BBC العربية
يدور قتال عنيف في السودان لليوم الثالث بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه العسكرية المنافسة.
وأفاد السكان باستمرار إطلاق النار في العاصمة الخرطوم، مع اندلاع القتال أيضا في مدن أخرى في جميع أنحاء البلاد.
وتقول نقابة الأطباء السودانيين إن ما يقرب من 100 مدني قتلوا منذ اندلاع الاشتباكات السبت – على الرغم من أن العدد الحقيقي من المرجح أن يكون أعلى.
وشهدت العاصمة أسوأ أحداث عنف مع تدمير العديد من الممتلكات إذ استخدم الجانبان أسلحة ثقيلة.
ويقول زعماء إقليميون إنهم يأملون في السفر إلى السودان اليوم لمحاولة إنهاء القتال.
وتعد الاشتباكات جزءا من صراع على السلطة داخل القيادة العسكرية للبلاد، التي أخفقت في تحقيق الانتقال إلى الحكم المدني.
وكانت انفجارات قد هزت العاصمة السودانية الخرطوم الاثنين مع احتدام القتال الذي اندلع السبت بعد أسابيع من صراع على السلطة بين الجنرالين اللذين استوليا على السلطة في انقلاب عام 2021 ، قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو ، الذي يقود قوات الدعم السريع شبه العسكرية القوية.
وتدعي قوات الدعم السريع منذ يوم الأحد احتلال مواقع في العاصمة الخرطوم. مثل القصر الرئاسي ، ومدينة أم درمان المجاورة ، وكذلك في المنطقة الغربية من دارفور ومطار مروي في شمال البلاد.
لكن الجيش أكد، في الساعات الأولى من يوم الاثنين، أنه تمكن من استعادة السيطرة على مطار مروي شمالي البلاد بعد قتال عنيف مع عناصر من الدعم السريع.
وأضاف أن قواته تتعامل مع “جيوب صغيرة من المتمردين”. وقال شهود عيان لوكالة رويترز للأنباء إن الجيش يحقق على ما يبدو مكاسب بعد قصفه قواعد قوات الدعم السريع بضربات جوية.
وعلى صعيد متصل، دعا الجيش السوداني مقاتلي قوات “الدعم السريع” إلى الانضمام لصفوف الجيش، وذلك في بيان للناطق الرسمي باسم الجيش السوداني فجر الإثنين.
وحث البيان جميع منتسبي قوات الدعم السريع “للمسارعة بالانضمام إلى القوات المسلحة لخدمة بلادهم بين صفوفها” و”ألا يكونوا مطية لخدمة أهداف وأجندة لشخص واحد”، وذلك في إشارة إلى الجنرال “حميدتي”.
وحاول البيان طمأنة مقاتلي الدعم السريع، مؤكدا أن الجيش “لن يستغنى عن خدماتهم بالتسريح، لأن البلاد لا زالت في أشد الحاجة لسواعد أبنائها مجتمعة”.
وأثار الصراع العنيف، الذي شهد غارات جوية ونزول الدبابات إلى الشوارع وإطلاق نيران المدفعية والنيران الكثيفة في أحياء مزدحمة في الخرطوم ومدن أخرى في أنحاء السودان، مطالب دولية بوقف فوري لإطلاق النار.
وقالت نقابة الأطباء في ساعة مبكرة من صباح الاثنين إن “أعداد القتلى من المدنيين في الاشتباكات منذ بدء الاشتباكات السبت … وصلت إلى 97″، مشيرة إلى أن الرقم لا يشمل جميع الضحايا، إذ لم يتمكن الكثيرون من الوصول إلى المستشفيات بسبب صعوبات في الحركة مع احتدام القتال.
وأفادت اللجنة المركزية لأطباء السودان، وهي منظمة منفصلة مؤيدة للديمقراطية، بقتل العشرات في صفوف قوات الأمن، وإصابة نحو 942 شخصا بجروح منذ يوم السبت بينهم مدنيون وعسكريون.
ونبهت منظمة الصحة العالمية إلى أن “العديد” من مستشفيات الخرطوم التسعة التي تستقبل المدنيين الجرحى “نفد لديها الدم ومعدات نقل الدم والسوائل الوريدية وغيرها من الإمدادات الحيوية”.
وأجبر العنف المدنيين السودانيين المذعورين على اللجوء إلى منازلهم مع مخاوف من صراع طويل قد يغرق البلاد في فوضى أعمق، مما يبدد الآمال في العودة إلى الحكم المدني.
تعليق المساعدة الحيوية
أنشئت قوات الدعم السريع في عهد الرئيس السابق عمر البشير في عام 2013، وولدت من ميليشيا قبلية عرفت محليا باسم الجنجويد التي أطلقتها حكومته لمواجهة الأقليات العرقية غير العربية في دارفور قبل عقد من الزمان، مما أثار اتهامات بارتكاب جرائم حرب.
واندلع القتال بعد خلافات مريرة بين البرهان ودقلو بشأن دمج قوات الدعم السريع في الجيش النظامي الذي كان مخططا له – وهو شرط أساسي لاتفاق نهائي يهدف إلى إنهاء أزمة البلاد بعد الانقلاب العسكري في 2021 الذي دبره الطرفان معا.
