BBC العربية
استغل المرشحُ الجمهوري في انتخابات الرئاسة الأمريكية دونالد ترامب فرصةَ الظهور، قبل بضع أسابيع من الاقتراع، على إحدى الفضائيات في الشرق الأوسط الممولة سعوديا لكسب ود الأوساط العربية.
وأعاد ترامب التأكيد على وعوده السابقة بأنه في حال فوزه سيعمل جاهداً على إنهاء “كل أزمة دولية خلقتها الإدارة الأمريكية الحالية”، لكنه أيضاً سجل موقفا رافضاً للسياسات المشجعة للعبور الجنسي.
حديث ترامب عن العبور الجنسي أتي ضمن إجابة على سؤال للمذيعة حول رأيه المتعلق بقضية العابرين جنسياً مقارنة بالحزب الديمقراطي، إذ قال: “أنا لا أحب ذلك أيضاً لكن اليسار الراديكالي منخرطٌ تماما في ذلك”.
موقف ترامب يبدو منسجماً مع قطاع من المسلمين ممن يحبذون ترسيخ المفهوم النمطي للأسرة، وهو ما يتشابه مع مواقف قطاعات محافظة في المجتمع الأمريكي عادة ما تصوت للحزب الجمهوري ذي الأجندة المحافظة اجتماعياً.
وكان ترامب قد أثار غضب قطاع من المسلمين وغيرهم عندما وقع على مرسوم رئاسي قبل 8 سنوات يضع قيوداً صارمة على دخول مواطني دول إسلامية إلى الولايات المتحدة.
ترامب ومجتمع الميم-عين
في عام 2016 توجه ترامب لمجتمع الميم في تغريدة وكتب “شكراً لمجتمع المثليين! سأقاتل من أجلكم بينما تجلب هيلاري كلينتون [المنافسة الديمقراطيى آنذاك] المزيد من الأشخاص الذين يهددون حرياتكم ومعتقداتكم”. تغريدة ترامب لاقت ردود فعل متباينة.
يقدر معهد ويليامز لدراسات القانون بجامعة كاليفورنيا أن هناك ما يقرب من واحد من بين كل ستة من الشباب الأمريكي بين 18 و24 عاماً من مجتمع الميم-عين.
بحسب بعض المنابر المدافعة عن حقوق المثليين الأمريكيين على غرار “هيومين رايتس كامبين”، فإن الأشخاص الذين تم تحديدهم من مجتمع الميم-عين شكلوا ما نسبته واحد من كل عشرة أشخاص ممن لهم حق للتصويت خلال انتخابات التجديد النصفي عام 2022.
أما مؤسسة غالوب فقد ذكرت في مسح لها قبل انتخابات 2024 أن أفراد الميم-عين يشكلون نحو7.6 ٪ من إجمالي الناخبين موضحة نموهم المطرد مقارنة بـ 5.6 % في 2020 و3.5% في 2012. وتقول إن 6.8% رفضوا الإفصاح عن هويتهم الجندرية.
وتوضح غالوب أن الزيادة المتوقعة في صفوف الميم-عين في العقد القادم هي من خلال جيلي الألفية وزاد Z، التي بدأت بالوصول لعتبة البلوغ.
واقع حياة مجتمع الميم-عين في الولايات المتحدة بين الماضي والحاضر
شكل وصول باراك أوباما إلى البيت الأبيض علامة فارقة في تاريخ حركة الدفاع عن المثليين والعابرين جنسياً، إذ رحب بقرار المحكمة العليا بقانونية زواج المثليين.
كما ألغى الرئيس حظراً على خدمة المثليين في الجيش إذا ما أفصحوا عن ميولهم الجنسية، وهو الحظر الذي يعود لعصر سلفه الديمقراطي الرئيس بيل كلينتون الذي قام حتى بتقييد تعريف الزواج في الدستور إلى اتحاد بين رجل وامرأة فقط.
