BBC العربية
بدأ الأمر بمحاولة على وسائل التواصل الاجتماعي للعثور على أفضل مكان لبيع الزلابية، لكنه انتهى بآلاف الدراجات التي تسببت في ازدحام مروري بين مدينتين في وسط الصين.
كان يمكن لهذه الخطوة أن تساهم في إنعاش اقتصاد مدينة كايفنغ القديمة، لكنها أتت بنتائج عكسية حين اكتظت الطرق بآلاف الدراجات الهوائية المستأجرة على الطريق من بلدة تشنغتشو القريبة، بعد أن انتشر تحدي البحث عن الزلابية بصورة واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي.
وازدحم طريق سريع مكون من ستة ممرات بين المدينتين بالدراجات، ولجأت الشرطة إلى مكبرات الصوت لحثهم على المغادرة، وحذرت شركات تأجير الدراجات من أنها ستوقف الدراجات التي تم إخراجها من تشنغتشو عن بعد.
ويأتي التحدي ضمن “ترند” انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، يسافر فيه الشباب الصينيون بأسعار زهيدة في وقت يواجه فيه اقتصاد البلاد صعوبات كبيرة، وتندُر فيه فرص الحصول على عمل.
وبدأت القصة بأربعة طلاب جامعيين ركبوا دراجاتهم لمسافة 50 كيلومتراً من تشنغتشو إلى كايفنغ في يونيو/حزيران الماضي لتجربة غوانتانباو، وهو نوع من الزلابية.
وقال أحد الطلاب الأربعة لوسائل الإعلام المحلية إن “الشباب فترة لا تتكرر ولا يمكن استعادته، لذا يجب أن تذهب في نزهات ورحلات عفوية مع الأصدقاء”.
ولاقت هذه الرسالة صدى بين الشباب الآخرين في المدينة التي يبلغ عدد سكانها 12.6 مليون نسمة، في وقت يشكو فيه الشباب في الصين من الإرهاق الناجم عن العمل الذي أصبح يتسم بالتنافسية.
وهكذا بدأ “ترند” جديد على وسائل التواصل الاجتماعي بعنوان “رحلة ليلية إلى كايفنغ”.
وأشادت وسائل الإعلام الرسمية في البداية بهذه الرحلة باعتبارها دليلاً على “شغف” الشباب”، ورأت الحكومة المحلية أنها فرصة لتكرار الشهرة الفورية التي حظيت بها مدينة زيبو العام الماضي عندما وصل الملايين لتذوق شواءها.
وقبل الازدحام المروري ليل الجمعة، أعلن مسؤولو كايفنغ عن خصومات وفعاليات تستهدف طلاب الجامعات، كما وضعوا تدابير إضافية لمراقبة حركة المرور لحماية راكبي الدراجات.
وقالت لي، 27 عاما، لبي بي سي: “كان الجميع يمتلئون طاقة وحيوية ويتفاعلون مع الناس من حولهم. كان الأمر أشبه بأيام دراستي الجامعية”.
وركبت لي دراجة نارية إلى كايفنغ مع الطلاب ليل الجمعة، وقالت إنها قررت الانضمام و”الاستمتاع بالشباب” بعد أن رأت منشوراً على مواقع التواصل الاجتماعي.
وأضافت أن الشرطة كانت تنتشر بصورة مكثفة على طول الطريق، موضحة أنه كان “يمكن رؤية سيارات الإسعاف وسيارات شرطة المرور على جانبي الطريق، وكانت هناك أيضًا طائرات بدون طيار لمراقبة حركة المرور”.
“أنا نادم حقا على الذهاب”
لكن الأجواء السعيدة سرعان ما تبدّلت، حين غمرت آلاف الدراجات الطرق في تشنغتشو.
وأظهرت الصور المتداولة عبر الإنترنت ازدحاماً شديداً على الطرق الرئيسية من تشنغتشو إلى كايفنغ، وقال أحد الشهود لقناة لي جيمو نيوز المحلية إن الطريق، الذي تستغرق قيادة دراجة عليه حوالي ساعة واحدة، استغرقت في تلك الليلة ثلاث ساعات.
وقال بعض سائقي الدرّاجات على وسائل التواصل الاجتماعي إنهم اضطروا للنزول من دراجاتهم، والسير على الأقدام وسط الزحام.
ولا توجد إحصائية رسمية لعدد الدراجات المشاركة التي كانت على الطريق ليل الجمعة، لكن التقارير على وسائل التواصل الاجتماعي تشير إلى أن العدد وصل إلى ما بين 100 ألف إلى 200 ألف دراجة.
ويبدو أن العديد من أولئك الذين وصلوا إلى كايفنغ لم يستمتعوا بالتجربة.
وقال أحد الطلاب، الذي قاد درّاجته لأكثر من سبع ساعات، “أنا نادم حقاً على الذهاب”، ولم يتمكن الكثيرون من الحصول على سيارة أجرة أو غرفة في فندق لأنها كانت ممتلئة.
وكتب الطالب: “بينما كنت جالسا في مطعم أتناول وجبتي، سمعت المالك ينتقد طلاب الجامعات، أنا آسف لإزعاج الناس في كايفنغ”.
وانتقد بعض المستخدمين راكبي الدراجات بسبب سلوكهم “غير المسؤول” مثل إلقاء القمامة.
ومع تفاقم الازدحام، أصدرت ثلاث شركات تأجير دراجات رئيسية في الصين بياناً مشتركا يحث الطلاب على استخدام القطارات والحافلات للسفر لمسافات طويلة وتجنب استخدام الدراجات ليلاً لأسباب تتعلق بالسلامة.
وبحلول بعد ظهر السبت، بدأت الشركات في فرض رسوم على مستأجري الدراجات الذين خرجوا إلى مدن أخرى.
وتشير العديد من المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي إلى أن بعض الجامعات في تشنغتشو دعت الطلاب إلى العودة إلى مساكنهم وفرضت قيوداً عليهم عند مغادرة الحرم الجامعي.
وأغلقت شرطة المرور في كل من تشنغتشو وكايفنغ بعض مسارات الدراجات الرئيسية بين المدينتين يومي السبت والأحد.
وعادة ما تتخذ السلطات الصينية إجراءات صارمة ضد التجمعات الكبيرة، والتي تخشى أن تؤدي إلى احتجاجات أو أي شكل من أشكال التعبير السياسي.
وخلال الشهر الماضي، أوقفت الشرطة في شنغهاي الاحتفالات بعيد الهالوين خوفاً من استخدام الاحتفالات للتعبير عن المعارضة.
وقالت لي إن التجمعات العفوية، مثل رحلة الليل إلى كايفنغ، ستستمر، لأنها تجذب الشباب.
وأضافت أن “الناس متوترون للغاية هذه الأيام، لذا فإن هذه الأحداث شيء جيد، لأن السعادة معدية”.