BBC العربية
- فيروزة أكبريان وقاوون خاموش
- بي بي سي – الخدمة العالمية
قُبض على ما لا يقل عن 30 ألف شخص خلال الاحتجاجات المناهضة للحكومة في إيران منذ وفاة الشابة الكردية مهسا أميني بعدما دخلت في غيبوبة عقب اعتقالها من جانب شرطة الآداب بزعم مخالفتها لقواعد الحجاب.
وقد شن النظام الإيراني عقب تلك الأحداث حملة قمع جماعية وأعدم أربعة أشخاص على الأقل.
وبعد أن خفت وتيرة الاحتجاجات، أطلقت السلطات سراح 22 ألف شخص في ظروف مختلفة. لكن وعلى الرغم من ذلك لا يزال أكثر من 100 شخص محكوم عليهم بالإعدام أو متهمين بارتكاب جرائم يعاقب عليها بالإعدام.
تحدثت بي بي سي إلى عدد من المحامين الإيرانيين الذين على صلة بهذه القضايا. وحفاظا على سلامتهم تم تغيير جميع الأسماء وظلت بعض التفاصيل غامضة لتجنب تحديد هوياتهم.
العيش في ذعر وخوف
عمل أمين محاميا في إيران لأكثر من 15 عاما، وغالبا ما دافع عن ناشطين سياسيين بارزين، لذلك فهو ضليع في التعامل مع تهديدات السلطات.
لكن المحامي يقول إن الهاجس من أن يتم القبض عليه مرة أخرى من قبل جهاز المخابرات أو استخبارات الحرس الثوري الإسلامي يطارده باستمرار.
منذ عدة سنوات اعتقل أمين واستجوب أثناء الدفاع عن ناشط سياسي معروف في المحكمة. واتُهم بعد ذلك بالمشاركة في “دعاية ضد الدولة”.
يقول أمين: “كنت محتجزا في زنزانة معدة بشكل خاص لتعطي إضاءة محفزة وضوضاء. كان رد فعل جسدي الأول هو صداع شديد ودوار.. ثم بدأت بالتقيؤ”.
ويمضي للقول:”فقدت الإحساس بالزمان والمكان.. فقدت السيطرة على مثانتي وأمعائي.. لقد حقنوني بحقنة وأصبت بنوبة نقلوني بعدها إلى المستشفى”.
يقول إن الأمر استغرق عامين للتعافي والعودة لممارسة الحياة بشكل طبيعي. وسبق أن رفضت السلطات الإيرانية اتهامات أمين ووصفتها بـ “المزاعم الكاذبة”.
لكن مع اندلاع حركة الاحتجاجات التي تحمل شعار “المرأة، الحياة، الحرية” في الشوارع العام الماضي، اعتقلت السلطات عشرات الآلاف من الأشخاص، وأدرك أمين حينها أنه تتعين عليه المساعدة، على الرغم من معاناته المستمرة بسبب ما حصل معه سابقا.
دافع أمين عن أكثر من 10 متظاهرين في المحكمة. قال إن إحدى المتظاهرات أصيبت بكسر في إحدى عظامها أثناء استجوابها من قبل السلطات، مضيفا أنهم كانوا يحاولون “إجبارها على الاعتراف”.
لكن عندما بدأت تنزف، أخرجوها من مركز الاحتجاز في منتصف الليل وألقوا بها على جانب الطريق.
ويقول أمين: “التهديدات استمرت ولم نتمكن حتى من تقديم شكوى للسلطات المختصة عن تعرضها لكسر في إحدى عظامها”. ومنذ ذلك الحين أُسقطت جميع التهم الموجهة إلى موكلته.
يقول القضاء الإيراني إن كل مواطن لديه حق مكفول بالحصول على محاكمة عادلة. وتتهم المتظاهرين والمحامين الذين يمثلونهم بأنهم “تحركهم جهات أجنبية”.
قال جميع المحامين الذين تحدثوا إلى بي بي سي إن مضايقات الدولة لهم ولموكليهم اشتدت منذ بدء الاحتجاجات المناهضة للحكومة في سبتمبر/ أيلول الماضي.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، نظمت مجموعة كبيرة من المحامين مظاهرة خارج نقابة المحامين المركزية الإيرانية في طهران، احتجاجا على “الانتهاكات الجسيمة لحقوق المواطنين من قبل النظام الحاكم”.
وتقول منظمة حقوق الإنسان الإيرانية، وهي منظمة غير حكومية مقرها النرويج، إنه قد اعتُقل نحو 49 محاميا مستقلا على الأقل.