وكان مجتمع الميم-عين في الولايات المتحدة قد بدأ نضاله منذ 1950 على أمل أن يحظى في البداية بقبول في المجتمع الأمريكي وعلى دعم ضد العنف والتمييز بحقه على أساس الهوية الجندرية وضد ملاحقات الشرطة لأفراده. لكن توالت نكساته وفي 1969 وعلى إثر موجة احتجاجات بسبب مداهمة أمنية لأحد الفنادق في نيويورك تحول ذلك النضال لحركة دفاع عن الحقوق المدنية والمساواة.
فقد كان يتم تسريح أفراد مجتمع الميم-عين من الجيش والمناصب الفيدرالية متى يتم كشف هويتهم الجنسية، كما حرموا من المشاركة في المنافسات الرياضية. كذلك تم ادراجهم في الدليل التشخيصي الذي تصدره الجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين بوصفهم يعانون من اضطرابات ذهنية وهو ما استمر حتى 1973.
ويُنظر للولايات المتحدة على أنها إحدى آخر دول العالم المتقدم في منح المثليين حقوقاً. وانتظر هؤلاء حتى عام 2003، كي تلغي المحكمة العليا قوانين تجريم المثلية في جميع الولايات الخمسين. وفي 2004، صدر أول ترخيص لزواج المثليين، في ولاية ماساتشوستس.
سار الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن ونائبتُه كامالا هاريس على خطى الحقبة الأوبامية، ما أثار استقطاباً سياسياً.
وصدر عنهما في 17 أيار/مايو 2021 “مستند حقائق” أكدا فيه على التزام إدارة بايدن وهاريس بالعمل على النهوض بحقوق إنسان مجتمع الميم-عين في الولايات المتحدة ومكافحة عدم التمييز بحقه وحماية أي لاجئ وطالب لجوء في وضع هش بسبب ميولهم الجنسية.
أما الجمهوريون فلم يخرج من بينهم فريق كبير يبدي حماسة أو قابلية عالية إزاء قضايا أفراد مجتمع الميم-عين.
وبحسب ملاحظات المراقبين كما تم رصدها في تقرير لمعهد ويليامز لدراسات القانون بجامعة كاليفورنيا، ثمة نفور متأصل بين المفاهيم المثلية والمدرسة الفكرية للجمهوريين.
ويعتبر جورج بوش الابن من أشهر الرؤساء الأمريكيين الذين عارضوا زواج المثليين جنسياً وأعربوا عن عدم رضاهم لدى صدور حكم محكمة ولاية ماساشوستس المؤيد لزواج مثليي الجنس في 2004. لكن بعد أن اعتزل العمل السياسي، أعربت زوجته لورا عن دعمها لزواج المثليين في مقابلة تلفزيونية، وسجلت ابنته باربرا مقطع فيديو داعم للزواج المثلي وحتى والده، الرئيس بوش الأب، مثل كشاهدٍ في زواج ثنائي مثلي.
خيارات تصويت مجتمع الميم-عين الأمريكي
تشير أرقام انتخابات 2020 في الولايات المتحدة الصادرة عن معهد ويليامز إلى أن من بين نحو 9 ملايين ناخب استحقوا التصويت من مجتمع الميم-عين آنذاك، فإن (50%) اظهروا تأييدا للديمقراطيين، و15% للجمهوريين، بينما أيد 22% مرشحين مستقلين، و13% مالوا في المقابل إلى التصويت لحزب ثالث غير الحزبين السياسيين المعاصرين الرئيسيين في الولايات المتحدة.
وبحسب مركز “بيو” للدراسات فإن انتخابات عام 2020 شهدت استمرارية في منوال تصويت المجموعات الرئيسية على غرار الناخبين الأمريكيين السود أو من هم من أصول أسيوية الذين ظلوا على ولائهم للحزب الديمقراطي.
