عادل بن رمضان مستهيل
adel.ramadan@outlook.com
في لقاء حاسم ضمن الجولة الثالثة من كأس خليجي زين (الكويت 26)، حقق المنتخب العماني تعادلًا مع نظيره الإماراتي، وهو التعادل الذي وصفه المتابعون بأنه “بطعم الفوز”، بالنظر إلى الأداء القوي الذي أظهره الفريق. في المقابل، خطف المنتخب الكويتي صاحب الأرض والجمهور بطاقة التأهل إلى نصف النهائي بعد تعادله مع المنتخب القطري، مستفيدًا من تفوقه بفارق النقاط.
بينما تمكنت المنتخبات التي اعتمدت على لاعبيها أبناء الوطن من تحقيق نتائج إيجابية والصعود إلى نصف النهائي، فإن بعض المنتخبات التي اعتمدت بشكل كبير على اللاعبين المجنسين واجهت صعوبات كبيرة. أثار ذلك تساؤلات حول فعالية سياسة التجنيس، وهل هي حقًا الحل السحري لتحسين الأداء الرياضي، أم أنها خيار سريع يحمل في طياته تحديات طويلة الأمد؟
لم تعد الرياضة مجرد ساحة للتنافس بين أبناء الوطن الواحد، بل أصبحت ميدانًا يعكس التحولات الثقافية والاجتماعية والسياسية. ومن بين الظواهر الأكثر إثارة للجدل في الساحة الرياضية اليوم، يأتي التجنيس كواحدة من القضايا التي تتصدر العناوين، سواء بالإشادة بقدرتها على تحقيق البطولات أو بالنقد الذي يصفها بتهديد للهوية الوطنية.
على مدى العقدين الماضيين، شهدنا قصص نجاح مذهلة لرياضيين مجنسين، سواء في كرة القدم، ألعاب القوى، أو غيرها من الرياضات. وفي بعض الدول، على سبيل المثال، أحدثت ضجة عالمية بتجنيسها لاعبين من مختلف الجنسيات لتحقيق إنجازات عالمية. هذه السياسة ليست جديدة، بل تعود لعقود مضت حينما استعانت دول أوروبية كبرى مثل فرنسا وألمانيا بلاعبين من أصول مهاجرة لتحقيق انتصارات باهرة في كأس العالم. لكن، ما يميز التجنيس اليوم هو كونه أصبح استراتيجية رسمية تُدار بمنهجية تامة، تستهدف اختيار المواهب العالمية ومنحها جنسية جديدة لتحقيق مجد وطني.
التجنيس يحمل في طياته فوائد جمة. أولاً، يساعد على سد الفجوات في فرق رياضية تعاني نقصًا في المواهب. وثانيًا، يساهم في تعزيز صورة الدولة على الساحة الدولية. فعندما يتسلم رياضي مجنس ميدالية ذهبية ويرفع علم بلده الجديد، يرسل ذلك رسالة قوية عن قدرات الدولة واحتضانها للمواهب العالمية.
وعلاوة على ذلك، يعد التجنيس محفزًا اقتصاديًا، إذ أن النجاح الرياضي ينعكس إيجابيًا على السياحة، الاستثمار، وحتى صناعة الرياضة المحلية. كما أنه يلهم الأجيال الصاعدة ويحفزها على بذل المزيد من الجهد لتحقيق النجاح.
ولكن، وكما لكل عملة وجهان، فإن للتجنيس جانبًا مظلمًا. أحد أكبر الانتقادات الموجهة للتجنيس هو التساؤل عن مدى ارتباط الرياضي المجنس بالدولة التي يمثلها. هل يمكن لولاء رياضي انتقل من جنسية لأخرى بين ليلة وضحاها أن يكون صادقًا؟ أم أن العلاقة مبنية على المصالح المادية والشهرة فقط؟
أيضًا، هناك من يرى أن التجنيس يهدد الهوية الوطنية، حيث يصبح الفريق الوطني خليطًا من الجنسيات، مما يقلل من شعور الانتماء لدى الجماهير. والأهم من ذلك، يشير النقاد إلى أن التجنيس قد يؤدي إلى إهمال تطوير المواهب المحلية، حيث تعتمد الدول بشكل كبير على شراء الكفاءات بدلًا من بناء قاعدة رياضية مستدامة.
وفي ظل هذا الجدل، يظهر سؤال: كيف يمكن للدول أن توازن بين تحقيق البطولات والحفاظ على هويتها؟
قد يكون الحل في وضع قوانين صارمة للتجنيس الرياضي، تتضمن شروطًا مثل إقامة الرياضي لفترة محددة في الدولة وإثبات ارتباطه بالمجتمع المحلي. وكذلك، يمكن أن يتم تعزيز برامج اكتشاف وتطوير المواهب المحلية لضمان وجود قاعدة وطنية متينة، مع استخدام التجنيس كأداة مكملة فقط.
ان التجنيس في الرياضة هي ظاهرة عالمية. وبينما يثير الجدل ويطرح تساؤلات أخلاقية، فإنه بلا شك ساهم في تحقيق إنجازات رياضية غير مسبوقة. ومع تطور الرياضة كصناعة عالمية، يبدو أن التجنيس سيظل جزءًا من المشهد الرياضي، لكن نجاحه الحقيقي سيعتمد على قدرة الدول على استخدامه بحكمة، بما يخدم مصلحة الرياضة دون التفريط في القيم والهوية الوطنية.
في الختام، يبقى السؤال الأهم: هل يمكن أن يصبح التجنيس وسيلة لدمج الثقافات وتوحيد الشعوب؟ أم أنه سيظل مجرد ورقة رابحة في السباق نحو البطولات والإنجازات الرياضية؟
*
alkas.com صـحيـفة الكــــأس الرياضــية
30 ديسمبر 2024م
29 جمادى الثاني 1446 هـ
العدد 2269