الغزو علناً باستخدام حدودها الطويلة مع العراق من قبل القوات الأمريكية والبريطانية، لكن وزير الخارجية القطري آنذاك حمد بن جاسم آل ثاني يقول لبي بي سي نيوز عربي إن كافة دول مجلس التعاون الخليجي، حتى تلك التي أعلنت رفضها للغزو، “لم ترفض عملية غزو العراق، والكل كان يتعامل مع الأمريكان بما فيها السعودية، والدليل على ذلك هو أن الذخيرة بما فيها صواريخ الكروز خرجت من دولنا، كقطر والسعودية ودول أخرى” بحسب بن جاسم.
سقوط صدام
في مشهد يائس وبعد ثلاثة أسابيع، قام صدام حسين بآخر جولة له في حي الأعظمية السني في بغداد في التاسع من أبريل/ نيسان، بينما كانت القوات الأمريكية قد دخلت العاصمة بالفعل، وما هي إلا ساعات قليلة حتى بدأت بإسقاط تمثال الرئيس العراقي في ساحة الفردوس، لتعلن سقوط نظام البعث.
يقول ديار العمري أن اللحظة كانت مهيبة، لكنها شديدة الرمزية، إذ يشير إلى ان العراقيين الذين تجمهروا في الساحة فشلوا في إسقاط التمثال بداية، ما دفع القوات الأمريكية للدفع بعربة مدرعة انتزعت التمثال بكل قوتها، لكن قاعدة التمثال وقدمي صدام حسين ظلتا مغروستين في الأرض، في مشهد أنذر مبكراً، من دون أن يتنبه كثر إلى أن التغييرات التي أحدثها النظام البعثي الذي حكم لعقود، قد ضربت عميقاً في بنية المجتمع العراقي.
كان صدام وصل إلى السلطة في انقلاب أبيض على الرئيس أحمد حسن البكر عام ١٩٧٩، ومنذ الأشهر الأولى بدا واضحاً أن بطشه سيطال الجميع، حتى أقرب المقربين منهم داخل المؤسسة الحزبية، فقتل الألاف من الشيعة والاكراد إثر انتفاضتهم ضد حكمه، ولم يسلم من بطشه حتى أبناء العشائر السنية..
بدأ عهده بحرب طاحنة مع إيران، استمرت لثمانية أعوام باسم الدفاع عن الحدود الشرقية للعالم العربي امام المد الإيراني، قتل خلالها مئات الآلاف من الجانبين وظل يحتفل بذكراها سنوياً.
ولا تزال المئات من الخوذ العسكرية لجنود إيرانيين يعتقد انهم قتلوا خلال فترة الحرب مع العراق موجودة حتى اليوم عند مقابض ما يسمى بسيوف معركة القادسية ٢ في ساحة الاحتفالات ببغداد، كرمز لما اعتبره آنذاك انتصاراً ضد نظام الخميني ونظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
وفي آب ١٩٩٠ استفاق العالم على صدمة احتلال العراق للكويت، وهي الخطيئة التي ستنتهي تبعاتها بعد ثلاثة عشر عاماً من الحصار بغزو العراق.
بعد سقوط بغداد، غادر الرئيس العراقي وعائلته بغداد إلى محافظة الانبار، وتعرضت المضافة التي لجأوا إليها إلى قصف أمريكي، قتل على إثره بعض مضيفيه. ويبرر علي حاتم سليمان أمير عشائر الدليم خطوة صدام بقوله إن “الأنبار هي معقل السنة ومعقل العشائر العربية في العراق، وبالتالي فهي تشكل ملاذاً آمناً”.
وتفرق من تبقى من عائلة صدام حسين داخل وخارج العراق بعد مغادرتهم الأنبار، دون أن يعرف أي منهم أنهم لن يلتقوا مجدداً، إذا غادرت نساء العائلة إلى خارج العراق، فيما انتقل نجلا صدام عدي وقصي وحفيده مصطفى إلى مدينة الموصل، وقُتلا بعد بضعة أشهر على يد القوات الأميركية بعد أن ابلغ عنهما الرجل الذي كانا بضيافته.
بعد بضعة أسابيع على الغزو، أقر مجلس الأمن بمسؤوليات والتزامات الولايات المتحدة وبريطانيا بوصفهما دولتين قائمتين بالاحتلال، وهو التطور الذي يقول بارزاني بأنه “نسف اتفاق لندن، وكان سبباً في كل المشاكل التي تلت تلك المرحلة”.
ما أن وطأت قدما بول بريمر، رئيس الإدارة المدنية الأمريكي أرض للعراق، حتى أصدر سلسلة من القرارات أدت لانهيار مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية والمدنية. وعقب تشكيل الأحزاب الشيعية المدعومة إيرانياً للحكومة، وصدور قانون اجتثاث البعث، شرعت الأبواب أمام الكثير من الإجراءات التي يصفها علي حاتم سليمان بالإنتقامية، ويضيف بأن “المكون السني كان الخاسر الأكبر في هذه العملية، إذ تم تهميشه وإقصاؤه وتحجيم دوره، وأُعتبر أنه كان داعماً للنظام السابق، وهذا كان امر غير صحيح”.
