BBC العربية
- جيسيكا باركر وتوبي لوكهورست وسارة مونيتا
- بي بي سي نيوز- لندن وبروكسل
إنها فضيحة الفساد التي فاحت روائحها في أروقة الاتحاد الأوروبي.
تم ضبط حقائب سفر مليئة باليوروهات في شقق بالعاصمة البلجيكية بروكسل. ويمكث عدد من النواب في البرلمان الأوروبي خلف القضبان، في انتظار محاكمتهم.
وتدور الآن معارك بين محققين بلجيكيين وقضاة إيطاليين، بخصوص تسليم المجرمين. إذ يواجه أندريا كوزولينو، النائب في البرلمان الأوروبي عن جنوب إيطاليا منذ عام 2009، تهما بتلقي رشاوى من دول أجنبية مقابل التأثير على صنع القرار السياسي داخل البرلمان الأوروبي، وهي مزاعم ينفيها كوزولينو.
و كوزولينو هو واحد من أربعة نواب حاليين وسابقين في البرلمان الأوروبي، وفقا لما خلُصت إليه تحقيقات ما تعرف إعلاميا بفضيحة قطرغيت، التي تتمحور حول مزاعم بأن قطر والمغرب دفعتا لمجموعة، مقرها بروكسل، للتأثير على مشرعي الاتحاد الأوروبي.
وقد نفت قطر بشدة ارتكاب أي مخالفات، بينما رد المغرب على ما وصفه بـ”المضايقات القضائية” و”الهجمات الإعلامية”.
وسيقررالقضاة، في 11 أبريل / نيسان، ما إذا كان السيد كوزولينو البالغ من العمر 60 عاما، سيترك الإقامة الجبرية في مدينة نابولي بجنوب إيطاليا، لنقله إلى سجن بلجيكي بموجب مذكرة توقيف أوروبية.
بيد أن محاميه قال لبي بي سي إن المدعين يحاولون “معرفة ما إذا كان “سيكشف عن معلومات”. كما أنه سيطالب بمزيد من التفاصيل، حول المزاعم ضد كوزولينو، وكذلك بتطمينات بأن صحة موكله لن تتدهور داخل السجن في بلجيكا.
مساعٍ لمقاومة قرار التسليم
وذكر تقرير برلماني في يناير/ كانون الثاني أنه يُشتبه في أن كوزولينو “يحمي مصالح دول أجنبية في البرلمان الأوروبي مقابل الحصول على مبالغ مالية”.
وقد أصدر المدعون، بعد أيام، مذكرة توقيف أوروبية بحق نواب في البرلمان الأوروبي. واحتجز كوزولينو، بموجبها، لفترة وجيزة قبل وضعه قيد الإقامة الجبرية.
لكن محاميه فيديريكو كونتي قال لبي بي سي إن المذكرة كانت “غامضة تماما ومتحيزة وتفتقر في بعض الأحيان إلى الشفافية”.
و أضاف قائلا: “أين حدث الفساد؟ متى؟ وبأي وسيلة؟ نقدا أم من خلال تحويلات مصرفية؟ من من؟ “.”إذا كان المدعي العام البلجيكي لديه دليل على أن السيد كوزولينو مذنب، فلماذا لا يظهرونه؟
كما قال المحامي كونتي” لدينا شكوك أنهم يعتقدون أن كوزولينو عندما يكون في السجن… سيكون أكثر ميلا للاعتراف أو لاتهام الآخرين”.
ومن المزمع أن يتخذ القضاة، في مدينة نابولي الإيطالية، قرارا بشأن إمكانية تسليم كوزولينو يوم الثلاثاء القادم، وقد أرجأوا حكمهم مرتين بالفعل، حيث إنهم ينتظرون الحصول على مزيد من المعلومات من قبل المدعين البلجيكيين
كما انتقد المحامي كونتي إدارة خدمات السجون البلجيكية، قائلا إن السجون مزدحمة، فضلا عن “تهالك و نقص المرافق”. ووفقا لكونتي سمح القضاة الإيطاليون للسيد كوزولينو بالبقاء في المنزل، لأنه يعاني من مشاكل صحية في القلب. ولا يعتقد كونتي أن موكله سيحصل على الرعاية المناسبة داخل سجن بلجيكي.
واستشهد المحامي بتقرير مجلس أوروبا الذي صدر عام 2022 والذي سلط الضوء على “الازدحام” والخدمات الصحية “التي من الواضح أنها غير كافية” داخل أربعة سجون بلجيكية، بعد أربع سنوات من مطالبة المجلس بلجيكا بتحسين ظروف السجناء، وبخاصة في الأوقات التي يضرب فيها موظفو السجن عن العمل.
لكن ألبرتو أليمانو، أستاذ قانون الاتحاد الأوروبي في جامعة أتش إي سي- باريس، رفض مزاعم كونتي، ووصفها بأنها “زائفة”. واتهمه كذلك “بالاستفادة من الوضع الصحي للسيد كوزولينو من أجل تشويه بطريقة ما… تحقيق صعب للغاية في جميع أنحاء أوروبا”، مضيفا أنه تكتيك لتأخر المحاكمة.
