السلطنة اليوم – الكاتب :محمد بن عبدالله الراسبي
7 أكتوبر، لم يخطر ببال أحد إلا الذين خططوا له، ولم يتوقع الأقل حرصًا على أمن إسرائيل
أن يحدث، أو الأكثر تفاؤلًا بما ستقوم به المقاومة متمثلة في حماس.
ما حدث ونتائجه التي تسرد اليوم واقعًا مريرًا، لا يُستبعد أن يشبه فخًا مباشرًا أو غير مباشر. ربما كانت خطة عمدت إسرائيل إلى نصبها وتمريرها سرًا، كما حدث للعراق ودول أخرى باتباع نفس الأسلوب للوصول إلى مثل هذه النتائج. ذلك لأنها الوسيلة الوحيدة لإقناع العالم بأن من حقها التوسع والتعمق في الاحتلال والقتل والتهجير والإبادة، رغم أنه لا مقارنة بين ما قامت به حماس وما تقوم به إسرائيل كردة فعل (نسبة وتناسب).
ها هي الآن -إسرائيل- توشك أن تحقق أهدافها، بل وتثبتها، متمثلة دور الضحية، وستستمر حتى لو قضت على حركة حماس (كما تتمنى)أو أفرج عن جميع المحتجزين. لأنهما يظلان الحجتين للاستمرار في ما هم عليه، وباختصار ليسا الهدف الأصيل لإسرائيل.
موقفنا كعرب أصبح التركيز فيه على التنافسية الحزبية والسياسية، وذلك ينطبق على المستوى الفلسطيني. فقدّمنا ذلك على المحنة والقضية الرئيسية، مما جعلها تطغى على ثوابتنا وأخوتنا. حتى أصبح التركيز والهم والمنطق هو تفنيد المواقف وتحليلها أكثر من النظر إلى المواقف ذاتها. وهذا أشغلنا عن القضية المفصلية، وهو الحبل السري الذي تتغذى عليه إسرائيل وهي مستبشرة بالاستدامة.
أصبح الأصل فرعًا، والفرع أصلًا طاغيًا، في الوقت الذي يتفرج فيه العدو مبتسمًا حاصدًا أهدافه المخططة مسبقًا. حتى الحياد ذاته أصبح محايدًا في قراراتنا، وبه اصبحت الحرب احتلالًا جديدًا بكل أركانه، وليست حربًا اعتبارية وقتية كما يخيل للكثيرين.
بهذه المواقف العربية الغريبة، لا نستبعد نماذج قادمة مشابهة ومتوقعة ستكون حاضرة وبقوة. لأن مقاييس حضرة القوة والبطش تتم من خلال تقمص دور المراقب والنأي بالنفس. وهذا يعطي مؤشرًا خطيرًا لمستقبلنا بأن الذئب غدار وقد يقتنص فريسة جديدة أكبر بمجرد أن تفرغ معدته من الضحية الأولى،
بإمكاننا أن نرمي بثقلنا وقوة مصالحنا دون إطلاق رصاصة واحدة ضد القوى التي تعادينا ، من خلال توحيد المواقف وضغط المصالح.،وإيجاد بديل اقتصادي وسياسي (حسب إرادتنا).حينها ستبيع تلك الدول إسرائيل لأجل مصلحتها، وإن كانت مصالحها مرتبطة باستمرار وقوة إسرائيل كرأس حربة. لكن ستظل المصلحة أولًا وإسرائيل ثانيًا. هكذا هي لغة وقوة المصالح حين تحضر وليس غيرها. وفي حال عدم تفعيل ذلك، نثبت للعالم أنه لا قوة لنا لا عسكريًا ولا اقتصاديًا ولا حتى سياسيًا..اليس هذا واقعنا؟.
الأمر يحتاج إلى تقييم واقعي والرجوع خطوة للاستعداد، والتقدم بعدها خطوات لإعادة هيبة الأمة كما كانت من قبل. وذلك يتم من قبل من لهم مقدرة عن طريق القوة الناعمة لتعذر القوة العسكرية والتي لانملكها وإن كنا لا نحبذ استخدامها(إن وجدت).
الخطة حسب أجندة إسرائيل ومن خلفها تقوم على إعطائها المجال للسيطرة علينا وخيراتنا وحتى تفكيرنا، وهو ما ساهمت فيه مواقفنا الهشة والمعتمدة من قبلنا. فوجب عكسها، وحتى يأتي ذلك العكس، وحسب المؤشرات، سنجد كل شيء مقيدًا بأغلال الاستعمار، ولائحة مكتوب عليها: “انتهت المهمة”، بتوقيع: المحبة لكم، إسرائيل.
قد يقتنع الكثيرون بأن حرب غزة مجدية إذا كانت خطة المقاومة مرسومة أصلاً للاستمرار لسنوات قادمة بنفس طويل كحرب استنزاف لإسرائيل، محاكية بذلك النموذج الفيتنامي الذي استمر أكثر من عشر سنوات للتحرر الكامل . وكذلك ما قامت به جنوب إفريقيا للوصول لنهاية النفق.سيتحقق ذلك إن كان هناك فعلاً من يدعم تلك الاستراتيجية البعيدة لتصبح واقعًا يومًا ما، وإن كان دعما من خلف الكواليس.
إذا كان الهدف البعيد للمقاومة ذاتها هو تحرير فلسطين أو حتى غزة، فستستمر ما دامت قادرة، صابرة، وواثقة من النصر وتحقيق أهدافها البعيدة. وإلا لا خيار سوى توقف الحرب كما يتم التفاوض(دون خسائر مستقبيلة)،حتى لا تصبح غزة رسميًا إسرائيلية مثل غيرها. وهذا ما يحدث حاليًا. بعدها سيُطلق على سكانها “عرب 7 أكتوبر” كما هو حال عرب 48 وعرب 67. حينها سنحتاج عقودًا وأجيالًا لعودة غزة، فما بالك بفلسطين!
هنا ينتهي الحلم.