/العمانية/
عمّان، في 3 أبريل/العُمانية/يتضمن
كتاب “أطياف وأحلام” للناقد السينمائي ناجح حسن دراسات ترصد تاريخ
السينما العربية وتعاين راهنها، مع التركيز على ما شهدته خلال السنوات الخمس
الأخيرة من حراك نشط على صعيد الكمّ الإنتاجي، والاستثمار في مجالات التوزيع
وتشييد صالات العرض الحديثة، التي بدأت في الانتشار على أنقاض دور السينما الشعبية
في العديد من الدول بما يتلاءم مع شروط تقنيات العرض السائدة في العالم.
ويؤشر المؤلف في كتابه الصادر عن
“الآن ناشرون وموزعون” (2023) على الأسباب التي قادت إلى تسارع التحولات
السينمائيّة العربيّة، وأبرزها تنامي القوة التكنولوجيّة لوظيفة كاميرا الفيديو
الرقميّة، وشروع مجموعةٍ من الشباب في اختيار صناعة الأفلام باعتبارها فرصة عمل
لهم، بحيث نجح بعضهم في صوغ الكثير من الأفكار والرؤى، وعرض قصصهم وحكاياتهم
المستمدة من موروثهم وواقعهم في أعمال لافتة، بعد نجاحهم في الحصول على إمكانات
تمويليّة.
ويرى حسن أن ثمّة الكثير من التشابه في
حالات الصناعة السينمائيّة العربيّة، التي جرّبت فيها بلدان ظلّت مغيّبة لسنواتٍ
طويلةٍ عن المشهد السينمائيّ، لكنها غدت اليوم تتصدر المشهد بإنجازات وطموحات
كبيرة؛ وأوجدت لهذه الغاية الكثير من المشروعات لنشر كيفيّة صناعة الأفلام، فضلًا
عن التثقيف والتنشيط بالمعرفة السينمائيّة من جهة تنظيم مهرجانات ذات صبغة
إقليميّة ودوليّة، كما في بلدان الخليج (سلطنة عُمان ودولة الإمارات ودولة قطر)،
أو من جهة بروز أسماء شابّة قدّمت أفلامًا جالت في مهرجانات عالميّة كحال السينما
الأردنيّة وهي تعكس وقائع إنسانيّة تغوص في بيئة مغايرة لأنماط السينما السائدة،
من مثل ما قدمه محي الدين قندور في فيلم “الشراكسة”، وأمين مطالقة في
“كابتن أبو رائد”.
ويوضح المؤلف أن هذا التحول في صناعة
الفيلم عربيًّا يتجسد في لائحة من الأفلام قدّمتها أسماء راسخة وشابة من بلدان
عربية عدة وإن تباطأ بعضها في هذا المجال (مثل السودان والكويت واليمن).
وبحسب المؤلف، عاينت الكاميرا السينمائيّة
في سوريا ولبنان جوانب عديدة في العلاقة الملتبسة لأفراد وجماعات، جمعتهم سنوات
الحروب العربيّة الإسرائيليّة أو الحرب الأهليّة في لبنان، من دون أن تغفل الشأن
الذاتي في غمار الدوران اليوميّ للفرد داخل بيئته المحليّة. ويرى أن هذا الانتعاش
قُدّم في الأفلام السورية الثلاثة: “مطر أيلول” لعبد اللطيف عبد الحميد،
و”آخر مرة” لجود سعيد، و”دمشق مع حبي” لمحمد عبد العزيز، وفي
الفيلمين اللبنانيين: “شتّي يا دني” لـبهيج حجيج، و”طلقة
طايشة” لـجورج هاشم.
وفيما يخص السينما المصرية، يرى المؤلف أن
النموذج الذي كانت تقدمه منذ عقود ما يزال يهيمن على عروض الصالات المحليّة،
مبينًا أن هناك أفلامًا مصريّة مغايرة تدور في دائرة مغلقة من التهميش والنسيان،
وتواجه الصدّ من روّاد السينما والقائمين على المؤسسات الإنتاجيّة التي تتبع
القطاع الخاص.
وفي جانب آخر من خريطة المشهد السينمائيّ
العربيّ، يشير حسن إلى عودة قوية للسينما الجزائريّة وفّرتها أعمال مخرجين يعملون
في إطار الفيلم الجزائريّ المحليّ والعالميّ، على غرار مرزاق علواش في فيلم
“حراقة”، وعبد الكريم بهلول في فيلم “رحلة إلى الجزائر”،
وأحمد راشدي في فيلم “مصطفى بولعيد”.
أما في تونس، فيرى المؤلف أن هناك مخرجين
من أصحاب الشهرة غزت أسماؤهم الآفاق العالميّة ما تزال أعمالهم الجديدة متعثرة الإنجاز،
كما في حالة رضا الباهي صاحب “شمس الضباع” و”صندوق عجب”، وعبد
اللطيف بن عمار صاحب “سجنان” و”حكاية بسيطة كهذه”، والذي
تمكّن أخيرا من إنجاز فيلمه “النخيل الجريح” بعد طول انتظار عبر بوابة
الإنتاج المشترك مع السينما الجزائرية.
ويوضح أن عقبات التمويل في هذا المجال يتم
تجاوزها من خلال أساليب إنتاجيّة ضمن إمكانات متاحة من المِنح والتمويل المشترك مع
مؤسسات وقنوات تلفزيونيّة ومراكز ثقافيّة أوروبيّة، شجعت أسماء في السينما
التونسيّة على تقديم أعمال لافتة.
وفيما يتصل بالسينما المغربية، يؤكد ناجح
حسن أنها حافظت على مستوى من الإنجاز الكمّيّ والنضج الإبداعيّ المبشّر، بحيث عادت
أسماء الروّاد إلى ساحات العمل السينمائيّ في أفلام طافت في ملتقيات سينمائيّة
وحازت ثناء النقاد كما في أعمال أحمد المعنوني، وجيلالي فرحاتي، ومحمد إسماعيل.
أما الأفلام الفلسطينيّة الطويلة العائدة
للمخرجين والمخرجات، أمثال إيليا سليمان “الزمن المتبقي”، وميشيل خليفي
“الزنديق”، ونجوى نجار “المرّ والرّمان”، وآن ماري جاسر
“ملح هذا البحر”، فجاءت بحسب قراءة الناقد ناجح حسن مسلحة بدوافع
إنسانية تجاه التمسك بالحق الفلسطينيّ الذي كفلته الشرائع الدوليّة، في التفاتة
إلى هموم وتطلعات فرديّة إلى التصالح مع الذات داخل واقع قاسٍ بأطواق من التقاليد
السائدة وممارسات الاحتلال.
وهناك، بحسب الباحث، محاولات خجولة في صنع
أفلام عُمانيّة، مثل “البوم” لخالد الزدجالي، وأفلام يمنيّة مثل
“يوم جديد في صنعاء القديمة” لبدر الحرسي، وموريتانيّة مثل
“بانتظار السعادة” لعبد الرحمن سيساكو، وإماراتيّة مثل “حنّة”
لصالح كرامة، و”المريد” لنجوم الغانم، و”دار الحي” لعلي
مصطفى، وقد عملت هذه الأفلام في غالبيتها على رفع شأن البيئة المحلية وخصوصيّة
هويتها الثقافية والجمالية.
/العُمانية/النشرة الثقافية /طلال
المعمري