BBC العربية
أثار قيام قوات الدعم السريع في السودان بإيقاف الصادرات المتجهة إلى مصر من المناطق التي تسيطر عليها في دارفور وكردفان، مخاوف حول مستقبل وحدة البلاد.
ويرى مراقبون أن هذه الخطوة تعد مؤشراً على أن السودان يمضي نحو التقسيم، خاصة وأن الجيش أو الحكومة السودانية رفضتها، واعتبرتها “محاولة لفرض سلطة الأمر الواقع”.
ويأتي ذلك على خلفية الحرب المستمرة منذ أبريل/ نيسان من عام 2023 والتي أضحت البلاد بموجبها مناطق خاضعة للجيش وأخرى للدعم السريع.
ومنذ اندلاع الحرب، تسيطر قوات الدعم السريع على معظم إقليم دارفور ومع تزايد نفوذها في هذا الإقليم يرى مراقبون خطر “تقسيم” السودان يلوح في الأفق حيث تسيطر الدعم السريع على مناطق غرب وشرق ووسط وجنوب دارفور.
وينقسم إقليم دارفور إلى 5 ولايات وهي ولاية جنوب دارفور وشمال دارفور وشرق دارفور وغرب دارفور ووسط دارفور.
وبالرغم من أن محمد حمدان دقلو حميدتي، قائد الدعم السريع، قد شدد على وحدة السودان “وسيادة أراضيه” خلال خطاب اتهم فيه مصر بقصف قواته بالطيران الحربي. فإن تصريحات لقادته والمقربين من قواته على الأرض ترمي، طبقا لخصومه، إما إلى تقسيم السودان وانفصال بين محافظاته أو منحها حكما ذاتيا على أقل تقدير وخاصة عقب إعلان الدعم السريع تشكيل ما أطلقت عليها الإدارات المدنية لإدارة شؤون الحكم في المناطق التي تسيطر عليها.
وكانت تعليقات للباشا محمد طبيق، وهو أحد مستشاري قائد قوات الدعم السريع، قد أشارت إلى حاجة قوات الدعم لتشكيل حكومة في مناطق سيطرتها باعتبارها ضرورة قصوى. وأضاف طبيق في تغريدة على منصة “إكس”: “هذه خطوة يجب أن تلقى الترحيب والاعتراف الفوري من المجتمع الدولي للحفاظ على بقاء الدولة السودانية موحدة”.
وتدور حالياً معارك شرسة بين الجيش والفصائل المتحالفة معه من جهة، وقوات الدعم السريع من جهة أخرى في مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، وهي المدينة الوحيدة التي يسيطر عليها الجيش في الإقليم بعد سقوطه بالكامل في يد قوات الدعم السريع. فما هي قصة إقليم دارفور؟
تاريخ
يقع إقليم دارفور في الجزء الغربي من السودان الحالي بين كردفان شرقاً وتشاد غرباً ويمتد جنوباً إلى نهر الغزال وشمالاً إلى الصحراء الليبية .
وتقول دائرة المعارف البريطانية إن العرب يشكلون منذ فترة طويلة أغلبية السكان في الجزء الشمالي من دارفور، بينما يهيمن العرب والفور على الجزء الجنوبي، ومن بين المجموعات العرقية الأخرى في الإقليم شعوب البجا والزغاوة والنوبة والداجو.
وفي عصور ما قبل التاريخ، كان سكان دارفور الشماليون مرتبطين بشعوب ما قبل الأسرات في وادي نهر النيل. ومنذ عام 2500 قبل الميلاد تقريبًا، كانت دارفور ضمن نطاق القوافل المصرية التي كانت تتاجر جنوبًا من أسوان حيث كان أول حكامها التقليديين من الداجو مرتبطين بالشعوب القديمة.
ولا شك أن التجارة كانت تُجرى من دارفور مع مصر أثناء المملكة الحديثة ومع مدينتي نبتة ومروي في مملكة كوش (الواقعة الآن في شمال السودان). وفي نهاية المطاف، أعقب حكم الداجو في دارفور حكم التانجور .
وانتهت الفترة المسيحية، التي دامت على الأرجح من عام 900 إلى عام 1200 في دارفور بتقدم الإسلام شرقًا من إمبراطورية كانم-برنو (تتمركز حول بحيرة تشاد).
وبحلول عام 1240، كان ملك كانم يسيطر على الطريق التجاري مع مصر، ومن المحتمل أن يكون هذا هو التاريخ الذي نشأ فيه نفوذ كانم على دارفور.
