BBC العربية
سحب الأردن ترشيح فيلم “حلوة يا أرضي” الذي يناقش قضية سكان إقليم ناغورنو كاراباخ المتنازع عليه بين أرمينيا وأذربيجان، من المنافسة على جوائز الأوسكار لعام 2025، بسبب “ضغوط دبلوماسية” تعرض لها.
وبالرغم من سحب الترشيح الرسمي من عمّان، لكن الفيلم سيستمر في المنافسة على ترشيحات الأوسكار.
ورشح الأردن عبر الهيئة الملكية الأردنية للأفلام في سبتمبر/أيلول الماضي فيلم “حلوة يا أرضي” وهو فيلم وثائقي طويل مدته 40 دقيقة، من سيناريو وإخراج الأردنية من أصل أرمني سارين هايربديان للتنافس عن “فئة الأفلام الروائية الطويلة الدولية”
وقال الناطق الإعلامي للهيئة أحمد الخطيب في حديث مع بي بي سي، الثلاثاء، إن الأردن سحب الترشيح بسبب “ضغوط دبلوماسية”، بدون أن يسمي الجهة التي مارست تلك الضغوط.
وأضاف الخطيب، أن الهيئة لا تزال ملتزمة بعرض وترويج جميع الأفلام الأردنية، بما في ذلك الترويج لمشاركتهم في المهرجانات السينمائية.
وأشار الخطيب إلى تلقي الفيلم لتمويل من صندوق الأردن لدعم الأفلام الذي تشرف عليه الهيئة في عام 2021.
وأوضحت منتجة الفيلم الأردنية عزة حوراني في مقابلة مع بي بي سي، أن سبب سحب الترشيح جاء إثر “شكوى من السفارة الأذرية في الأردن”، مضيفة “للحفاظ على العلاقات الدبلوماسية اضطرت الأردن لسحب الترشيح”.
ووصفت حوراني الأمر بأنه “خيبة أمل كبيرة”، وقالت: “كان ذلك خبراً محطماً لفريقنا … حُظرت وقُمعت قصة عاطفية عن حب الطفل لوطنه وعائلته”.
الفيلم مستمر في الأوسكار
وتقدم طاقم العمل بطلب للأكاديمية الأمريكية لفنون وعلوم السينما المشرفة على جوائز الأوسكار، للاستمرار في المنافسة والتي استجابت للطلب، لكن الفيلم سينافس في فئة أخرى.
“نحن ممتنون للأكاديمية للسماح للفيلم بالتأهل في فئة أفضل فيلم وثائقي طويل بدلاً عن الفئة التي سُحب الفيلم منها”، تقول حوراني.
وتعهدت المنتجة بالاستمرار في سرد قصة الطفل فريج – بطل الفيلم – قائلةً: “الرقابة التي واجهناها تدفعنا أكثر من أي وقت مضى لمشاركة قصة الطفل فريج، التي تعكس تجارب عدد لا يحصى من الأطفال حول العالم والذين يستحقون أن يحلموا بحُرية دون تهديد الحرب والصراع”.
وتروي أحداث الفيلم قصة الطفل الأرمني فريج (11 عاماً) الذي يعيش صراعات إقليم ناغورنو كاراباخ، ويُعاصر حربا مُتوارثة عبر الأجيال بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.
تحتوي هذه الصفحة على محتوى من موقع Google YouTube. موافقتكم مطلوبة قبل عرض أي مواد لأنها قد تتضمن ملفات ارتباط (كوكيز) وغيرها من الأدوات التقنية. قد تفضلون الاطلاع على سياسة ملفات الارتباط الخاصة بموقع Google YouTube وسياسة الخصوصية قبل الموافقة. لعرض المحتوى، اختر “موافقة وإكمال”
تحذير: بي بي سي غير مسؤولة عن محتوى المواقع الخارجية المحتوى في موقع YouTube قد يتضمن إعلانات
نهاية YouTube مشاركة
فريج وآلة الحرب
“لا أحبه لكن إن اضطررت سأقاتل”، هكذا يحدث الطفل الأرمني فريج (11 عاماً) بطل فيلم “حلوة يا أرضي” نفسه في إقليم ناغورنو كاراباخ بعد أن عاش حربا تكدر العيش في منطقة “تشبه الجنة”، دفعته للتنبؤ بموت خلال ذكرى ميلاده.
يحلُم فريج في الفيلم الذي أنتجته الأردنية عزة حوراني بأن يصبح طبيب أسنان، لكنه يضطر لمغادرة مسقط رأسه “آرتساخ” حسب التسمية الأرمنية أو ناغورنو كاراباخ خلال حرب 2020 مع أذربيجان.
وخاضت أرمينيا وأذربيجان الجمهوريتان السوفياتيتان السابقتان الواقعتان في القوقاز، حربين في التسعينيات، وفي 2020.
ومن أجل السيطرة على منطقة ناغورنو كاراباخ، شنت باكو هجوما خاطفا في 2023 أتاح لها استعادة السيطرة وطرد “الانفصاليين الأرمن” الذين كانوا يحكمونها منذ ثلاثة عقود.
