BBC العربية
أيدت أعلى هيئة دستورية في فرنسا حكومة إيمانويل ماكرون، التي تتراجع شعبيتها، في قرارها رفع سن التقاعد في البلاد إلى 64 سنة مقابل السن الذي كان معمولا به من قبل عند 62 سنة.
ورفض المجلس الدستوري مطالبات المعارضة بإجراء استفتاء شعبي على القرار، لكنه ألغى بعض الإصلاحات بحجة انطوائها على خلل قانوني.
وخرجت احتجاجات لحوالي 12 يوما ضد إصلاحات التقاعد الفرنسية منذ يناير/ كانون الثاني الماضي.
وفي مارس/ آذار الماضي، استخدمت حكومة ماكرون صلاحيات دستورية خاصة لفرض التغييرات التي تستهدف إدخالها على نظام التقاعد في البلاد دون تصويت البرلمان.
ويرى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن تلك الإصلاحات ضرورية للحيلولة دون انهيار نظام التقاعد. كما دونت رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيث بورن الجمعة على حسابها على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، قائلة: “الليلة لا يوجد منتصر ولا مهزوم”.
وتعهد وزير العمل الفرنسي أوليفييه دوسوبت بتحسين معدلات التوظيف للفئة العمرية أكبر من 50 سنة في محاولة لتهدئة المخاوف حيال الآثار المالية التي قد تترتب على رفع سن التقاعد.
وكانت السلطات الفرنسية قد حظرت التظاهرات أمام مبنى المجلس الدستوري في باريس حتى صباح السبت، لكن حشود من المتظاهرين تجمعوا في مكان قريب من المجلس. كما قوبل الحكم الصادر من المجلس الدستوري بردود أفعال ساخرة.
وردد بعض المتظاهرين هتافات تشير إلى أنهم سوف يستمرون في التظاهر حتى يتم العدول عن التغييرات التي طرأت على النظام.
وأُضرمت نيران في جميع أنحاء المدينة وسط جهود من قبل قوات مكافحة الشغب لاحتواء الموقف باستخدام الغاز المسيل للدموع في بعض الأحيان علاوة على اعتقال العشرات، وفقا لتقارير إعلامية.
كما أُضرمت نيران أثناء المظاهرات في مدينتي رين ونانت بينما كانت هناك مواجهات سادها التوتر بين المتظاهرين والشرطة في بعض الأوقات أثناء المظاهرات في مدينة ليون.
ووجهت الاتحادات العمالية في فرنسا نداء أخيرا إلى الرئيس ماكرون لعدم التوقيع على زيادة سن التقاعد وتحويل القرار إلى قانون “في مواجهة الرفض الجماهيري على نطاق واسع لهذا الإصلاح”. وقالت الاتحادات الفرنسية إن المحكمة رفضت ستة تنازلات أُضيفت إلى الإصلاحات، لذا تحول ما كان غير عادل إلى شيء “غير متوازن بدرجة أكبر”.
ومن بين الإصلاحات التي ألغاها أعضاء المجلس الدستوري التسعة ما يسمى “بمؤشر الكبار” الذي كان يطالب الشركات التي تشغل عمالة تتجاوز ألف شخص بتشغيل عدد إلزامي من الموظفين فوق سن 55 سنة.
وقالت لوسي، 21 سنة وإحدى المشاركات في المظاهرات أمام مقر بلدية المدينة، لبي بي سي إنها تشعر بخيبة أمل، مؤكدة:”لم تعد لدينا أي قوة على الإطلاق”.
وأضافت:”لا أحد يسمعنا مهما ارتفع صراخنا”، متعهدة بمواصلة الحديث عن هذه القضية.
وقالت رافايللا، 21 سنة أيضا، إنها كانت تأمل أن يحدث حكم المجلس الدستوري الفرنسي فارقا يؤيد الإجماع واسع النطاق على الموقف الرافض للتعديلات الذي بدا واضحا وجليا في المظاهرات ضد هذه الإصلاحات.
ووضُعت الحواجز في محيط المحكمة، كما نُشرت قوات مكافحة الشغب تحسبا لأي احتجاجات عنيفة محتملة.
وقال لوكاس، 27 سنة، إنه كان قلقا على مستقبله وحيال ما ينوي ماكرون أن يفعله حتى نهاية فترة ولايته.
وكان تحالف الاتحاد الشعبي البيئي الاجتماعي الجديد من بين القوى السياسية التي تقدمت باستئناف على حكم المحكمة بشأن الإصلاحات التي أُدخلت على نظام التقاعد الفرنسي، وأكد زعيم التحالف السياسي جان لوك ميلينشون إن “القتال” سيستمر.
وقال:”قرار المجلس الدستوري يظهر أنه أكثر انحيازا لاحتياجات النظام الرئاسي أكثر من اهتمامه باحتياجات الشعب صاحب السيادة”.
وأكدت مارين لوبان، زعيمة حزب التجمع الوطني اليميني المتشدد، عبر حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي أن “المصير السياسي لإصلاح نظام التقاعد لم يُحسم بعد”.
وكان لوبان قد تقدمت باستئناف على حكم المحكمة في قضية إصلاحات التقاعد الفرنسي.
ورغم رفض المحكمة لطلب أولي من أجل إجراء استفتاء شعبي على قرار تمديد سن التقاعد الفرنسي إلى 64 سنة، إلا أنها من المنتظر أن تتخذ القرار الشهر المقبل بشأن اقتراح آخر لتصويت وطني تقدمت به قوى اليسار.
وقال المحلل السياسي الفرنسي أنطونيو بريستيليه لبي بي سي إنه لا يعتقد أن تنتهي الاحتجاجات – التي بدأت في جميع أنحاء فرنسا منذ ثلاثة أشهر – في وقت قريب.
وأضاف:”الكثير من الناس كانوا يقولون أن الإصلاحات سوف تمرر وأن المجلس الدستوري لن يتفادها، لذا فلم يكن ما حدث مفاجأة”.
وتابع:”لكني أعتقد أننا قد نرى في الساعات المقبلة أثناء عطلة نهاية الأسبوع الكثير من أحداث الشغب والإضرابات لأنه لا يزال 70 في المئة من الشعب الفرنسي يعارضون تلك الإصلاحات”.