وحكمت قبيلة كيرا، وهي عشيرة رئيسية تابعة للفور، دارفور من عام 1640 إلى عام 1916 تقريبًا. وكان أول ذكر تاريخي لكلمة فور في عام 1664. وخلال تلك الفترة، استخدم ملوك سلطنة كيرا في دارفور مصطلح فور للإشارة إلى سكان المنطقة ذوي البشرة الداكنة الذين قبلوا الدين الإسلامي.
ومع زواج سلالة كيرا نفسها من سكان المنطقة، أصبح أفرادها معروفين أيضًا باسم فور. وقد اعتنق سكان دارفور الإسلام تحت حكم سلاطين كيرا الذين خاضوا معارك متقطعة مع مملكة وداي في تشاد، وحاولوا أيضًا إخضاع القبائل العربية شبه المستقلة التي سكنت البلاد.
وفي سبعينيات القرن التاسع عشر، خضعت دارفور للحكم المصري الذي قمع العديد من الثورات، وفي عام 1881، تم إجبار الإقليم على الخضوع للحكم المصري وتعيين رودولف كارل سلاتين حاكمًا.
وعلى الرغم من دفاعه عن المقاطعة ضد قوات المهدي، وهو مصلح ديني وزعيم سياسي سوداني، اضطر في النهاية إلى الاستسلام له في ديسمبر/كانون الأول من عام 1883، وبعد ذلك تم دمج دارفور في ممتلكات المهدي.
وبعد الإطاحة بخليفة المهدي، الخليفة عبد الله التعايشي في عام 1898، اعترفت الحكومة الجديدة (الأنجلو-مصرية) في السودان بعلي دينار سلطانًا على دارفور في عام 1899.
وقد أدى التمرد الذي قاده علي دينار في عام 1915 إلى استفزاز البريطانيين لشن حملة عقابية قُتل فيها دينار في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1916، وبعد ذلك أصبحت دارفور مقاطعة (ثم ثلاث مقاطعات لاحقًا) في السودان.
ملكية الأرض وحقوق الرعي
ظل إقليم دارفور لسنوات طويلة يواجه توترات بشأن ملكية الأرض وحقوق الرعي بين القبائل البدوية العربية، في الغالب، والمزارعين من قبائل الفور والمساليت والزغاوة.
وبدأ جيش تحرير السودان وجبهه العدل والمساواة، في مطلع عام 2003، بشن هجمات على أهداف حكومية، متهمين حكومة الخرطوم باضطهاد وتهميش ذوي الأصول الأفريقية السوداء لحساب ذوي الأصول العربية في دارفور.
واعترفت الحكومة السودانية بأنها حشدت ميليشيات “قوات الدفاع الذاتي” بعد قيام المتمردين بهجماتهم.
بيد أنها نفت أي صلة لها بما يسمى ميلشيات الجنجويد، التي تتهم بأنها تابعة لقبائل عربية وحاولت أن تطرد الأفارقة السود.
وقال نازحون إن غارات من طائرات حكومية كانت تسبق هجمات يشنها الجنجويد الذين يغزون القرى على ظهور الخيول والجمال، ليذبحوا الرجال ويغتصبوا النساء.
وفي غضون عام، قُتل عشرات الآلاف من الناس (من الفور وغيرهم من المزارعين)، وفر مئات الآلاف غربًا إلى مخيمات اللاجئين في تشاد المجاورة، وظل كثيرون آخرون نازحين داخليًا.
وعلى الرغم من وقف إطلاق النار في عام 2004 ووجود قوات الاتحاد الأفريقي التي أعقبت ذلك، فقد تفاقم الصراع والأزمة الإنسانية الناجمة عنه بحلول عام 2007، مما أسفر عن مقتل مئات الآلاف من الناس وتشريد أكثر من مليوني شخص.
وفي 31 يوليو/تموز من عام 2007، أذن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بإنشاء بعثة حفظ سلام مشتركة بين الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي (يوناميد) لتحل محل بعثة الاتحاد الأفريقي، على الرغم من أن نشر قوات يوناميد لم يبدأ إلا في عام 2008.
في عام 2008، قدرت الأمم المتحدة أن نحو 300 ألف شخص قد قتلوا جراء الحرب في دارفور، على الرغم من أن الخرطوم تشكك في هذا الرقم وتعده مبالغا به كثيرا.
جرائم حرب
وفي مارس/آذار من عام 2009، اتهمت المحكمة الجنائية الدولية الرئيس السوداني السابق عمر البشير بجريمة الإبادة، وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية يقال إنها ارتكبت في دارفور.
