بقلم: مسلم بن أحمد العوائد
إن متابعة المقابلات المختلفة مع شهود كانوا فاعلين في مراحل معينة، ضمن أنظمة مختلفة، كشفت شهاداتهم عن الأحداث التاريخية السياسية والثقافية والاجتماعية والأمنية والاقتصادية وغيرها التي مرت بها تلك الأنظمة، يدرك خطورة مآلات الكلمات المشتركة التي برزت في معظم تلك الروايات، والتي يُعزى إليها، الأسباب الرئيسة للكوارث التي أصابت تلك الأنظمة.
من بين هذه الكلمات، على سبيل المثال لا الحصر: الفئوية والطائفية، إقصاء الكفاءات، فساد القضاء، التهم الملفقة، التعذيب، الفساد الإداري والمالي والقانوني، والتوظيف بناءً على الولاء بدلاً من الكفاءة. التعامل مع بعض مكونات الوطن بحقد كبير نتيجة لأحداث تاريخية مضى عليها مئات والآف الاعوام .
فعلى سبيل المثال، ورد في إحدى الشهادات، منع إمام مسجد من إقامة درس في التفسير، و بحسب الرواية، فُسِّر هذا المنع على أنه إقصاء لمجتمع الإمام وتجهيله، مما يؤدي إلى زعزعة الثقة بين المجتمع والسلطة العليا، وتهديد النسيج والسلم الإجتماعي على المدى البعيد،،، فمعظم النار من مستصغر الشرر”.
هذا قبل…
أما بعد…
مهما طغى أهل الظلم وتجبروا، ومهما طال أمد طغيانهم، سيأتي يوم تتحول فيه سطوتهم إلى ذل ووصمة عار، وستُكشف حينها خفايا وجرائم خطيرة، سواء ارتكبها مسؤولون كبار أو صغار، ممن نما ريشهم ومخالبهم بعد إقصاء أهل النصح والكفاء. هؤلاء ليس لهم اي حاضنة شعبية حقيقية، وكما هو معروف أن الحاضنة الشعبية، بعد توفيق الله، هي الركيزة الأساسية لبناء الحضارات والمجتمعات، فالمجتمع المتماسك والمتعايش يشكل درعًا حصينًا في مواجهة أي تحديات، بغض النظر عن نوعها وقوتها.
أخيرًا…
نشوة السلطة، وغياب الرقابة، وضعف القضاء، واقصاء الكيانات الصغيرة للكبيرة او العكس، واستبعاد الكفاءات وتقريب من هم أقل كفاءة و خبرة، بل ويُمنحون سوط السلطة وجزرتها، عندها، وكما كشفت الروايات والاحداث، تبدأ المجتمعات بالتفكك، وتضعف الروابط العامة، وتتسع الفجوة بين السلطة العليا والحاضنة الاجتماعية، التي تطلق حينها “سهام الليل” التي لا تخطئ ابدا، كما قال الإمام الشافعي رحمه الله:
“سهام الليل لا تخطئ ولكن… لها أمد وللأمد انقضاء، فيمسكها إذا ما شاء ربي… ويرسلها إذا نفذ القضاء.”.
ختامًا…
يستفاد من هذه الروايات ان استقرار الدول ونهضتها يعتمدان على تحقيق العدل وتكافؤ الفرص، بعيدًا عن أي تمييز مذهبي أو طائفي أو حزبي أو مناطقي. فأي إخلال بهذه المبادئ يعرض الدول للإنهيار، مهما بلغت قوتها . وهذا ما اكد عليه المؤرخ والفيلسوف ارنولد توينبي الذي درس الحضارات لمدة (٤١) سنة: يرى ان من اسباب سقوط الحضارات ضعف واضعاف الوحدة المجتمعية.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “أرأيتم إذا استعملت عليكم خير من أعلم ثم أمرته بالعدل، أكنت قضيت ما عليَّ؟” فقالوا: نعم. فقال: “لا، حتى أنظر في عمله، أعمل بما أمرته أم لا؟”.
يعني لابد من متابعتهم، وتوجيههم، ومحاسبتهم، وعزلهم إن لزم الأمر مباشرة وبدون تأخير.