ويتهم الطرفان كل منهما الآخر ببدء القتال، ويدعي كل منهما اليد العليا بإعلان السيطرة على مواقع رئيسية، من بينها المطار، والقصر الرئاسي – ولم يتحقق من أي منهما بشكل مستقل.
وكان ثلاثة من موظفي الأمم المتحدة من برنامج الغذاء العالمي من بين القتلى في القتال في منطقة دارفور الغربية، مما أجبر على “وقف مؤقت” لجميع العمليات في بلد يحتاج فيه ثلث السكان إلى المساعدة.
وأفادت وكالة فرانس برس بأن انفجارات مدوية وإطلاق نيران هزت المباني في أنحاء العاصمة مرة أخرى صباح الاثنين وترددت صداها في الشوارع مع استمرار القتال في الشوارع.
وانقطعت الكهرباء في أجزاء من الخرطوم، وحذرت المتاجر القليلة المتبقية من أن أبوابها ستستمر مغلقة بضعة أيام إذا لم تتمكن الإمدادات من دخول المدينة.
وتوالت نداءات لإنهاء القتال من جميع أنحاء المنطقة والعالم، ومن بينها الاتحاد الأفريقي، وجامعة الدول العربية، وكتلة شرق إفريقيا الإيغاد.
وحذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من أن تصعيد القتال من شأنه أن “يزيد من تفاقم الوضع الإنساني غير المستقر بالفعل”.
وحث وزير الخارجية الأمريكي، انتوني بلينكن، الخصمين المتحاربين على الاتفاق على “وقف فوري للعنف” وبدء محادثات.
عنف “غير مسبوق”
على الرغم من الدعوات الواسعة إلى وقف إطلاق النار، لم يبد أي من الجنرالين الاستعداد لإجراء محادثات، أخذ كل منهما ينعت الآخر بـ”المجرم”.
واتفق الجانبان بعد ظهر الأحد على اقتراح من الأمم المتحدة بفتح ممر آمن لإجلاء الجرحى، لكن إطلاق النار الكثيف لم يتوقف.
وطالب المسعفون مرارا بممرات آمنة لسيارات الإسعاف ووقف إطلاق النار لعلاج الضحايا، لأن الشوارع لا تزال شديدة الخطورة لنقل المصابين إلى المستشفيات.
وتفيد تقارير بأن مستوى القتال داخل الخرطوم غير مسبوق، على الرغم من أن السودان عانى عقودا منذ الاستقلال من حروب أهلية مريرة وانقلابات وتمردات.
ونقلت وكالة فرانس برس عن المحللة السياسية خلود خير قولها: “هذه هي المرة الأولى في تاريخ السودان منذ الاستقلال التي يوجد فيها هذا المستوى من العنف في وسط الخرطوم”.
وأضافت أن قوات الدعم السريع أقامت في السابق قواعد “استراتيجية” في “مناطق مكتظة بالسكان” حتى تكون “الخسائر المدنية المرتفعة رادعا” في حالة الصراع.
كما اندلع القتال في أجزاء أخرى من السودان بما في ذلك منطقة دارفور الغربية وولاية كسلا الحدودية الشرقية.
وأدى انقلاب الجنرالات في 2021 إلى تعطيل الانتقال إلى الحكم المدني في أعقاب الإطاحة بالبشير عام 2019، وأفضى هذا إلى خفض المساعدات الدولية وأثار احتجاجات شبه أسبوعية قوبلت بقمع مميت.
وقال البرهان، الذي ارتقى في الرتب في ظل حكم البشير، إن الانقلاب كان “ضروريا” لإشراك المزيد من الفصائل في السياسة.
ووصف دقلو الانقلاب بأنه “خطأ” وأنه لم يحقق التغيير وأعاد تنشيط فلول نظام البشير الذي أطاح به الجيش في عام 2019 بعد احتجاجات حاشدة..
“لم ننم منذ 24 ساعة”
وتحدث سكان الخرطوم عن الخوف والذعر، الذي يعيشونه منذ اندلاع الاشتباكات، كما تحدثوا عن إطلاق نار وانفجارات.وقالت هدى وهي من سكان العاصمة الخرطوم لوكالة رويترز للأنباء “نحن خائفون .. لم ننم منذ 24 ساعة بسبب الضجيج واهتزاز المنزل. نحن قلقون بشأن نفاد الماء والطعام والأدوية عن والدي المصاب بالسكري”.وقالت خلود خير، التي تسكن الخرطوم أيضا، لبي بي سي إن السكان لا يمكنهم التأكد من سلامة أقاربهم وأصدقائهم في أي مكان. لقد طُلب من جميع المدنيين البقاء في منازلهم، لكن هذا لم يحافظ على سلامة الجميع”.
ودعا رئيس الوزراء السوداني السابق قيادة الجيش والدعم السريع إلى ضرورة الوقف الفوري لهذه الحرب التي وصف “المنتصر فيها بالخاسر”. كما دعا الشعب السوداني إلى التماسك، وناشد المجتمع الدولي بمساعدة السودان والوقوف إلى جانبه.