وتتعلق تهم الإبادة بزعم إشرافه على محاولات إزالة مجتمعات الفور والمساليت والزغاوة المحلية، وقد أنكر الرئيس السوداني كل هذه الاتهامات.
وفي عام 2011، وقعت وثيقة الدوحة للسلام في دارفور من قبل تحالف يضم عددا من الجماعات المتمردة الصغيرة.
وقال جيمس كوبنال، المحلل المختص في الشؤون السودانية في بي بي سي، إن وثيقة الدوحة للسلام في دارفور وعدت بتقاسم الثروة والسلطة، وبالتنمية في اقليم دارفور، وبتعويضات لأولئك الذين عانوا بسبب الحرب، بيد أن معظم هذه الوعود لم يتحقق.
ومنذ بداية عام 2016 تصاعد القتال بين القوات الحكومية وفصيل جيش تحرير السودان في منطقة جبل مرة.
وطبقا لبعثة الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة في دارفور، نزح نحو 21338 شخصا، معظمهم من النساء والأطفال، إلى شمال دارفور في الأول من فبراير/ شباط من عام 2016. ونزح 15 ألف شخص آخر إلى ولاية وسط دارفور، طبقا للأمم المتحدة.
وبعد نحو أسبوعين، قالت الأمم المتحدة إن عدد النازحين المدنيين قفز إلى 73 ألف نازح.
التطهير العرقي
بعد اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أبريل/نيسان من عام 2023، قالت مصادر طبية إن آلاف الأشخاص أجبروا على الفرار من منطقة غرب دارفور السودانية وسط مخاوف من التطهير العرقي.
واتهم شهود عيان قوات الدعم السريع شبه العسكرية باستهداف وقتل غير العرب، مع تقارير عن سقوط مئات القتلى.
ويأتي هذا بعد أن استولت قوات الدعم السريع على مقر الجيش السوداني في الجنينة عاصمة غرب دارفور.
وتقول الأمم المتحدة إن هناك مخاوف من مقتل نحو 15 ألف شخص في مدينة الجنينة بغرب دارفور العام الماضي.
وقد قُتل حاكم غرب دارفور خميس أبكر بعد ساعات من اتهامه لقوات الدعم السريع بارتكاب إبادة جماعية. وهو أكبر مسؤول معروف يُقتل منذ بدء الصراع في أبريل/نيسان.
وتقول قوات الدعم السريع إنها غير متورطة في ما تصفه بـ”الصراع القبلي” في دارفور.
ونشأت الجماعة شبه العسكرية من ميليشيا الجنجويد التي اتُهمت بالإبادة الجماعية والتطهير العرقي ضد المجتمعات غير العربية في دارفور في عام 2003، بعد أن حمل المتمردون السلاح، متهمين الحكومة بتجاهل المنطقة.
وفي مايو/ آيار الماضي، حذرت أليس وايريميو نديريتو، المستشارة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة المعنية بمنع الإبادة الجماعية، من أن منطقة دارفور في السودان تواجه خطرا متزايدا بالتعرض للإبادة الجماعية مع تركيز اهتمام العالم على الصراعات في أوكرانيا وغزة.
وأضافت أن العديد من المدنيين استهدفوا على أساس عرقهم في مدينة الفاشر المحاصرة بالسودان حيث تشتد حدة القتال العنيف.
وقالت نديريتو إن الوضع يتجه نحو إبادة جماعية “على غرار ما حدث في رواندا عام 1994″، مستشهدة بتحليل الأمم المتحدة لعوامل الخطر المتزايدة.
وأضافت قائلة: “إن تصاعد الأعمال العدائية في الفاشر فتح الآن فصلا مثيرا للقلق حقا في هذا الصراع”.
ومضت تقول:”إنني أناشد الجميع الانتباه إلى هذا الصراع على وجه الخصوص، لقد حاولت أن أرفع صوتي إلى العالم، ولكن صوتي غرق في الحروب الأخرى في أوكرانيا وغزة”.
وأعربت منظمة هيومن رايتس ووتش مؤخرا عن مخاوف مماثلة من احتمال وقوع إبادة جماعية في دارفور .
وقال تقرير صادر عن المنظمة إن القوات شبه العسكرية وحلفائها العرب ارتكبت تطهيرا عرقيا وجرائم ضد الإنسانية ضد عرق المساليت والمجتمعات غير العربية في المنطقة.
وطالبت هيومن رايتس ووتش بفرض عقوبات على المسؤولين عن هذه الفظائع، بما في ذلك زعيم قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، المعروف باسم حميدتي.