ودفعت ردة الفعل الانتقامية الكثير من منتسبي المؤسسة العسكرية والأمنية المنهارة للالتحاق بتنظيمات متشددة، ووجد تنظيم القاعدة بقيادة أبو مصعب الزرقاوي الفرصة سانحة للعودة مجدداً، ليبدأ حمامُ دم استمر لأعوام وخلف آلاف القتلى.
ويقول ديار العمري إن الكثير من المقاتلين العرب الذين جاؤوا للعراق قبل سقوط النظام للتصدي للغزو، شكلوا البذرة التي عملت على تأسيس جيش كبير من المقاتلين، وانضموا لاحقاً إلى “جيش محمد” و”كتائب ثورة العشرين” و”القاعدة”.
في نهاية العام 2003، وفي مشهد صادم، أُلقي القبض على صدام حسين من قبل قوة امريكية في منطقة الدور، وبعد محاكمة استمرت لثلاثة أعوام حكم عليه بالإعدام بتهمة ارتكاب جرائم ضد الانسانية. وتسبب إعدامه فجر يوم عيد الأضحى بموجة غضب كبيرة، ليس في المحافظات السنية العراقية فحسب، بل في غالبية الدول العربية.
ويقول رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي لبي بي سي نيوز عربي إنه تم اتخاذ هذا الامر للإساءة للوضع في العراق طائفياً، بالقول إن “هذا قائد عربي سني (صدام)، كيف يحكمه قائد شيعي (المالكي).
وأصر المالكي على إعدام صدام فجر يوم العيد، رغم أن القانون العراقي يمنع ذلك، بعد أن وجد له قاضي محكمة التمييز منير جداد مخرجاً قانونياً، ويقول حداد في لقاء مع بي بي سي أن المالكي سأله قبل يوم من الإعدام عن إمكانية تنفيذ الحكم غداً وهو أول أيام العيد، فأجابه حداد بالقول “نعم يجوز، لأن المادة القانونية معلقة، هذه مادة علقها بول بريمر، وكانت هذه التخريجة القانونية”.
يقول المالكي إن الاستعجال في التنفيذ كان تفادياً لمحاولات الطعن بأهلية المحكمة، ونقل صدام ومحاكمته خارج العراق تمهيداً لإطلاق سراحه، وأنه كان هناك “تأثير على الجانب الأمريكي من بعض الدول العربية التي كانت تريد إنقاذ صدام”، وأن هذا هو سبب إصراره على إعدامه في تلك الليلة.
وازداد الوضع إرباكاً بعد تسريب فيديو للإعدام صُور من قبل أحد الحراس، يتضمن هتافات طائفية وعدم مراعاة لأي قوانين، كما يظهر صدام متماسكاً رغم إدراكه ما كان ينتظره. وهو الأمر الذي يتناقض مع ما كان مستشار الأمني القومي موفق الربيعي قد صرح به من أن صدام كان خائفاً ويرتجف عند صعوده لحبل المشنقة.
استياء السنة
ويؤكد القاضي منير حداد الذي حضر الإعدام ايضاً صحة ما جاء في الفيديو المسرب، ويقول لبي بي سي إن صدام رفض إخفاء وجهه بكيس أسود، وأنه صعد للحبل المشنقة بدون أدنى تردد، بل أنه سخر من الربيعي الذي كان يرتجف من شدة البرد.
ولا يزال الربيعي يحتفظ حتى اليوم بالحبل الذي شنق به صدام حسين، بالإضافة إلى احد تماثيله وبندقية فضية مهداة لصدام.
طويت صفحة صدام، وتم وضع حد للاقتتال الطائفي وهزمت القاعدة بمساعدة العشائر السنية، وبحلول عام 2011 خرجت القوات الامريكية من العراق وقبلها البريطانية.
لكن نقمة الحواضر السنية على سياسات المالكي عادت للازدياد، واتخذت شكل اعتصامات مفتوحة قرب الفلوجة. ويقول علي حاتم سليمان إن ما دفعهم للمشاركة في الاحتجاجات هي “الإجراءات الانتقامية بحق السنة والمحاكمات غير العادلة، وتسييس القانون والقضاء العراقي.
ويرفض المالكي هذه التبريرات، ويقول إن تنظيم القاعدة كان يتخفى خلف الاعتصامات متحيناً الفرصة للعودة. وإن “الاعتصامات كانت في الفلوجة مدنية ظاهرها مخيمات، لكن الاعتصامات العسكرية كانت في الجزيرة على الحدود السورية”، وإن الهدف كان “التقدم إلى بغداد لإسقاط النظام بحركة طائفية كانت تريد ان تقضي على اي وجود للطرف الآخر الشيعي في العراق”.
في نهاية العام 2013 أمر المالكي الجيش باقتحام ساحات الاعتصام، ما أدى لزيادة الاحتقان في الحواضن السنية، ومع تردي الأوضاع في سوريا وفقدان الحكومة السيطرة على المناطق الحدودية، عادت القاعدة للعراق بصيغة جديدة وقدرات أكبر وبطش أشد، وسقطت الكثير من المدن بيد ما سيعرف بتنظيم الدولة الإسلامية، فيما تبخرت فرقٌ كاملة من الجيش.
