BBC العربية
صدر الصورة، Getty Images
هل تعلم أنه عندما تصلي تضرعاً من أجل الحب في مدينة إزومو اليابانية، فإن فرص استجابة تلك الصلوات والتضرعات مضمونة؟ لا تتعجب، فكثيرون يعتقدون هناك أنه في كل عام، تحتضن هذه المدينة الساحلية تجمعاً مهيباً يضم ثمانية ملايين من الآلهة، يأتون من أجل تحديد مستقبل العلاقات بين البشر.
ولا تزال لمسة الرومانسية حاضرة في عالم السفر جواً، أو هكذا يبدو الأمر عند وصولك إلى مطار إزومو إنموسوبي في اليابان، الذي يحمل اسماً يفيض بالتفاؤل، إذ تعني كلمة إنموسوبي “ربط الأواصر”، أو كما تُعرف على نطاق أوسع بـ “التوفيق بين شركاء الحياة”. كما تشمل هذه الكلمة جميع العلاقات الإنسانية التي تشكل نسيج الحياة، من الروابط العائلية والصداقة إلى العلاقات المهنية، إلا أنها غالباً تُستخدم للدلالة على العلاقات العاطفية.
ويتجلى هذا الإحساس بوضوح عند خروجك من الطائرة، إذ تجد نفسك تمر بجوار تمثال الإله المبتهج أوكينينوشي، الملقب بـ”القوة العظمى للتوفيق بين شركاء الحياة”، بينما تصطف ألواح التضرعات الخشبية (إيما)، وقد كتب عليها المسافرون أمنياتهم العاطفية.
وقد يُخيّل إليك أن المسافرين يحملون مشاعر الحب في قلوبهم وأذهانهم، وليس ذلك بمحض الصدفة، فكل من يتضرع من أجل الحب في مدينة إزومو، له حظ وفير في أن تُستجاب تضرعاته، بحسب الاعتقاد.
تقع مدينة إزومو على ساحل بحر اليابان في محافظة شيمانه، ثاني أقل محافظات اليابان كثافة سكانية، كما احتلت في عام 2023 الوجهة الأقل زيارة في البلاد. ونظراً لكونها خارج مسار قطار (الشينكانسن) فائق السرعة، تُعد واحدة من المدن القليلة في اليابان التي يكون السفر إليها بالطائرة أكثر سهولة.
وتشتهر المدينة بمعبد إزومو تايشا، الذي يُعتقد أنه أقدم معابد اليابان، وهو مكرّس للإله أوكينينوشي، الذي يُعبد في ديانة الشنتو الأصلية باعتباره خالق اليابان، وللإله إنموسوبي، إله الروابط والعلاقات، ولا سيما التوفيق بين شركاء الحياة.
صدر الصورة، Getty Images
وتصف مينوري مايدا، مرشدة سياحية محلية، الإله إنموسوبي بأنه “الإله الذي يتحكم في الأمور الخفية التي تعجز عيون البشر عن إدراكها، كالمصير، ويمكن وصفه بأنه إله التوفيق بين القلوب، إذ يجمع بين الناس ويمتلك قوة تفوق الوصف”.
لذا اكتسب معبد إزومو تايشا شهرة واسعة كواحد من “بقاع الطاقة” الشهيرة في اليابان، وهو مصطلح ظهر في تسعينيات القرن الماضي للإشارة إلى المواقع التي تحيط بها الطبيعة عادة، كما يُعتقد أنها أماكن تتميز بقوى روحية خاصة تجلب الحظ السعيد، أو تحسّن الصحة، أو كما في هذه الحالة تُهيئ سبل الحب بين الباحثين عن الحب.
وعلى الرغم من أن مفهوم “بقاع الطاقة” هو مزيج غير واضح المعالم، يجمع بين ديانة الشنتو، والروحانيات العصرية، وفلسفة الفينغ شوي، إلا أن شهرتها المتزايدة على مدار العقود الأخيرة جعلت أماكن مثل إزومو وجهة سياحية جاذبة للزائرين.
وتشير بيانات نشرتها مدينة إزومو إلى أن معبد إزومو تايشا اجتذب ما يزيد على سبعة ملايين زائر في عام 2023، من بينهم نحو 350 زوجاً عقدوا قرانهم في رحابه.
بالطبع ليس كل من يزور إزومو يبحث عن الحب، لكن العدد الكبير من الأنشطة المرتبطة بالتوفيق بين شركاء الحياة هنا يدل على أن نسبة لا يُستهان بها من الزائرين للمدينة تأتي من أجل هذا الغرض.
لذا أعدت الهيئات السياحية في المدينة برامج ترفيهية خاصة تأخذ الزائرين في جولة عبر أبرز المواقع الرومانسية في إزومو، وكذا أرجاء سان-إن، بدءاً من معبد (يايغاكي)، حيث يُعتقد أن بركة مائية فيه تتنبأ بمصير العلاقات بين البشر، مروراً بقارب سياحي يضم جرساً برونزياً يُعرف باسم “جرس التوفيق”، يُقال إنه يستدعي الآلهة، وصولاً إلى محطة قطار زُينت بقلوب زاهية طُليت باللون الوردي.
