عادل بن رمضان مستهيل
شهدت سلطنة عُمان خلال العقد الماضي ارتفاعًا ملحوظًا في حجم الديون السيادية نتيجة التحديات الاقتصادية العالمية والمحلية، أبرزها تقلبات أسعار النفط، وتداعيات جائحة كوفيد-19، والضغوط المالية الناتجة عن عجز الموازنة. ومع تولي السلطان هيثم بن طارق مقاليد الحكم في عام 2020، وضعت الحكومة استراتيجية مالية شاملة لمعالجة ملف الديون السيادية، مستندة إلى رؤية “عُمان 2040” التي تهدف إلى تحقيق تنمية مستدامة واقتصاد متنوع.
قبل عام 2020، اعتمدت سلطنة عُمان بشكل كبير على الاقتراض الخارجي والمحلي لتمويل عجز الموازنة، خاصة بعد انخفاض أسعار النفط في عام 2014. وقد لجأت الحكومة إلى أسواق السندات الدولية، القروض المصرفية، وتمويلات من منظمات إقليمية ودولية. ورغم نجاحها في تأمين التمويل، إلا أن ذلك أدى إلى زيادة نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي بشكل مقلق، مما أثر على التصنيف الائتماني للبلاد.
و مع تولي جلالة السلطان هيثم بن طارق – حفظه الله ورعاه – تم تبني نهج اقتصادي جديد يرتكز على ضبط الإنفاق، تحسين الإيرادات غير النفطية، وإعادة هيكلة الدين العام. وفيما يلي أبرز ملامح هذه السياسة:
1. برنامج التوازن المالي (2020-2024)
أطلقت الحكومة برنامج التوازن المالي بهدف تقليص العجز المالي تدريجيًا، من خلال:
إصلاحات ضريبية: مثل تطبيق ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5%، ومناقشة ضرائب جديدة على الشركات والأفراد ذوي الدخل المرتفع.
خفض الإنفاق العام: مراجعة ودراسة مشاريع البنية التحتية وتقليل الدعم الحكومي لبعض القطاعات.
تعزيز الإيرادات غير النفطية: عبر تنشيط القطاعات الاقتصادية الأخرى كالسياحة، اللوجستيات، والصناعة.
2. إعادة هيكلة الدين العام
إعادة جدولة الديون: تفاوضت الحكومة مع المقرضين لإعادة هيكلة بعض الديون وتمديد آجال استحقاقها لتخفيف الضغط المالي.
إصدار صكوك وسندات محلية: لجذب المستثمرين المحليين وتخفيض الاعتماد على الأسواق الدولية.
تنويع مصادر التمويل: من خلال جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وتقليل الاعتماد على الاقتراض.
3. تعزيز الشفافية المالية
ركزت الحكومة على تعزيز الشفافية في إدارة الدين العام، حيث أصدرت تقارير دورية عن أداء المالية العامة، ونشرت خططها لتقليص العجز والدين، مما ساهم في تحسين ثقة المستثمرين والمؤسسات الدولية.
4. دعم التصنيف الائتماني
رغم التحديات، ساعدت الإصلاحات المالية في تحسين نظرة وكالات التصنيف الائتماني لعُمان. فبعد خفض التصنيف في السنوات السابقة، أشادت وكالات مثل “فيتش” و”موديز” بالإصلاحات الهيكلية التي قامت بها السلطنة.
وبحسب تقارير وزارة المالية سنة ٢٠٢٤ م ، سددت سلطنة عُمان صكوكًا دولية مستحقة بنحو 700 مليون ريال عُماني أي ما يعادل 1.8 مليار دولار أمريكي، لينخفض حجم الدَّيْن العام من 15.3 مليار ريال عُماني بنهاية عام 2023م إلى 14.5 مليار ريال عُماني؛ ما أسهم في تراجع نسبة الدَّيْن العام إلى الناتج المحلي الإجمالي من 36.5 بالمائة بنهاية العام الماضي إلى 33.9 بالمائة خلال النصف الأول من العام الجاري.
نتائج الإصلاحات حتى الآن
خفض العجز المالي: سجلت السلطنة انخفاضًا ملحوظًا في عجز الموازنة خلال السنوات الأخيرة، مدعومًا بتحسن أسعار النفط وزيادة الإيرادات غير النفطية.
استقرار الدين العام: تراجعت وتيرة نمو الدين العام نتيجة تحسين إدارة الاقتراض وإعادة هيكلة الالتزامات المالية.
تعزيز الاحتياطيات: تمكنت الحكومة من تعزيز احتياطياتها النقدية بفضل الإصلاحات وإصدارات السندات الناجحة.
بالرغم النجاحات التي حققتها السلطنة في معالجة ملف الديون، إلا أن هناك تحديات لا تزال قائمة، مثل:
استدامة الإصلاحات: يتطلب تحقيق التوازن المالي استمرارية في تنفيذ الإصلاحات، خاصة في ظل التغيرات الاقتصادية العالمية.
تنويع الاقتصاد: ما زال الاقتصاد العُماني يعتمد بشكل كبير على النفط، مما يجعل الحاجة ملحة لتسريع عملية التنويع الاقتصادي.
زيادة المنافسة الإقليمية: مع دخول دول خليجية أخرى في سباق تنويع الاقتصاد، يجب على عُمان تسريع وتيرة جذب الاستثمارات وتعزيز تنافسيتها.
وختاما تمثل الديون السيادية تحديًا كبيرًا للسلطنة، لكنها نجحت في عهد السلطان هيثم بن طارق في وضع أسس مالية قوية لمعالجتها. ومع استمرار تنفيذ برنامج التوازن المالي ورؤية “عُمان 2040″، تبدو السلطنة على مسار مستدام لتحقيق استقرار اقتصادي طويل الأمد. ومع ذلك، فإن تحقيق هذا الهدف يتطلب التزامًا مستمرًا بالإصلاحات وسياسات مالية واقتصادية حذرة.