BBC العربية
يحظى دونالد ترامب بدعم كبير بين الرجال، بينما تُظهر استطلاعات الرأي أن النساء يفضلن كامالا هاريس بفارق كبير، وتعكس الفجوة السياسية بين الجنسين أعواماً من الاضطرابات الاجتماعية، وقد تساهم في تحديد نتيجة الانتخابات الأمريكية.
بالنسبة لأول امرأة متعددة الأعراق تحصل على ترشح رئاسي، وثاني امرأة تقترب من المنصب، تبذل كامالا هاريس قصارى جهدها لتجنب الحديث عن هويتها.
وقالت نائبة الرئيس في مقابلة مع شبكة سي إن إن الشهر الماضي: “أنا أترشح لأنني أعتقد أنني أفضل شخص للقيام بهذه الوظيفة في هذه اللحظة بالتحديد لجميع الأمريكيين، بغض النظر عن العرق والجنس”.
وعلى الرغم من جميع محاولاتها لتجنب النقاش حول الموضوع، يبدو أن مسألة الجنس ستكون حاسمة في هذه الحملة.
سيكون لقب “السيدة الرئيسة”، لقباً جديداً بالنسبة لأمريكا، ومن المنطقي الافتراض أنه بينما يؤيد الكثير من الناخبين هذه الفكرة، قد يجدها بعضهم مزعجة بعض الشيء.
لن تصرح حملة هاريس بذلك علناً، لكن أحد المسؤولين اعترف مؤخراً أنهم يعتقدون أن هناك “تمييزاً جنسياً خفياً” قد يمنع بعض الأشخاص من التصويت لأي امرأة تترشح للرئاسة.
نحن في عام 2024، وقليل من الناس فقط يمكنهم أن يُقروا لمستطلعي الرأي صراحة بأنهم لا يعتقدون أن امرأة قد مناسبة للمكتب البيضاوي، على الرغم من أن الكثيرين على استعداد (لمشاركة “ميمز” معادية للنساء على وسائل التواصل الاجتماعي).
اقترح خبير استراتيجي ديمقراطي أن يكون هناك رمز يتيح للناخبين أن يختاروا أن هاريس ليست “مستعدة” أو لا تمتلك “الشخصية” المناسبة أو “ما يتطلبه الأمر” خلال استطلاعات الرأي، وما يقصدونه هو أن المشكلة في كونها امرأة.
وتقول حملة ترامب الانتخابية إن الجنس لا علاقة له بالأمر، فـ”كامالا ضعيفة وغير صادقة وليبرالية بشكل خطير، ولهذا سيرفضها الشعب الأمريكي في الخامس من نوفمبر”، كما جاء في تصريح هذا الأسبوع، في حين أرسل برايان لانزا، مستشار أول في الحملة، رسالة نصية لي ليقول إنه واثق من فوز ترامب لأن “الفجوة بين الجنسين من الذكور تمنحنا الأفضلية”.
وفي آخر مرة ترشحت فيها امرأة لمنصب الرئيس، كانت المواقف السلبية تجاه جنسها عاملاً واضحاً، إذ قبل ثماني سنوات، روجت هيلاري كلينتون لنفسها بصفتها أول امرأة تترشح عن حزب رئيسي، وكان شعار الحملة “أنا معها” تذكيراً غير مباشر بدورها الريادي.
وتستذكر عضو الكونغرس عن ولاية بنسلفانيا مادلين دين مناقشتها لترشح كلينتون مع الناخبين، وأمضينا فترة ما بعد الظهر مع دين أثناء حملتها هذا الأسبوع وأخبرتنا أنه في عام 2016 كان الناس يقولون لها: “هناك شيء مميز فيها”.
وتقول إنها سرعان ما أدركت أن “الأمر يتعلق بـ”هيلاري”، كان هذا أمراً حقيقياً، كان الأمر يتعلق بكونها امرأة”.
وفي حين تعتقد دين أن هذه المشاعر أقل انتشاراً اليوم، فإنها تعترف بأنه حتى الآن، “هناك بعض الأشخاص الذين يفكرون فقط فيما كانت امرأة قوية؟ لا .. هذا أمر مستبعد”.
لقد تغير الكثير بالنسبة للنساء منذ عام 2016، إذ ساعدت حركة “تو مي -MeToo” في عام 2017 في زيادة الوعي بالتمييز الواضح – والخفي – الذي تواجه النساء في مكان العمل، كما غيرت الطريقة التي يتم بها الحديث عن النساء باعتبارهن محترفات، وقد تكون الحركة قد سهلت على مرشحة مثل هاريس تأمين ترشحها.
لكن تلك الخطوات الكبيرة نحو قضايا التنوع والعدالة والشمولية فُسرت من قبل البعض على أنها تراجع، خاصة بالنسبة للشباب الذين شعروا بالتجاهل، أو أن التغييرات كانت خطوة كبيرة جداً بالنسبة للأمريكيين المحافظين الذين يفضلون الأدوار التقليدية للجنسين.
