/العمانية/
مسقط في 8 يوليو /العُمانية/ تحتفل سلطنة عُمان غدًا مع نظيراتها من الدول الإسلامية، بأول أيام عيد الأضحى المبارك، في صوره الاستثنائية هذا العام وبوهج مغاير بعد عامين من الإجراءات الاحترازية جراء جائحة (كوفيد 19).
وتشكل الاحتفالات في سلطنة عُمان بهذه المناسبة واقعا نوعيًّا للتواصل الإنساني الاجتماعي المتميز بدءا من اليوم الأول لشهر ذي الحجة المبارك، والاستعداد المبكر (للهبطات) في كل المحافظات والولايات العُمانية، حيث تتفرد في ماهيتها وما تقدمه من احتياجات أساسية للبيت العُماني من مستلزمات متعددة، تمتزج بفرحة الأطفال الغامرة، وشغف الآباء وهم يقتنون ما يجمّل أسرهم ومحيطهم العائلي.
ومع اقتراب يوم العيد تعلو أصوات العازي والهبوت والرواح وهذا ما اعتاد عليه أغلب محافظات سلطنة عُمان، وللنشيد بهجته وللكلمة حضورها فينشد الشعراء أجزل قصائدهم وهم يتغنون بالرزحة العُمانية مع بيان “الندبة” والعيالة والرزفة الحماسية وما يصاحبها من فنون عُمانية مغناة تليق بالمناسبة العظيمة.
ومنذ الساعات الأولى لليوم العاشر من ذي الحجة اليوم الأول لعيد الاضحى المبارك، فإن الاستعداد الروحي هو المكمل لتجمع الأهالي في أغلب مناطق وولايات سلطنة عُمان عند الذهاب لتأدية صلاة العيد، تقربا لله، وامتثالا لأوامره ثم تتلوه الخطوة الثانية التي تتجسد في التقرب إليه بأضحية مباركة من الأنعام وهي سنة مباركة يؤديها المسلم العاقل البالغ.
وتتوالى مظاهر الاحتفاء بالعيد المبارك، وتتنوع الأكلات العمانية الفريدة بين الحلوى العُمانية، والمظبي، والشواء (التنور)، والمحمس، أو ما يطلق عليه بـ(المصلي) في بعض ولايات سلطنة عُمان، وغيرها الكثير مما يجمّل (الفوالة) العمانية.
فالمكوّن الديني والروحي لعيد الأضحى المبارك يأتي متوائما مع التفاعل الاجتماعي الذي يرتكز على أساس نسيج تتسق مفاهيمه وأهدافه الواعية، وفي هذا السياق يقول الدكتور إسماعيل بن ناصر العوفي من وزارة الأوقاف والشؤون الدينية: يأتي عيد الأضحى المبارك كفاتحة خير للتقارب والاحتفال العام والتواصل والتزاور بعد أن رفعت تلك القيود الاحترازية؛ ليعودوا إلى ما كانوا عليه قبل الجائحة مِنَ الحياة الطبيعية التي تملؤها الفرحة والسرور، والبهجة والحبور، عند ذلك لا يجد الإنسان قلبه إلا متوجها بالحمد لله على رفعِه البلاء، ولسانَه منطلقا بالشكر لله والثناء عليه.
ويضيف قائلا: من فضل الله على عباده أن يتقدم يوم عيد الأضحى أيام مباركة، وهي عشر ذي الحجة التي جعلها الله أيام ذِكْرٍ على ما أنعم وأولى، وفي هذا يقول ربنا تبارك وتعالى: (ليذكروا اسم الله في أيام معلومات) والأيام المعلومات هي عشر ذي الحجة التي يقول النبي صلى الله عليه وسلم في شأنها: (ما مِن أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر) ومُحْرِزُ السبق في هذه الأيام مَن أكثر مِن عمل الصالحات وأتقنَ عملَه كما يحب الله ورسوله.