وقال لبي بي سي إن “(هذه المزاعم) تبدو مفيدة للغاية لتلبية المصلحة الشخصية لفرد يُشتبه في ارتكابه انتهاكات جسيمة ضد سيادة القانون”.
ووصف أليمانو أوامر الاعتقال الأوروبية بأنها مثال على العدالة الأوروبية، وقال إن محاولات كوزولينو الطعن عليها كانت “غير اعتيادية للغاية”، مضيفا أن التحقيق البلجيكي في مزاعم الفساد كان “دقيقا للغاية” حتى الآن، وأن السجون البلجيكية كانت أفضل مقارنة بغيرها في أوروبا.
كما قال ألبرتو أليمانو، أستاذ قانون الاتحاد الأوروبي في جامعة أتش إي سي- باريس: “(المدعون) يتبعون قواعد اللعبة، والتي تنبع أساسا من السوابق القضائية للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. يبدو أن السلطات البلجيكية تواجه تراجعا كبيرا من قبل النظام السياسي، والنظام المؤسسي، ومن قبل دول ثالثة، تعد مسرحا رئيسيا لأحداث هذه القضية .”
وقد أرسلت بي بي سي، بعيد حوارها مع المحامي فيديريكو كونتي، جميع هذه الادعاءات إلى مكتب المدعي العام في بلجيكا الذي يقود التحقيق. وقد رفض متحدث باسم المدعي العام التعليق لمرتين.
كما تواصلت بي بي سي مع إدارة خدمات السجون البلجيكية للتعليق لكنها لم تتلقَ ردا بعد.
ما فضيحة قطر غيت؟
بدأ التحقيق في ديسمبر/ كانون الأول الماضي عندما أُلقي القبض النائبة اليونانية في البرلمان الأوروبي، إيفا كايلي، مع ثلاثة آخرين للاشتباه في تورطهم في الفساد وغسيل الأموال. وتنفي كايلي تلك الاتهامات.
وذكرت مقالة نشرت في جريدة الفاينانشيال تايمز، في يوم اعتقالها، أن كايلي وضعت 300 ألف يورو (326 ألف دولار) في حقيبة سفر مع حفاضات وطعام أطفال لابنتها. ولا يُسمح الآن لطفلتها البالغة من العمر عامين بزيارة والدتها المسجونة، سوى مرتين في الشهر.
وقد صادرت الشرطة 1.5 مليون يورو نقدا، منذ بدء التحقيق خلال مداهمات في بلجيكا وإيطاليا وفرنسا.
ومنذ ذلك الحين، جرد البرلمان الأوروبي عضوين آخرين من أعضاء البرلمان الأوروبي من حصانتهما القانونية، وهما كوزولينو والسياسي البلجيكي، مارك تارابيلا، الذي ينفي كذلك ارتكاب أي مخالفات، وهو يقبع حاليا في سجن بلجيكي في انتظار المحاكمة.
ويعتقد المحققون أن شبكة إجرامية تلقت رشاوى من قطر والمغرب مقابل التأثير على صنع القرار السياسي داخل البرلمان الأوروبي في بروكسل.
ويُزعم أن نائب البرلمان الإيطالي السابق، بيير أنطونيو بانزيري، قاد تلك الشبكة. ووافق لاحقا على صفقة مع المدعين العامين، الذين وافقوا على الكشف عن كل شيء يتعلق بالمخطط، مقابل عقوبة مخففة بالسجن لمدة عام واحد.
كما تم إسقاط التهم الموجهة ضد زوجته وابنته كجزء من هذا الاتفاق، وانتقل بانزيري منذ ذلك الحين ليصبح قيد الإقامة الجبرية.
وقد اطلعت بي بي سي على نصوص مسربة من المقابلات التي أجراها المحققون مع أنطونيو بانزيري في فبراير/ شباط.
ووفقا لتلك الوثائق، أخبرهم السياسي السابق أن قطر تبرعت بمبلغ 250 ألف يورو لكل من السيد كوزولينو والسيدة كايلي من أجل حملتهما الانتخابية.
كما زعم بانزيري أن فرانشيسكو جيورجي، شريك السيدة كايلي الذي عمل كمساعد برلماني لكوزولينو، وزع الأموال القطرية.
ووفقا لتقارير، اعترف جيورجي بأنه كان بمثابة رجل الحقائب للشبكة. ويعرف جيورجي نفسه على صفحته في موقع لينكدين على أنه المؤسس المشارك للمنظمة غير الحكومية، “فايت إيمبيونيتي”، وهي مجموعة أنشأها بانزيري في عام 2019 لتعزيز حقوق الإنسان.
وتشارك “فايت إيمبيونيتي” مبنى مكاتب في بروكسل مع مجموعة أخرى تسمى “لا سلام بدون عدالة”. وقد اعتقل في البداية نيكولو فيجا تالامانكا، الأمين العام للمنظمة غير الحكومية الثانية، من قبل المحققين ولكن أطلق سراحه في فبراير / شباط. وقد نفى ارتكاب أي مخالفات.