ترى الصحفية الأردنية المختصة بشؤون السينما إسراء الردايدة في مقابلة مع بي بي سي، أن الفيلم يتميز بقوة سرد سينمائي يعكس بدقة العواقب الإنسانية للحرب.
ولم يكن اختيار فريج في دور الطفل المحوري للفيلم أمراً عشوائياً، بل جاء لكونه “رمزا لبراءة تتعرض للانتهاك بسبب الحرب”، ويعكس هشاشة الحياة الإنسانية في مواجهة آلة الحرب، وفق الردايدة.
“الطفل يرمز أيضًا لأمل في مستقبل أفضل، ويمثل أجيالا جديدة تنمو في بيئة مشبعة بالخوف وعدم اليقين”، تقول الردايدة.
وتلقى أداء الطفل إشادات خلال عرض الفيلم، وترى الردايدة أن أداءه كان استثنائياً وتمكن من إيصال مشاعر الحزن والخوف والتشتت العاطفي من دون الاعتماد على الحوار المكثف.
وكانت تعابير وجهه ولغة جسده كافية لنقل ما يمر به من ألم، أما وجوده في مشاهد صامتة يضفي على القصة بعدًا نفسيًا عميقًا، فهو يعيش وسط عالم الكبار لكنه غير قادر على فهم أو تغيير واقعه، وفق الصحفية.
وشبهت أداء فريج للفيلم بأفلام عالمية تناولت قصصاً عن الحروب من منظور الأطفال مثل (Life is Beautiful)، و(Grave of the Fireflies).
يبدأ الفيلم بعرض زفاف جماعي ورقص ومن دعوة رجل دين للإنجاب وعمار الأرض في “أرتساخ” الاسم الأرمني لناغورنو كاراباخ.
يتجول فريج في حقل، ويعبر عن تخوفه من اندلاع الحرب وهو يقطف الورود، لتقول جدته “نحن نعود دائما.. العيش في أرتساخ يعني وجود حرب”.
ترى الردايدة أن المخرجة اعتمدت على بناء شخصيات تحمل بداخلها حكايات معقدة، تعكس تشابك العلاقات بين الأفراد والجماعات المتحاربة.
ويحاول الفيلم إلقاء الضوء على تفاصيل الحياة الدقيقة في ناغورنو كارباخ ولهو الأطفال بألعابهم لكن أصوات المدافع تخترق ذلك اللهو؛ إثر اندلاع الحرب في 2020.
“فنيا استخدم الفيلم رمزية بصرية قوية، كمشاهد الدمار ومظاهر الحياة اليومية التي تحاول التكيف مع الواقع الجديد، مما يعزز حالة التمزق الوجودي التي يعاني منها سكان الإقليم”، بحسب الردايدة.
“تركيز على الفرد”
وبشأن مدى التوازن في سرد القصة بين الجانبين الأرمني والأذري، لاحظت الصحفية أن الفيلم أعطى مساحة أوسع للجانب الأرمني ربما لأن الحكاية نُقلت من وجهة نظر عائلة أرمنية.
وتستنبط أن الفيلم لم يكن مغرقًا في السرد التاريخي أو الدعائي لوجهة نظر واحدة، لكنه ركز على جوانب إنسانية، فالشخصيات الأرمنية كانت تتحرك بدافع البقاء والتشبث بالهوية.
هايربديان قالت عند عرض الفيلم في مهرجان عمّان السينمائي الصيف الماضي، إن القصة معروفة لدى الأرمن وهي جزء من هوية الأرمن لكنها غير معروفة للعالم فأرادت التعريف بـ”أرتساخ” وحكاية قصتها برواية طفل يعيش فيها.
وأضاء الفيلم أيضًا على “المآسي المشتركة” بين الجانبين دون الخوض في تفاصيل معقدة عن الخلفيات السياسية والتاريخية، وقالت الراديدة إن المخرجة نجحت في إبقاء التركيز على الفرد، بدلاً من القومية أو الانتماء العرقي.
عودة في الضباب
وظهر لافتاً وجود مشاهد مختلفة ترسخ فكرة أن الإقليم مستقل، وظهر ذلك في حديث معلمة لطلابها في الإقليم المتنازع عليه. وكذلك عند لجوء سكان الإقليم هربا من الحرب، تقول إحدى النساء: “هربنا إلى أرمينيا”.
وتقول سيدة متذمرة من أهوال الحرب في الفيلم: “إن الحرب بدأت منذ اللحظة التي صنعت فيها الأسلحة”.
وعند وقف إطلاق النار يعود لاجئون إلى بيوتهم في “أرتساخ” وكان لافتا للنظر “لهفة الأطفال على العودة” ومشهد المركبة العائدة التي تقود اللاجئين إلى قريتهم وتخترق الضباب في ظل رؤية غير واضحة واتجاه نحو مستقبل تسوده حالة عدم يقين.
تفسر الردايدة استخدام “الفوكس الناعم” في بعض المشاهد لعكس حالة عدم اليقين والضبابية التي تحيط بمستقبل هذه المنطقة، مضيفة أن “الإضاءة الطبيعية التي تعتمد على ألوان داكنة وأحيانا رمادية تُسهم في ترسيخ حالة الكآبة واليأس”.
