/العمانية/
الجزائر
في 11 ديسمبر / العمانية/ تُشبه تجربة الشاعر الجزائري، عبد الرحمن بوزربة، ذلك
النهر الرقراق الذي يشقُّ طريقه ليروي ظمأ المتعطّشين إلى الكلمة العذبة، والعبارة
الشعرية المحلّقة في سماء الإبداع الصادق.
وقد
أصدر بوزربة هذا العام، ديوانين شعريين، أوّلهما بعنوان “شقوق تدلُّ جدرانُها
على الريح” (124 ص)، ويضمُّ 23 نصًّا شعريًّا، تتراوح نصوصُه بين شعر
التفعيلة والشعر العمودي، وثانيهما بعنوان “أطير إليك سرب غياب” (126
ص)، ويتضمن 20 نصًّا شعريًّا.
ويقول
صاحب هاتين المجموعتين الشعريتين في تصريح، لوكالة الأنباء العمانية: “إنّها
نصوصٌ أحاول من خلالها تجاوز أدواتي التي استخدمتُها في دواويني السابقة، وهي
تتحدث عن الوطن، والمرأة، والذات التي تُجبَر على الركون إلى الهامش نتيجة هذا
العالم الذي يرفضُه الشاعر لأنّه يفقد جمالياته، ومن هنا تستمدُّ هذه النصوص أهميّتها،
ورؤيتها التي تحاول أن تقولها من خلال استكناه روح الإنسان، والبحث عن الفردوس
المفقود نتيجة تراكم هذا السائد الباهت، لدرجة أنّنا أصبحنا نسخًا طبق الأصل،
وفقدنا خصوصياتنا”.
ويضيف
بوزربة أنّ ديوان “شقوقٌ تدلُّ جدرانُها على الريح”، هو الثامن في
مسيرته الشعرية، ونصوصُه “بالرغم من كلّ ما تحمله من حزن، فهي ليست انكسارًا،
أو تقوقعا على الذات، وإنما يُعتبرُ الحزن الذي تختزنُه قصائد الديوان مرادفًا
للسُّكون والسكينة التي يجب أن نعيشها في داخلنا لكي نكون أجمل”
من جهة أخرى، يؤكّد عبد الرحمن بوزربة أنّ ديوان
“أطير إليك سرب غياب”، هو “عبارة عن نصوص نثرية، وهو على عكس
دواويني السابقة، وهي نصوص قريبة جدًّا من نفسي، لأنّها تُعبّر عن محطات واضحة
عشتُها، وهي كذلك نصوصٌ قريبة جدًّا من المتلقّي لكونها تتحدّث عن خلاصة تجارب
يعيشُها الإنسان نتيجة علاقته مع الآخر، أو نتيجة هزائم، وخيبات اجتماعية، وهي
تخاطب الذات الإنسانية، وتحاول السفر فيها لتقول بعض المسكوت عنه، وبعض ما نخجل
منه لتكون صادقة بما يكفي، ولتقول ما نفكّر به دون مداراة لأسباب يفرضها العرف
الاجتماعي”.
ويُلحُّ
بوزربة على أنّ “الشعر ما زال بخير في الجزائر، وفي الوطن العربي، على كافة
مستوياته التعبيرية، وما هو طافح إلى السطح لا يعبّر عن الحقيقة بما أنّ هناك الآن
الكثير من الوسائط الإلكترونية والوسائل التسويقيّة، التي استغلّها كثيرٌ ممّن
ليست لهم علاقة بالقصيدة الحقيقيّة، وهذا ما أدّى إلى نفور المتلقّي من الشعر الذي
يُعبّر عن الواقع”، معتبرًا أنّ “القدرة على تسويق الذات، ليست بالضرورة
مرادفًا للملكة الإبداعيّة الحقيقيّة؛ وهناك الكثير من النصوص والإبداعات التي لم
تجد طريقها بالقدر الكافي إلى الملتقّي مع أنّها تُعبّر بالفعل عن ماهية
الشعر”، ويُعزّز مذهبه بالقول “صحيحٌ أنّ الشعر الآن لم يعد كما كان بعد
أن تفتّح على الكثير من الأشكال الشعرية، وعلى الشاعر أن يُتقن الشعر بكلّ أشكاله
ليأتي بعد ذلك الحفر في صخرة الشعر والمعنى بحثا عن خاصيته، وماهيته”.
ومع
ذلك لا يُخفي بوزربة بأنّ “الشعر اندحر لصالح السّرد، وهذا ليس خاصًّا
بالجزائر أو الوطن العربي، وإنّما هو ظاهرة عالميّة، لأنّ الشعر ابتعد عن تلك
الأغراض القديمة، وأصبح يحمل رسالة جمالية تسافر أكثر في الذات الإنسانية، ويعبّر
عن نفسه بأشكال وطرق ليست في متناول المتلقّي العادي؛ وبالتالي فالشعر مسؤولٌ
نوعًا ما عمّا يحدث من نفور لدى المتلقّي، وطغيان الرواية ليس له علاقة بالجوائز
المغرية التي ترصد لها، واللُّهاث وراء الكتابة الروائيّة جعل الكثيرين يخوضون في
الكتابة السردية دون امتلاك للأدوات الإبداعية، وهذا ما أنتج لنا هذا الكمّ الهائل
الذي يُسمّى عبثا “رواية”، ويُنشر دون قراءة ولا تمحيص، وفي غالب
الأحيان دون لغة، وما أعيبه على كثير من هذه التجارب الروائيّة أنّها تخلّت على
شكل الرواية من حيث بنائها السردي المعروف، وصارت عبارة عن نصوص هلامية طويلة لا
تقوم على ركائز الرواية، والغريب أنّ كلّ ذلك يتمُّ بدواعي التجديد والخروج عن
النمطيّة، وهي في الغالب نصوصٌ رديئة لن تعيش حتى ولو تمّ تسويقُها
إعلاميًّا”.
يقول
عبد الرحمن بوزربة في أحد مقاطع ديوان “شقوقٌ تدلُّ جدرانها على الريح”
لا
بدّ من برٍّ
يقول
الفلكْ
للبحر
الفسيحْ..
لا
بدّ من شفةٍ
يقول
اللّيلُ
للصّمتِ
الفصيحْ
ويقولُ
عشبٌ نازفٌ:
لا
بدّ من شجرٍ لهذي الريحِ
حتى
أستريحْ..
يُشار
إلى أنّ عبد الرحمن بوزربة، شاعر جزائري، من مواليد 1969 بمدينة جيجل (شرق
الجزائر)، حاصلٌ على ديبلوم دراسات عليا في علوم التسويق من جامعة الجزائر، صدر له
“إشراق الغيم” (شعر/ 2003 )، و”نهايات”(شعر/ 2003 )
و”وشايات ناي” (شعر/ 2007)، و”واسع كلُّ هذا الضيق” (شعر/2015
)، و”الليل الذي اكتمل” (شعر/2019 )، و”من يسبق الجراد إلى القمح؟”
(شعر/2022).
/العُمانية
/النشرة الثقافية /طلال المعمري