صدر الصورة، Karen Gardiner
بيد أنه بعيداً عن هذه الأجواء الرومانسية الحالمة، يوجد معبد (أومي) في إزومو، وهو معبد لا يحظى بذات الشهرة، إذ يقصده البعض للتضرّع من أجل ما يعرف باسم (إينريكي)، أي قطع الروابط وإنهاء العلاقات، وهو الوجه الآخر لمفهوم إنموسوبي، الذي يجمع بين قلوب المحبين.
تقع مدينة إزومو على بحر هائج، وتشتهر بغروب شمس ساحر للغاية لدرجة أنه مُعترف به من جانب هيئة التراث الياباني كملكية ثقافية مهمة، الأمر الذي يجعلها مدينة رومانسية بطبيعتها.
وعلى الرغم من ذلك لا يوجد مكان يجذب القلوب بقوة مثل معبد إزومو تايشا، حيث يتوجه إليه العُزّاب ويتضرّعون للإله أوكينينوشي بغية العثور على شريك العمر المناسب، وطلباً لمباركته لعلاقاتهم، كما يدوّن كثيرون أمنياتهم على إيما (ألواح التضرّعات الخشبية)، موقنين بأنها ستصل إليه مباشرة.
ويحرص البعض، ربما رغبة منهم في أن يكونوا جزءاً من هذا الحدث المهم، على تحديد توقيت رحلتهم في الشهر العاشر من التقويم القمري الياباني القديم (والذي غالباً يصادف شهر نوفمبر/تشرين الثاني)، إذ تتوافد في ذلك الوقت ثمانية ملايين من الكامي (أي الآلهة والأرواح) من شتى أرجاء البلاد إلى هذه المدينة، بحسب المعتقد.
وعلى الرغم من أن هذا الشهر يُعرف في سائر اليابان باسم كان-نا-دزوكي (أي الشهر الذي تغيب فيه الآلهة)، إلا أنه في إزومو يحمل اسماً مختلفاً وهو كامي-آري-دزوكي (أي الشهر الذي تحضر فيه الآلهة).
أما الغرض من هذا التجمع السنوي، هو أن تتولى الآلهة مسؤولية تحديد مصير العلاقات البشرية للسنة المقبلة.
ويُعد تجمع الآلهة الذي يمتد لسبعة أيام (من 11 إلى 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2025) حدثاً استثنائياً بكل المقاييس، تبدأ فعالياته على شاطئ إيناسا نو هاما بمراسم استقبال الكامي في مدينة إزومو، وبحلول الغروب، تُشعل نيران ضخمة، ويتولى كهنة المعبد مرافقة الكامي إلى إزومو تايشا، مستخدمين ملاءات بيضاء لحجب رؤيتهم عن أنظار الحشود المجتمعة.
صدر الصورة، Karen Gardiner
بيد أنه بعيداً عن هذه الأجواء الرومانسية الحالمة، يوجد معبد (أومي) في إزومو، وهو معبد لا يحظى بذات الشهرة، إذ يقصده البعض للتضرع من أجل ما يعرف باسم (إينريكي)، أي قطع الروابط وإنهاء العلاقات، وهو الوجه الآخر لمفهوم إنموسوبي، الذي يجمع بين قلوب المحبين.
تقع مدينة إزومو على بحر هائج، وتشتهر بغروب شمس ساحر للغاية لدرجة أنه مُعترف به من جانب هيئة التراث الياباني كملكية ثقافية مهمة، الأمر الذي يجعلها مدينة رومانسية بطبيعتها.
وعلى الرغم من ذلك، لا يوجد مكان يجذب القلوب بقوة مثل معبد إزومو تايشا، حيث يتوجه إليه العُزّاب ويتضرعون للإله أوكينينوشي بغية العثور على شريك العمر المناسب، وطلباً لمباركته لعلاقاتهم. كما يدوّن كثيرون أمنياتهم على إيما (ألواح التضرعات الخشبية)، موقنين بأنها ستصل إليه مباشرة.
ويحرص البعض، ربما رغبة منهم في أن يكونوا جزءاً من هذا الحدث المهم، على تحديد توقيت رحلتهم في الشهر العاشر من التقويم القمري الياباني القديم (والذي غالباً يصادف شهر نوفمبر/تشرين الثاني)، إذ تتوافد في ذلك الوقت ثمانية ملايين من الكامي (أي الآلهة والأرواح) من شتى أرجاء البلاد إلى هذه المدينة، بحسب المعتقد.
وعلى الرغم من أن هذا الشهر يُعرف في سائر اليابان باسم كان-نا-دزوكي (أي الشهر الذي تغيب فيه الآلهة)، إلا أنه في إزومو يحمل اسماً مختلفاً وهو كامي-آري-دزوكي (أي الشهر الذي تحضر فيه الآلهة).