ويقول بارزاني إن “الجيش الذي بناه الناتو في عشر سنوات تبخر في عشر ساعات”، ويُرجع سبب الانهيار إلى ان “الجيش العراقي لم يؤسس على أساس وطني وولاؤه وطني”.
لكن المالكي يرفض هذه الاتهامات، ويتساءل عن كيفية انسحاب قادة فرق عسكرية كاملة قبل ساعات من تقدم تنظيم الدولة، ويؤكد أن خلية إدارة أزمة كانت تشكلت في كردستان العراق لإدارة العملية، رافضاً الخوض في المزيد من التفاصيل عما جرى.
ويشرح حيدر العبادي الذي خلف المالكي في رئاسة الحكومة في ظروف صعبة جداً المشهد بالقول إن “الأمر بات يبدو كأنه معركة طائفية، ما شكل مشكلة كبيرة، فهي من جانب داعش طائفية، واصبحت منظومة الدولة تبدو أيضاً طائفية”.
ويرجع العبادي الذي يرفض وصف سياسات المالكي بالطائفية سبب ترحيب بعض الحواضر السنية بتنظيم الدولة، إلى أن “المنظومة الأمنية كانت فاسدة وتشتري أمن العراقيين بالابتزاز”، وان “المواطن العراقي فقد الثقة بها، وبالتالي بات مستعداً للتعاون مع الآخر حتى يحميه”.
بجهد امني وعسكري عراقي هائل، وبمساعدة التحالف الدولي، ومشاركة فصائل الحشد الشعبي الشيعية المدعومة إيرانياً، وقوات البيشمركة الكردية، وبعد معارك دامية استمرت لنحو اربعة أعوام، هُزم التنظيم، وانسحب من تبقى من مقاتليه للجبال والمناطق النائية.
معركة أخرى خلفت جروحاً عميقة في المحافظات السنية التي وجدت نفسها تدفع الثمن مجدداً، خاصة في مدينة الموصل، حاضرة السنة الأهم، ويختصر علي حاتم سليمان المشهد بالقول إن “القوات النظامية والإرهاب كلاهما انتقما من المناطق هذه بنفس المستوى سواء كان في العراق وفي سوريا”.
وبألم شديد يدعو شيخ أحد مساجد الموصل القديمة لأن تعود عقارب الساعة ويحكم العراق شخص كصدام حسين، ويقول إن المكون السني لم تعد له أي كلمة بشأن ما يجري في البلاد، وبأن امريكا التي تقول إنها حررت العراق قد قدمته على طبق من ذهب لإيران.
تعمق الصدع بين المكونات ليشمل الكرد أيضاً، إذ قبل انتهاء المعارك ضد التنظيم، قرر مسعود بارزاني إجراء استفتاء للاستقلال، ردت عليه بغداد عسكرياً واستعادت السيطرة على مدينة كركوك التي كانت بيد البيشمركة.
ويقول بارزاني إن “الأمر برمته بات صراعاً على الإرادة، وإن كل الأطراف أرادت أن تكسر أرادتنا” للهجوم، وإن البيشمركة أوقفت الهجوم الذي قامت به القوات العراقية في تشرين أول أكتوبر 2017، وإن “كركوك ما كانت لتسقط لولا خيانة طرف كردي”، في إشارة إلى انسحاب قوات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني من خطوط الدفاع عن المدينة خلال العملية.
واشترطت بغداد تخلي بارزاني عن رئاسة إقليم كردستان لرفع العقوبات التي فرضتها على الإقليم، وبالفعل تخلى بارزاني عن المنصب لكنه لا يزال يتحكم بالكثير من سياسات الإقليم من موقعه كزعيم للحزب الديمقراطي الكردستاني.
ويصف لقاءه بعد سنوات ببعض القادة العراقيين الذي اتخذوا قرار الحرب ضد الإقليم بأن “السياسة تتطلب ذلك أحياناً، دون أن يعني ذلك أن نساوم على قضيتنا ومبادئنا”.
وما أن هدأ دوي المعارك، حتى انتفض الشيعة هذه المرة ضد الحكومة، بسبب الفساد وتردي الأوضاع الاقتصادية، وقتل أكثر من خمسمائة متظاهر سلمي، وأجريت انتخابات مبكرة لتعود ذات الاحزاب والشخصيات من كافة المكونات للواجهة من جديد لتشكيل حكومة محاصصة.
عقدان من الفشل في التوافق على صيغة شراكة وطنية عقب ديكتاتورية لم تسقط إلا بتدخل خارجي، ديكتاتورية يبدو أنها أورثت الكثير من أساليبها وأدبياتها لمن خلفها، ثمة أمل اليوم يؤكد غالبية من التقيناهم، لكن المؤكد أيضاً أن فترة الهدوء النسبي في عراق اليوم، قد تنتهي عند أي مفترق طرق طالما ظلت البلاد تدار بعقلية منتصر ومهزوم.