/العمانية/
الجزائر في 29 يناير/العُمانية/ تزخرُ ولاية تندوف (جنوب الجزائر)، بالكثير من الصناعات التقليدية التي يجتهد العديد من شباب هذه المنطقة الصّحراويّة في المحافظة عليها لئلّا تندثر بفعل المستجدّات التي تفرضُها التقنياتُ الحديثة.
ويُعدُّ الفنّان، سالم كابوس، واحدًا من أولئك الشباب الذين نذرُوا أنفسهم لحماية موروث هذه المنطقة وتراثها الموسيقي من خلال صناعة بعض الآلات الموسيقيّة التي تدخل في بعض أنواع الموسيقى التقليديّة المشهورة، على غرار موسيقى الديوان، والقناوي؛ وهما من الأنواع الموسيقيّة ذات الجذور الأفريقيّة الواضحة.
ومن أبرز الآلات الموسيقيّة التي يتفنّنُ سالم كابوس في صناعتها داخل محلّه بدار الصّناعة التقليديّة والحرف باستخدام خامات محليّة، مثل جلود الإبل والماعز، آلة تُسمّى “قمبري”، وهي عبارة عن آلة موسيقيّة وتريّة مشهورة لدى فنّاني الطابع الديواني الذي يُعرفُ في مدينة تندوف وما جاورها من مدن.
ويُعدُّ الفنان سالم كابوس، وهو من مواليد عام 1969 بحيّ الرماضين الشعبي العريق، عميد صانعي الآلات الموسيقيّة بمنطقة تندوف وما جاورها، إذ يعود تاريخُ اشتغاله بهذه الحرفة إلى عام 1983.
وعن هذه العلاقة القويّة التي تربطُه بصناعة الآلات الموسيقيّة التقليديّة، يقول سالم كابوس، لوكالة الأنباء العُمانية، “ترعرعتُ بحيّ الرماضين الشعبي العريق، بثقافته، ومشايخه، وفنونه الموسيقيّة التقليدية، وآثاره التاريخيّة العتيدة، كدويرية أهل العبد، وما تحتويه من مخطوطات ووثائق تاريخيّة حافظ عليها المجاهد المرحوم الظاهر لحبيب، وخلفه صالح خلف الذي واصل مسيرة المحافظة على هذا التراث العريق. وقد نشأتُ على الموسيقى المحليّة، وعزفتُ على الأوتار، والإيقاعات الموسيقيّة التقليدية وذلك منذ سنة 1983”.
ويضيفُ “منذ نعومة أظافري، كنتُ أضربُ على الطبل التقليدي المعروف باسم “قنقة”؛ وهي آلة تُصنع من برميل البارود، وتُغلّف بجلد البعير، وتدقُّ بآلة تسمّى “المكحاش”، وقد كانت ثقافة أصيلة لدى فرقة قنقة بحيّ الرماضين، وذهب بعضُها مع المرحوم حسين كوريتي، والطاهر بابا، مؤسّس هذا الفن الأصيل، وهي في الحقيقة ذات أصول أفريقية بحتة”.
وتبدأُ عمليّة صناعة الآلات الموسيقيّة لدى هذا الحرفيّ المتشبّع بالثقافة القناويّة والحسّانيّة من مرحلة التصميم التي يُراعى فيها خصوصيات تلك الآلات الموسيقيّة التقليدية. بعدها تتواصل رحلة سالم مع صناعة الآلة الموسيقيّة بدبغ الجلد يدويًّا، وصولا إلى مرحلة تزيينها بما يضمن الوجه الجمالي للآلة، ويحافظ على وظيفتها التي وُجدت لأجلها. وقد يستغرق إنجاز آلة موسيقيّة تقليدية واحدة، بكلّ لواحقها من حوض، وجلد، وعصا، حوالي 10 أيام كاملة.
وقد تجلّت الدوافعُ لدى هذا الحرفيّ لولوج صناعة الآلات الموسيقية التقليدية في انعدام هذا النوع من الآلات التي كان الحصول عليها يفرض على الموسيقيّين، وعشّاق هذه الطُّبوع التقليديّة التنقُّل لمسافات طويلة.
أمّا بخصوص المواد الأوليّة المستعملة في صناعة هذه الآلات التقليدية فيؤكّد سالم كابوس على أنّه يستعمل جلود الإبل، وجلود الماعز؛ وهما من الثروات المتوفّرة بشكل كبير بمنطقة تندوف، خاصّة بعد أن استفاد هذا الحرفيُّ من مدبغة للجلود سهّلت عليه الكثير من مصاعب عمله.
ولم يتوقّف هذا الحرفيُّ عند هذا الحدّ من الإبداع، بل تبلورت لديه، مند سنة 2008، الكثير من الأفكار الإبداعية باستخدام مواد أوليّة بسيطة ومحليّة فرضها نقصُ التمويل، فأنتج هذا الفنان آلة “القمبري” التي تعدُّ أمّ الموسيقى التقليدية بتندوف، ولا يمكن أداء العديد من الطُّبوع الموسيقيّة بالمنطقة إلا بحضور آلة “القمبري” التي تضمُّ 3 أوتار، إضافة إلى الإيقاع، بينما تحتوي “آلة تيدينيت” على 4 أوتار، من دون إيقاع.
/العُمانية/النشرة الثقافية /طلال المعمري