بالإضافة لحصص كل من ترامب وبايدن من داخل تحالفاتهما الحزبية، هناك مكاسب حققها بايدن في 2020 في الضواحي كما اكتسب حضوراً لدى بعض المجموعات العرقية والفكرية والعقائدية مثل الملحدين واللاأدريين وجذب الكثير من أصوات العرب والمسلمين لصالحه.
وبالنسبة لترامب فقد جذب الناخبين البيض والبروتستانت الإنجيليين، وكذلك ارتفعت اسهمه بقوة بين جمهور النساء عن الرجال، ونجح أيضاً في أن يزيد من حصته من أصوات الناخبين الريفيين وتمسك بالناخبين من أصل لاتيني.
أما الناخبون من الجيل Z والألفية فقد فضلوا بايدن بهامش وصل حوالي 20 نقطة على ترامب الذي أنصرف عنه نشطاء المناخ بدورهم لدعم الحزب الديمقراطي.
لكن ماذا عن مجتمع الميم-عين في 2024؟
حقوق مجتمع الميم في الولايات المتحدة هل يمكن نزعها؟
ضمن بيانات نشرتها منصة “غلااد” التي تدافع عن حقوق المثليين الأمريكيين، فإن ناخبي مجتمع الميم-عين حريصون على المشاركة في انتخابات نوفمبر/ نشرين الثاني 2024، وهم في وضع يسمح لهم بأن يكونوا كتلة انتخابية مؤثرة في الولايات المتأرجحة التي شهدت منافسة متقاربة في 2020، على حد زعمها.
على ذلك يعلق عاطف عبد الجواد خبيرُ الشؤون الأمريكية قائلا لبي بي سي عربي إن جيل الشباب إجمالاً كان جسر العبور لبايدن للبيت الأبيض في 2020 وإنه كان وقود التغيير بمشاركته الديناميكية آنذاك، مشيرا إلى أن أنصار مجتمع الميم-عين موجودون في أغلبهم في معسكر الشباب.
وأوضح عبد الجواد أن مجتمع الميم-عين فئةٌ يزيد ثقلها وتكتسب أهمية في الولايات المتأرجحة حيث تحتدم المنافسة على كسب الأصوات وبالتالي ويمكن أن يحدثوا فرقًا في النتيجة إذا أفرغت ما في جعبتها وتابع “لها تأثير محسوس… علينا الاعتراف بذلك برغم أعدادهم الصغيرة نسبياً لا سيما وأنه وبسبب نظام المجمع الانتخابي ودوره في اختيار الرئيس فإنه يمكن لأعداد صغيرة من الناخبين الإسهام في فوز مرشح ما في الولايات المتأرجحة”.
وعن الانتماء السياسي لهذه الفئة، رد بأنه ليس هناك خط روتيني واضح لكنها في معظمها تلتقط الرسائل ممن يظهر لها قدرة على استيعاب التجديد والتفاعل مع العصرنة والتعايش في ظل سياسات اليسار الديمقراطي الليبرالي ويكون الأمل بالنسبة لها دوماً في وجود رئيس وأغلبية في مجلس النواب من تلك الخلفية للتعويل عليه في عدم الإضرار بمصالحها.
وأضاف أن غالبية كتلتها التصويتية قد تحبذ ذلك الخيار برغم وجود مواقف مختلفة. وعن تلك النسبة المحدودة التي خالفت التوقعات بتفضيلها ترامب في تصويتها عام 2020 قال الأستاذ عبد الجواد إن الأمر مربكٌ نوعاً ما.
“برغم أن الشغل الشاغل لأعضاء الميم-عين هو واقعهم وخصوصية قضيتهم، لكن أحياناً عندما يصوتون، يصبح الأمر معقداً موضحا أنه يمكن للقضايا الاقتصادية التقليدية أن تشغلهم وتحفزهم مثل أي ناخب آخر إذ لا تزال السياسات الاقتصادية هي المحرك الرئيسي للعديد من الناخبين”.