عادل بن رمضان مستهيل adel.ramadan@outlook.com
يُقال إن التقصير والإهمال كانا يومًا ما منبوذين، لكن يبدو أن الزمن قد تغير، فتحولا إلى مهارات يُتقنها البعض بإبداع فائق يستحق الدراسة!
لم يعد الإهمال مجرد هفوة عابرة، بل صار أسلوب حياة، يُمارسه البعض بإتقان يُثير الدهشة، وربما الحسد أيضًا!
تخيل موظفًا حكوميًا يصل إلى عمله متأخرًا، و يُعد كوب قهوته بكل تؤدة، أو يطلبها من عامل المطعم وهو يتصفح هاتفه بينما تمتد طوابير المراجعين أمامه، يُلقي نظرة عابرة على الأوراق، ثم يبتسم ابتسامة “لا مبالية”، وكأنه يطمئن الجميع: لا داعي للقلق، البيروقراطية في أيدٍ أمينة! فهو لا يرى في الوقت قيمة، ولا في العمل مسؤولية، بل يجيد فن “قتل الساعات” وكأنها هواية يومية.
أما حين نتحدث عن بعض المشاريع المتعثرة، فهنا يأخذ الإهمال بُعدًا أكثر احترافية. تجد المبنى قيد الإنشاء أو مشروع قد وضعت لوحة إشهار البناء وقد تحول إلى “أثر تاريخي” بسبب تأخر المقاولين، بينما تراقب بعض الجهات المعنية المشهد بصمت، وكأنها تنتظر أن يتحول الأسمنت إلى صخور صلبة بفعل الزمن! و المقاول يُتقن فن “التطنيش”، والجهات المعنية تُمارس هواية “غض الطرف”، والنتيجة؟ مشاريع عالقة، أموال مهدرة، ومواطن يتأمل المشهد متسائلًا: هل هذا فن التجاهل أم استراتيجية مدروسة؟
الإهمال لا يتوقف عند حدود المكاتب والمشاريع، بل يمتد إلى داخل البيوت. الأب مشغول لدرجة أنه لا يتذكر أعمار أبنائه، والأم مُنهكة أما بين مسؤوليات البيت أو في العالم الافتراضي وتصفح أخبار العروض التجارية و المشاهير وأخبار “النميمة” والقيل والقال والخ.. فتنسى نفسها و أسرتها، أما الأبناء، فهم غارقون في عوالمهم الافتراضية ايضاً ، حيث الحياة أكثر “إثارة” من واقعهم! أو هكذا، أصبح التواصل داخل المنزل برسائل “الواتساب” في مجموعة العائلة!
الآن، و يبقى السؤال الأهم: هل أصبح الإهمال والتقصير جزءًا لا يتجزأ من ثقافتنا اليومية؟ أم أننا تكيّفنا معه حتى بات سمة مميزة لنا؟ حان الوقت لنتوقف عن التبرير ونبدأ في تصحيح المسار، لأن الإهمال ليس فنًا يُتقن، بل هو خطوة ثابتة نحو الهاوية.
تنويه: هذه المقالة تسلط الضوء على واقع نعيشه جميعًا، بأسلوب ساخر، لكنه يحمل رسالة جادة… فهل نلتقطها؟