بالنسبة لبعض الناخبين، تحولت انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني إلى استفتاء لمعايير الجنس والاضطرابات الاجتماعية التي شهدتها السنوات الأخيرة، ويبدو أن هذا ينطبق بشكل خاص على الناخبين الذين تواجه كامالا هاريس صعوبة في الوصول إليهم، أي الفئة التي تعيش في عالم يتغير بسرعة لصالح فئة الشباب.
يقول جون ديلا فوليبي، مدير استطلاعات الرأي في معهد السياسة بجامعة هارفارد: “غالباً ما يشعر الشباب بأنهم إذا طرحوا أسئلة، سيتم تصنيفهم على أنهم مسيؤون للنساء أو معادون للمثليين أو عنصريون”.
ويضيف يشعر الشباب أنهم “مُحبطون بسبب عدم فهم احتياجاتهم، إذ ينغمس العديد منهم في ثقافة الذكور المرتبطة بدونالد ترامب أو إيلون ماسك، وينظرون إلى أولويات الديمقراطيين كالنساء و حقوق الإجهاض وثقافة المثليين – ويتساءلون: ماذا عنا؟”.
يقول ديلا فوليبي المختص في استطلاعات رأي الناخبين الشباب، إن الشباب الذي يُشار إليهم ليسوا جزءاً من جماعة متطرفة من اليمين المتطرف أو من مجموعة “إنسيل”، إنهم أبناءكم، أو أبناء جيرانكم، ويضيف أن الكثيرين منهم يدعمون المساواة للنساء، لكنهم يشعرون أيضاً أن قضاياهم لا تلقى آذاناً صاغية.
يستعرض ديلا فوليبي قائمة من الإحصائيات التي تُظهر كيف أصبح الشباب اليوم أسوأ حالاً من الإناث، فهم أقل حظاً في العلاقات، وأقل احتمالاً للالتحاق بالجامعات مقارنة بالسابق، كما أن لديهم معدلات انتحار أعلى من الإناث.
في الوقت نفسه، تتقدم النساء في أمريكا بسرعة كبيرة، فهن أكثر تعليماً من الرجال، ويعملن في الصناعات الخدمية المتنامية، ويحصلن على دخل أعلى من دخل الرجال بشكل متزايد، ومابعد انتخاب دونالد ترامب رئيساً، أصبحت الشابات أيضاً أكثر ليبرالية من الشباب بشكل ملحوظ، وفقاً لمجموعة استطلاعات الرأي التي أجرتها مؤسسة غالوب.
وهذا كله يخلق انقساماً صارخاً بين الجنسين، فخلال السنوات السبع الماضية، تضاعفت نسبة الشباب الذين يقولون إن الولايات المتحدة “ذهبت إلى أبعد مما ينبغي” في الترويج للمساواة بين الجنسين، وفقا لمعهد أميركان إنتربرايز.
وبفضل إدراكه لاستياء الناس، استغل ترامب هذا الإحباط لدى الرجال، وفي الأسابيع الأخيرة من حملته، ضاعف جهوده في التركيز على الرجولة، إذ أعاد نشر تحذير على موقع “Truth Social” زعم فيه أن “الرجولة تحت الهجوم”، ومؤخراً أطلق مزحة عن أعضاء تناسلية للاعب غولف شهير.
وقال ترامب في إشارة إلى لاعب الجولف أرنولد بالمر: “هذا رجل يتمتع بصفات الرجل، عندما استحم مع المحترفين الآخرين، خرجوا من هناك – وقالوا، يا إلهي، هذا لا يصدق”.
أخرج ترامب حديث غرفة الملابس إلى العلن – وجمهوره أحب ذلك، وخلال تجمع سياسي، تحدث عن حجم الأعضاء الذكرية، وكان ذلك بمثابة الرد النهائي على قمع “الصوابية السياسية”.
وفي تجمعاتهم، وعلى وسائل الإعلام أيضاً، يبدو أن استجابة الديمقراطيين للرجال المحبطين كانت جرعة من الحب القاسي، إذ انتقد باراك أوباما بعض الرجال قائلاً: “إنهم لا يشعرون بفكرة وجود امرأة كرئيسة، ويميلون إلى تقديم بدائل وأسباب أخرى لذلك”، وفي إعلان تلفزيوني جديد، كان الممثل إيد أونيل أكثر صراحة، وقال: “كن رجلاً وصوت لإمرأة”.
في الأيام الأخيرة من الحملة الانتخابية، أصبح الحديث عن الجنس في كل مكان- وإن لم يكن مرئياً.
ويريد دونالد ترامب أن يكون الرجل في مقدمة هذا السباق، أما كامالا هاريس فبالكاد تعترف بأنها امرأة تترشح لمنصب الرئيس، وفي استطلاع للرأي أجرته صحيفة نيويورك تايمز، يتقدم ترامب بين الناخبين الذكور بنسبة 14بالمئة، بينما تتقدم هاريس بين النساء بنسبة 12 بالمئة.
أيها السيدات والسادة، إن الذكور والإناث قد يكون لهم دور حاسم في تحديد نتيجة هذه الانتخابات.