أما الغرض من هذا التجمع السنوي، فهو أن تتولى الآلهة مسؤولية تحديد مصير العلاقات البشرية للسنة المقبلة.
ويُعد تجمع الآلهة الذي يمتد لسبعة أيام (من 11 إلى 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2025) حدثاً استثنائياً بكل المقاييس، تبدأ فعالياته على شاطئ إيناسا نو هاما بمراسم استقبال الكامي في مدينة إزومو. وبحلول الغروب، تُشعل نيران ضخمة، ويتولى كهنة المعبد مرافقة الكامي إلى إزومو تايشا، مستخدمين ملاءات بيضاء لحجب رؤيتهم عن أنظار الحشود المجتمعة.
وبعد أن تمنيتُ أمنياتي في صمت، تجولتُ بين التمائم المعروضة للبيع، وأخبرتني المرشدة مايدا أن التميمة الحمراء والبيضاء تحظى بشهرة واسعة، “إذ يُقال إنها تساعد في جمع الناس معاً في علاقات حب”.
ألقيتُ نظرة على بعض الأمنيات المكتوبة على ألواح إيما الخشبية المعلقة على طول ممرات المعبد، وأوضحت مايدا أن “كتابة أمنيتك على لوح إيما يضمن وصولها مباشرة إلى الآلهة”.
وتنوعت أمنيات الزائرين بين طلب بسيط “أن أجد الحب”، وأخرى أكثر تحديداً، مثل “أن أتزوج في غضون ثلاث سنوات”.
بدا لي أن شغف الزائرين بالزواج مناقضاً تماماً للتراجع الملحوظ في معدلات الزواج في اليابان، وهي قضية تحظى باهتمام إعلامي واسع. ففي نفس الشهر الذي زرتُ فيه إزومو، أطلقت حكومة العاصمة طوكيو تطبيقاً مخصصاً للتوفيق بين شركاء الحياة، يحمل اسم (طوكيو إنموسوبي)، في محاولة لتشجيع السكان على الزواج والحد من تراجع معدلات المواليد في المدينة.
صدر الصورة، Getty Images
وكنتُ قد قرأتُ عن توجهات السفر التي تشير إلى أن الناس بدأوا يشعرون بالملل من البحث عن الحب عبر الإنترنت. تُرى، هل سيتجاهلون التطبيقات ويتطلعون إلى السماء طلباً للحب؟ وإن كان الأمر كذلك، فهل يستلزم ذلك قدراً من الإيمان بالقوى الإلهية؟
تقول الكاتبة هيروكو يودا، المقيمة في طوكيو: “سواء آمنوا أم لم يؤمنوا، فذلك ليس هو جوهر المسألة”. يُذكر أن كتاب يودا الذي يتناول الروحانيات اليابانية ويحمل عنوان “ثمانية ملايين طريقة للسعادة: حكمة للإلهام والشفاء من قلب اليابان”، سيصدر في ديسمبر/كانون الأول 2025.
وتضيف موضحة: “على نقيض ما يحدث في دول الغرب، فإن مفهوم الإيمان أو عدم الإيمان لا يشكل عنصراً جوهرياً في الروحانيات اليابانية. فالناس يزورون معبد إزومو تايشا إما لشهرته الواسعة، أو تلبيةً لحاجة شخصية، أو لمجرد الفضول والرغبة في استكشافه. فلا توجد هناك دعوات تشجيعية، ولا محاولات لاستقطاب أتباع، ولا مزاعم بامتلاك قوى خارقة”.
أما فيما يتعلق بالمفاضلة بين التضرع طلباً للحب أو اللجوء إلى تطبيق إلكتروني للبحث عن شريك الحياة، تقول يودا: “يمكنك القيام بالأمرين معاً، فالروحانية اليابانية تقوم على الاحتواء لا الإقصاء”.
وترى يودا أن الصورة التي اكتسبها معبد إزومو تايشا كمكان مقدس للتوفيق بين شركاء الحياة ليست سوى نتيجة للترويج السياحي، وتقول: “عندما أسمع مصطلح (بقاع الطاقة)، غالباً ما أرفع حاجبي استغراباً”. لكنها في الوقت ذاته ترى أن هناك “لمسة من التلاعب الروحي” في هذا الترويج، وهو أمر تسمح به الروحانية اليابانية نظراً لمرونتها وشموليتها.
وأضافت: “في اليابان، لا تقوم الأديان على عقائد صارمة، بل تتناغم مع المجتمع المعاصر دون تعارض”.
يمكنك الذهاب إلى إزومو للتضرع من أجل العثور على شريك الحياة، لكن كن على علم بأن “ما يقدمه إزومو تايشا من روابط يتجاوز مجرد العثور على حب رومانسي”، كما تشير يودا، مؤكدةً على أن المعنى العميق والشامل لـ إنموسوبي “يتعلق بشبكة غير مرئية من الروابط الرمزية التي تربط بيننا جميعاً في شتى مناحي الحياة، بطرق غير متوقعة ومدهشة وساحرة”.