المجاعة
في مارس/ آذار الماضي، حذر برنامج الأغذية العالمي من أن الحرب في السودان، قد “تخلف أكبر أزمة جوع في العالم” وهي الحرب التي أدت إلى موجة نزوح غير مسبوقة.
وقالت مديرة برنامج الأغذية العالمي سيندي ماكين إن المعارك التي أوقعت آلاف القتلى وأدت الى نزوح ملايين الأشخاص، “تهدد حياة الملايين في البلاد، بالإضافة إلى تهديد السلام والاستقرار في المنطقة بكاملها”.
وأكدت ماكين أن استمرار العنف في السودان، يعني أن الحرب قد “تخلف أكبر أزمة جوع في العالم”، مشيرة إلى أن أقل من 50 بالمئة فقط من السودانيين يستطيعون توفير “وجبة كاملة” لأنفسهم في الوقت الراهن.
وفي أغسطس/ آب الماضي، أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) انتشار المجاعة في مخيم زمزم للنازحين بمدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور.
ويعني إعلان المجاعة أن مستوى انعدام الأمن الغذائي وصل إلى المرحلة الخامسة وهي المرحلة الأخطر التي تصنف بالكارثية، وفقاً للمعايير التي وضعتها الأمم المتحدة.
وتشهد الفاشر، حيث يقع مخيم زمزم، قصفاً متبادلاً بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه العسكرية، الأمر الذي دفع الكثير من سكان المناطق التي تعرضت للقصف إلى الهروب لمناطق آمنة داخل المدينة حيث يقع المخيم.
وقد تسببت موجات النزوح هذه في الضغط على موارد مخيم زمزم ، كما أن معظم الفارين من جحيم الحرب يصلون إلى المخيم، في ظروف إنسانية متردية الأمر الذي فاقم المعاناة الإنسانية حيث ارتفع عدد قاطني المخيم من 250 ألفا إلى نصف مليون بسبب الحرب.
وتقول منظمة “أطباء بلا حدود” الخيرية إنها رصدت في يناير/كانون الثاني الماضي أن طفلا واحدا على الأقل في المخيم يموت كل ساعتين، وفي ظل شُح الطعام أو عدم توافر مياه نظيفة أو رعاية صحية، أصبحت الأمراض التي كان من الممكن علاجها من قبل تفتك بالمصابين بها حاليا.
ويعد مخيم زمزم من المخيمات الهشة بالفعل، وهو مخيم أُنشيء على يد أولئك الذين وقعوا في براثن العنف العرقي قبل 20 عاما، ويعتمد بشكل كامل على المساعدات الإنسانية.
لكن الإمدادات الغذائية توقفت بسبب اندلاع الحرب، فضلا عن إجلاء معظم منظمات الإغاثة في ظل سيطرة قوات الدعم السريع شبه العسكرية على مساحات واسعة من المنطقة.
ويُتهم مقاتلو قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها بنهب المستشفيات والمتاجر، وهو ما تنفيه دوما قوات الدعم السريع.
تواريخ أساسية في السودان
- 1956: حصل السودان على استقلاله، وبعد مرور 27 عاما على هذا التاريخ طبقت فيه قوانين الشريعة الإسلامية.
- 1989: جاء عمر البشير إلى السلطة في انقلاب عسكري
- 2003: بدأ النزاع في دارفور بعد اتهام المتمردين للحكومة بتفضيل جماعات عربية، ما قاد لاحقا إلى أن تصدر المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق الرئيس عمر البشير بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة.
- 2005: توقيع اتفاق سلام أنهى الحرب الطويلة الأمد بين الشمال والجنوب، وقاد إلى انفصال جنوب السودان واستقلاله بعد ست سنوات.
- 2011: حصل جنوب السودان على استقلاله بعد سنوات من الحرب مع الحكومة المركزية في الخرطوم.
- 2011: بدأ النزاع في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، بعد أن وجد المتمردون الذين قاتلوا مع السودانيين الجنوبيين أنهم اصبحوا تابعين للشمال بعد انفصال الجنوب.
- أبريل/نيسان 2019: أطاح الجيش بالرئيس عمر البشير بعد أشهر من الاحتجاجات ضد حكمه.
- سبتمبر/أيلول 2019: شكلت حكومة جديدة برئاسة عبد الله حمدوك، كجزء من اتفاق لتقاسم السلطة بين الجيش وممثلين مدنيين عن الجماعات المعارضة لمدة ثلاث سنوات.
- أغسطس/آب 2020: الحكومة السودانية الانتقالية توقع اتفاق سلام مع خمس جماعات متمردة.
- أبريل /نيسان 2023: اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.