وقالت منظمة حقوق الإنسان الإيرانية في بيان: “هؤلاء محامون يتعرضون للمضايقات القضائية منذ سنوات … وهم ببساطة يؤدون عملهم”.
وفي مارس/ آذار الماضي ألغى القضاء الإيراني ترخيص المحامي البارز نعمت أحمدي، ومنعه بشكل دائم من مزاولة المهنة. وكان أحمدي قد فُصل بالفعل من وظيفته كأستاذ جامعي. ولم تُدلِ السلطات بأي تصريح أو شرح لأسباب المنع.
وكان محام آخر وهو مصطفى نيلي، قد اعتقل في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، في ذروة المظاهرات المناهضة للحكومة، بينما كان يستعد للسفر إلى مدينة أخرى لتمثيل العديد من المحتجين المسجونين وعائلات القتلى.
يحق للمدعى عليهم الحصول على تمثيل قانوني في إيران، ولكن عندما يُتهم شخص ما بـ “العداء لله” أو “الفساد في الأرض”، وكلا التهمتين يمكن أن تؤديا إلى عقوبة الإعدام، فلا يُسمح للمتهم باختيار محاميه.
وبدلا من ذلك تعين المحكمة محاميا من قائمة معتمدة من قبل مجلس القضاء. وهذا ينطبق أيضا على قضايا التجسس.
وتقول توكتام، وهي محامية منذ أكثر من عقدين، إنها شهدت مرارا وتكرارا أن القضاء يمر ببساطة على القضايا ويتخذ الإجراءات المتعجلة حتى يكون بالإمكان القول إنهم اتبعوا القواعد.
على عكس أولئك المدرجين في قائمة المحامين المعتمدين لدى الدولة، ظلت توكتام مستقلة، واستمرت تقدم المشورة المحايدة وغير المتحيزة لكل من يمكنها تمثيلهم، على الرغم ضعف احتمالات النجاح في تلك المنظومة.
تقول توكتام: “التهديد والاستدعاء من قبل المخابرات والاعتقال والسجن ليست سوى بعض التحديات.. ليس الأمر سهلا لأن المؤسسة والدولة يرونك خصمهم”.
وتقول إن الظروف المحيطة بالمحامين المستقلين تزداد سوءا: “الجو في المحاكم هذه الأيام يشبه العمل في مساحة قذرة مليئة بالعراقيل والصعوبات”.
وتمثل توكتام العديد من العملاء المتهمين بالمشاركة في الاحتجاجات، والذين قد يُحكم عليهم بالإعدام في نهاية المطاف.
بموجب النظام القانوني الإيراني عندما تصدر المحكمة حكما بالإعدام، يمكن إرساله إلى محكمة أعلى أو المحكمة العليا للاستئناف. وإذا صادقت المحكمة العليا على عقوبة الإعدام، فلا يزال من الممكن استئناف حكمها.
لكن توكتم تخشى تضييق هذه النافذة الصغيرة للطعن والاستئناف، خاصة وأنه قد تم بالفعل إعدام أربعة متظاهرين.
تقول منظمة حقوق الإنسان الإيرانية: “تستخدم جمهورية إيران الإسلامية عقوبة الإعدام كأداة للترهيب.. إن الارتفاع الملحوظ في عمليات الإعدام في أعقاب الاحتجاجات التي عمت البلاد دليل على ذلك”.
وقد قال جميع المحامين الذين تحدثنا إليهم إن هناك حالات قدم فيها القضاء نصيحة للمتهمين مفادها أن عدم وجود تمثيل قانوني مستقل سيفيدهم أكثر من التماس مشورة محام.
ويعد هذا رمزا أو إلماحا إلى أن بانتظارهم حكما أخف أو أقل شدة.
يقول مصدق وهو محام آخر: “النقطة الأساسية هي أن القاضي عادة ما يكون مواليا للنظام في هذه القضايا”.
ويضيف: “قيل لي في المحكمة الثورية بطهران عدة مرات أن وجود محام أو عدم وجوده لا يحدث فرقا في هذه القضايا”.
“في إحدى القضايا، أخبرني قاض أنني إذا أصريت على تمثيل هذا المتهم، فسينظرون في تطبيق أشد عقوبة عليه”.
لا تزال توكتام تأمل وإن بشكل مضاد لمفهوم الأمل، أنها من خلال إبلاغ المتظاهرين بحقوقهم أو تخفيف العقوبة عليهم، فإنها تستهدف النظام.
أما مصدق فيرى أنه: “من الأفضل أن يكون لديك محام على ألا يكون لديك محام على الإطلاق”.