بعد الوصول، تبدو بصمات الحرب واضحة، فيصنع فريج سلاحه الخاص “بندقية خشبية” يلهو بها بين الأشجار، لكن هذا المشهد يغدو حقيقياً لاحقاً عند انضمامه وأقرانه من الأطفال إلى معسكرات تدريب.
تسلط الردايدة الضوء على تسلسل أحداث الفيلم بطريقة بطيئة، ورأته “مقصوداً ليمكّن المشاهد من استيعاب الألم والمعاناة بشكل أكبر”.
وتشير إلى استخدام اللغة الجسدية والوجوه الصامتة للتعبير عما عجز الحوار عن نقله، والاعتماد على بيئة طبيعية منعزلة تُبرز الشعور بالحصار الجغرافي والنفسي الذي يعانيه السكان.
إسقاطات على قضية اللجوء الفلسطيني
خلال عرضه في المهرجان، أشارت حوراني إلى أن الفيلم يضم إسقاطات على الواقع الفلسطيني وقضية اللاجئين الفلسطينيين.
تتحدث الردايدة عن “إسقاطات واضحة جدًا على قضية اللجوء الفلسطيني”.
وقالت إن الفيلم يعكس التجربة العالمية للمهجرين قسراً، سواء بسبب الحرب أو النزاعات الإقليمية، مثلما “يعاني الفلسطينيون من فقدان الأرض والهوية والبحث عن مكان آمن يعوضهم عن وطنهم المفقود، يعاني سكان ناغورنو كاراباخ من شعور مماثل بالتهجير والاغتراب في وطنهم”.
وترى الردايدة أن شخصية فريج تشبه شخصية الطفل الفلسطيني الذي نشأ في بيئة نزاعات وصراعات في الأراضي الفلسطينية المحتلة من إسرائيل.
“استخدام الفيلم للمشاهد التي تصوّر المخيمات والتشرد يذكرنا بمخيمات اللاجئين الفلسطينيين”، تقول الردايدة.
في الفيلم، ينضم أطفال الإقليم إلى معسكرات تدريب بملابس عسكرية تساعدهم على اكتشاف الألغام والتدرب على الأسلحة، لكن فريج يقول إنه “لا يحب المكان”.
وفي مشهد قرب الحدود مع أذربيجان، يحدث فريج نفسه بالقتال، بقوله: “سأقاتل … لا أحبه لكن إن اضطررت سأقاتل” ثم يتوقع موته في يوم ميلاده.
“حظوظ جيدة”
ويُنتظر أن تعلن الأكاديمية عن القائمة المختصرة للأفلام المنافسة في 17 يناير/كانون الثاني 2025.
ولا تستبعد الردايدة الفيلم من سباق المنافسة على الجائزة، وقالت إن توجهات الأكاديمية مؤخرا تركز على قضايا إنسانية كبيرة تحمل طابعًا دوليًا، وتتيح لها فرصة جيدة للمنافسة.
“يتناول الفيلم قضية ملحة على الساحة الدولية. والصراعات الجيوسياسية التي تطرحها مثل قضية ناغورنو كاراباخ تجد صدى لدى الجمهور العالمي، خاصة في ظل تزايد الاهتمام بالقضايا الإنسانية”، وفق الصحفية.
وسيقام حفل توزيع جوائز الأوسكار للدورة السابعة والتسعين للجوائز الأشهر عالميا بمجال السينما في لوس أنجلوس في 3 مارس/آذار المقبل.
تحتوي هذه الصفحة على محتوى من موقع Instagram. موافقتكم مطلوبة قبل عرض أي مواد لأنها قد تتضمن ملفات ارتباط (كوكيز) وغيرها من الأدوات التقنية. قد تفضلون الاطلاع على سياسة ملفات الارتباط الخاصة بموقع Instagram وسياسة الخصوصية قبل الموافقة. لعرض المحتوى، اختر “موافقة وإكمال”
تحذير: بي بي سي غير مسؤولة عن محتوى المواقع الخارجية
نهاية Instagram مشاركة
وقدم الأردن في دورات سابقة ثمانية أفلام، لتمثيله في جوائز الأوسكار عن فئة أفضل فيلم أجنبي، كما وصل فيلم “ذيب” للقائمة المختصرة.
وترى أن “التصوير المتقن والأداء القوي والرسالة العاطفية العميقة” كلها عوامل قد تجعل الفيلم مرشحاً قوياً لفئة أفضل فيلم أجنبي.
وتقول إن حظوظ الفيلم جيدة إذا استمر في لفت انتباه النقاد والجمهور على السواء، وبالنظر إلى مدى تأثير الفيلم على المستويين العاطفي والفني.
وفاز الفيلم بثلاث جوائز في الدورة الخامسة من “مهرجان عمان السينمائي الدولي” الذي أقيم في يوليو/تموز الماضي، بما في ذلك جائزة لجنة التحكيم لأفضل فيلم وثائقي طويل، وجائزة الاتحاد الدولي للنقاد السينمائيين لأفضل فيلم وثائقي عربي طويل.