يتناولُ الدكتور إسحاق العشعاش في كتابه “عسكرة الذكاء الصّناعي في ضوء قواعد القانون الدولي: مقاربة قانونية لفهم الشواغل الإنسانية والأخلاقية والأمنية”، الصادر عن المطبعة العالمية بالجزائر، منظومات الأسلحة الفتاكة ذاتية التشغيل، وهي منظومات أسلحة يُمكنها اختيار الأهداف وإشراكها دون تدخُّل بشريّ بمجرّد تنشيطها، ويثير تطويرها واستخدامها شواغل جديّة من المنظورات الإنسانية والقانونية والأمنية والتكنولوجية والأخلاقية، وثمّة حاجة مُلحّة لأن يتصدّى المجتمع الدولي لهذه المخاطر والتحديات باعتماد قواعد وتدابير مواءمة.
ويؤكّد مؤلّف الكتاب في تقديم هذا الإصدار بالقول “مبادئُ القانون الإنساني، بمفهومه الواسع، تقتضي أن يكون استخدام القوة متناسبًا وتمييزيًّا، وأن يتجنب المعاناة غير الضرورية، وألّا يُقوّض حقّ الانسان في الحياة أو ينتهك كرامته، لكن يبدو أنّ استخدام منظومات الأسلحة ذاتية التشغيل قد يتجاوز هذا الحدّ، كون الآلات لا يمكنها حساب تناسب كلّ هجوم على حدة أو التمييز بين الطبيعة المدنية أو العسكرية للأهداف، ولا ابتكار حكم أخلاقي بشأن القرارات المصيرية للحياة والموت”.
ويضيفُ الباحثُ أنه “مع ذلك، فالظاهر أنّ هنالك اعترافا واسع النطاق بأنّ العنصر البشري يجب أن يظل مركزيًّا في استخدام القوة، غير أنّ تحديد الحد الأدنى من مشاركة البشر أو أوجه التفاعل بين الإنسان والآلة أو التحكم البشري الهادف على النحو الذي يتطلّبه القانون، لا يزال محلّ جدل عميقا لدى الخبراء على المستوى الدولي.ولهذا الغرض، تأتي هذه الدراسة القانونية المعمّقة كمحاولة لأجل فهم الشواغل القانونية والأخلاقية والإنسانية والأمنية التي تفرضها عسكرة التكنولوجيات الناشئة وأتمتة الحرب من خلال عرض التطبيقات العسكرية الجامحة للذكاء الصناعي في الحروب المعاصرة، لاسيما العدوان الإسرائيلي ضدّ الفلسطينيين في غزة، حيث أسهم ذلك في تعميق الإبادة الجماعية بطريقة ممنهجة، كما تهدف الدراسة إلى رصد المواقف الدولية إزاء المسألة، واستشراف مستقبل صناعة السِّلم والأمن الدّوليين”.
كما يستعرض الكتاب التطبيقات الجامحة للذكاء الصناعي في النزاعات المسلّحة، لاسيما العدوان الإسرائيلي الجاري في قطاع غزة وتعميقه لمُحدثات الإبادة الجماعية ضدّ المدنيين والأشخاص والأعيان المحمية.
ويتزامن إصدار هذا المؤلف مع تقارير لقناة الجزيرة تتتبّع اعتماد الكيان الإسرائيلي على الذكاء الصناعي في عمليات الاستهداف وإصدار قرارات الموت والحياة ضدّ أهداف يبدو واضحًا أنها مدنية، الأمر الذي يُشكّل جرائم حرب مُمنهجة وإبادة جماعية وجرائم ضدّ الانسانية تُضاف إلى السّجل المخزي لهذا الكيان الغاصب في عدوانه ضدّ الفلسطينيين.
وقد ارتأى مؤلّف الكتاب تقسيم هذه الدراسة العلميّة إلى فصل تمهيدي بعنوان “ماهية ذاتية التشغيل في منظومات الأسلحة”؛ وفيه استعرض تعريف منظومات الأسلحة الفتّاكة ذاتية التشغيل، وأنواعها، وتطوُّر استخداماتها، وخصائصها، وتأثيرها على مستقبل النزاعات المسلّحة.
أمّا الباب الأوّل، فقسّمه الباحثُ إلى فصلين، أوّلهُما بعنوان “اختبار قابلية امتثال منظومات الأسلحة ذاتية التشغيل للمبادئ الأساسية للقانون الدولي الإنساني”؛ وناقش الباحثُ فيه المبادئ التي تبيح استخدام طرق ووسائل الحرب، وتلك التي تحظر وتُقيّد استعمال وسائل وأساليب القتال. في حين خصّص الفصل الثاني “امتثال الأسلحة ذاتية التشغيل لقواعد ومبادئ القانون الدولي لحقوق الإنسان” لمناقشة ضوابط استخدام القوة في عمليات إنفاذ القانون، وأثر عمليات القتل المستهدف باستخدام الطائرات المسيّرة، فضلا عن نقاط أخرى كثيرة.
وفي الباب الثاني “نحو حظر وتقييد تطوير واستخدام منظومات الأسلحة ذاتية التشغيل”، تناول المؤلّف الكثير من القضايا، أبرزُها تحدّي الحفاظ على التحكُّم البشري الهادف والمسؤول، والإطار المعياري والتشغيلي لحظر وتقييد منظومات الأسلحة ذاتية التشغيل، وجهود المجتمع الدولي لحظر وتقييد منظومات الأسلحة الفتّاكة ذاتية التشغيل، وتحديات وفرص حظر تقييد منظومات الأسلحة ذاتية التشغيل.
يُشار إلى أنّ الدكتور إسحاق العشعاش، مؤلّف الكتاب، باحثٌ جزائريٌّ مختصٌّ في القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، وقانون التكنولوجيات الناشئة.
