/العمانية/
الدكتور
زياد الزعبي يرصد تحولات المصطلح في ضوء المثاقفة
عمّان
في 11 ديسمبر / العمانية / يقدم الدكتور زياد الزعبي، في إصداره الأخير
“المثاقفة وتحولات المصطلح” قراءة لمصطلحات نقدية عربية تَولّد معظمها
أو تَشكّل في سياق عمليات المثاقفة الواسعة والعميقة بين الإرث اليوناني بخاصة،
والثقافة العربية (عصر ازدهارها القرنين الثالث والرابع للهجرة).
ويرى
الزعبي في كتابه الصادر عن “الآن ناشرون وموزعون” أن هذين القرنين شَهِدا
أكبر عمليات المثاقفة بالتاريخ الثقافي الإنساني، وأن هذه العمليات تمّت عبر
الاتصال المباشر بين الثقافة العربية الإسلامية التي كانت توطّد دعائم سيادتها
العالم القديم، والإرث الثقافي اليوناني بكل عناصره التي حضرت إمّا بصيغها وصورها
الأصلية، أو عبر تجلياتها وتحولاتها صورتها الهلنستية.
ويشير
المؤلف إلى أن العرب وجّهوا اهتماماً فائقاً بالعلم والمعرفة استجابةً لدوافع
أيديولوجية وبراغماتية، وكانت حركة الترجمة الضخمة المنظمة التي بدأت منذ العصر
الأموي وازدهرت خلال القرنين الثالث والرابع للهجرة، تجسيداً عمليّاً لهذا
الاهتمام الذي أسّس لحضارة لها طوابعها وملامحها الخاصة، هي الحضارة العربية
الإسلامية التي تمثل إحدى أهم الحلقات المؤثرة بالمسيرة الإنسانية وشكّلت مصدرَ
تأثير كبيراً بالثقافات التالية.
ويقدم
الزعبي قراءة لبعض مظاهر عمليات التثاقف بين الحضارتين (حقل المصطلح النقدي)، وهي
قراءة تجاوز الوقوف على تأثير السابق باللاحق إلى رؤية النتائج المترتبة على عملية
المثاقفة بينهما، إذ أدت عملية التفاعل في كثير من الأحيان إلى توليد مصطلحات
نقدية تغادر مصدرها من دون أن تنقطع عنه، لتحل بسياق ثقافي آخر مكتسبةً ملامحه
وسماته، وحاملةً دلالات جديدة أو محوَّرة تتشكل استناداً إلى مبدأ التحولات الذي
يحكم طرفَي عملية التفاعل. وانطلاقاً من هذا التصور جاءت قراءة المصطلحات التي
يضمها هذا الكتاب، لا لتؤشر على مصدرها فحسب -إن كان لها مصدر محدد- بل لتعالج
صورها ودلالاتها وسياقاتها الجديدة أيضاً.
ويتضمن
الكتاب قراءة استقصائية لبعض مظاهر التثاقف (مجال المصطلح النقدي)، بدءاً بأصوله،
ومروراً بمسارب انتقاله إلى ثقافة أخرى، ووصولاً إلى حضوره وتجلياته وتحولاته
ومدلولاته هذه الثقافة. ويقدم المؤلف قراءة للمصطلح رحلته وسياقاته الثقافية
المختلفة، لأن المصطلح يرتدي السياق الثقافي الذي يحلّ فيه أردية جديدة تجعله، على
نحو ما، يفارق صورته الأصلية الأولى؛ ليأخذ صورة لغوية جديدة، ويحمل، الغالب،
دلالات جديدة؛ محوَّرة أو محوَّلة أو مولَّدة؛ لأن الكلمة -المصطلح- حين تحل سياق
ثقافي لغوي جديد تشرع حمل إيحاءات ودلالات وترابطات مختلفة عن تلك التي كانت
تحملها سياقها الأول.
ويورِّد
الزعبي أمثلة على ذلك، من بينها مصطلح “المحاكاة” (mimesis) الأرسطي المرتبط بالشعر
المسرحي، إذ أصبح السياق الثقافي العربي ذا دلالات بلاغية، كما وُضع مقابل مصطلح (metaphora) غيرُ واحد من المصطلحات
العربية التي رأى المترجمون أو الشارحون أنها تقابله مثل: التغيير، والتأدية،
والنقل، والمجاز، والاستعارة. ومقابل مصطلح (eidos) وُضع مصطلح “الصورة”
و”المثال”. وظهرت مصطلحات أخرى كثيرة بفعل عمليات المثاقفة مثل:
التخييل، والتمثيل، والتعجيب، والإحالة.
ويتضمن
الكتاب دراسات من بينها: “من الصفر إلى الشيفرة: المثاقفة وتحولات
المصطلح”، ناقشت مصطلح المثاقفة وتحولاته، والمترجم في التراث، وردة الفعل
على المصطلحات الغربية، وغيرها من الموضوعات المتصلة بذلك. وكذلك دراسة بعنوان
“الفلاسفة المسلمون وفن الشعر الأرسطي في دراسات المستشرقين الألمان”،
وثالثة بعنوان “مصطلح الإحالة عند حازم القرطاجني.. النشأة التاريخية
والتجليات الراهنة”، ورابعة عن “التعجيب عند ابن سينا”، وخامسة
تتناول “بنية التمثيل وفاعلية التخييل في القرآن الكريم”.
وتكشف
الدراسات التي ضمّها هذا الكتاب سعيَ الباحث إلى المشاركة في جهود تقرأ الفكر
النقدي والمصطلحي عند العرب قراءةً مترتبة على إدراك أنّ تَشكُّلَ الفكر الإنساني
مسألة لا ترتبط بلغة أو ثقافة بعينها، بل هي عمل يتشكل عبر سلسلة من عمليات
التثاقف والتمثل والتبني والتحولات والرؤى والمفاهيم التي يفرضها منطق الثقافة
المستقبلة.
/العُمانية/ النشرة الثقافية /طلال المعمري