وفي السياق ذاته يقول الباحث في الشأن الاجتماعي والثقافي صالح بن سليمان الفارسي: من العادات العُمانية التي رسخت الثقافة المجتمعية منذ القدم خلال عيد الأضحى المبارك، “هبطات العيد”، وتتجلى في هذه المناسبة قيم اجتماعية وسمات اقتصادية عديدة، ومُختلفة من ولاية إلى أخرى، حيث تقام في أيام مُتتالية؛ بهدف زيادة النشاط والحركة الاقتصادية في جميع الأسواق، وتكون أكثر نشاطًا في عيد الأضحى المُبارك، ولا تزهُو إلا ببهجة الأطفال ومرحهم، بشراء ما لذّ وطاب من ألعاب وقشّاط وحلويات.
وأشار إلى أن العادة جرت بعد الانتهاء من شعائر صلاة العيد، أن يخرُج الجميع من المصلى في مسيرة، مشيًا على الأقدام، وصولاٍ إلى مكان التجمع الأخير بعد الصلاة، ما يُعزِّز القيم الاجتماعية والعلاقات الإنسانية أيضًا.
ويوضح: لا تزال بعض الولايات والقرى تحافظ على إطلاق المدفع مع وصول المسير إلى مكان التجمع ترحيبًا بالمشاركين، وأن تَصْحَب تلك المسيرة الأخوية فرقُ الفنون الشعبية، ولها في ذلك تنظيمٌ وعُرف يُنظِّم سيرها وموقع تواجدها؛ فبعض هذه الفرق تكون في مقدمة المسيرة والأخرى في نهايتها.
ولا تكتمل بهجة العيد عند الأطفال إلا بحضور سوق “العيود” ويقام قديما في الأسواق عادة، وفي الفترة الحالية تعددت أماكن إقامته، فيبتهج المكان بفرح الكبار وابتسامات الصغار؛ المتحلقين حول الباعة بخناجرهم و(حزقانهم) المشعة بالأمل والفرح. وتعرض في العيود الألعاب بمختلف أشكالها، إضافة إلى القشّاط بألوانه المبهجة، والمكسرات بأنواعها.
وفي الإطار ذاته تقول المواطنة منى بنت سيف الفهدية: ندرك أن العيد من أقرب الأيام إلى قلب الإنسان، فهو حقيقة الفرح والسرور، الذي يستوطن أرواح الكبار والصغار، وأما الصغار فهُمْ الأكثر تعلقا بالعيد لما فيه من بهجة وسرور، مع تجمع الأهل والأقارب على موائد الوئام.
وتضيف: بهجة العيد هي الحاضرة منذ بدء اليوم الأول، حيث تستقبل البيوت المهنئين للسلام وتبادل التهاني والتبريكات، مع تناول القهوة العمانية، بعد عامين من الأجواء الاحترازية مع شيء من الحذر والأخذ بالاحتياطات الصحية.
ويقول المواطن رجب بن حثيث السعدي: للعيد في سلطنة عُمان تقاليده المجتمعية وطقوسه المرتكزة على الدين الحنيف، ومظاهره لدينا متعددة، فيتجلى التآلف والالتفاف المجتمعي والتقارب الأسري، وتبقى وجبة “العرسية” هي التي تجمعنا في أول أيام العيد مع تبادل التهاني والتبريكات، وإقامة الاحتفالات الشعبية في كل ولاية من ولايات السلطنة، ناهيك عن تنوع وجبات العيد المبارك بين المشاكيك والمضبي والشواء.
ويضيف: هذه الأيام فرصة للتواصل بين الناس والالتقاء ببعضهم، فتكثر اللقاءات بعد غياب وتتعدد التجمعات التي باعدتها الارتباطات يسودها جو من الألفة والمودة، وما عهدناه أن ينسى الناس خلافاتهم ويتركون القطيعة سواء كانت عن قصد أو بسبب ظروف معينة، كبعد المسافات، فالعيد بداية لفتح صفحات جديدة يسطر الناس من خلالها المحبة والتسامح وكل ما يبهج النفس ويديم التواصل بينهم.
/العُمانية/
خميس الصلتي