عبدالله بن محمد العبري
باحث في الاقتصاد السلوكي
mrabri@gmail.com
يُعد شهر رمضان في سلطنة عُمان فترة استثنائية تمتزج فيها الأجواء الروحانية مع النشاط الاقتصادي، حيث يزداد الإقبال على التسوق والإنفاق في مختلف القطاعات مثل المواد الغذائية، الملابس، الهدايا، والحلوى واللحوم وغيرها. ولكن، رغم العروض المغرية والتخفيضات الضخمة، يواجه المستهلكون في السلطنة العديد من التحديات مثل:
• زيادة الإنفاق بسبب العروض التسويقية.
• اتخاذ قرارات شراء متسرعة نتيجة الضغط الإعلاني.
• صعوبة إدارة الميزانية بسبب الإغراءات الاستهلاكية، وقلة الوعي بالتخطيط المالي.
• الازدحام في الأسواق وتأخر التوصيل في التجارة الإلكترونية.
. العادات والتقاليد في والحفلات والمناسبات الاجتماعية ودعوات الافطار والعشاء.
من خلال الاستفادة من مبادئ التأثير والإقناع التي قدمها عالم النفس روبرت سيالديني في كتابه الشهير “التأثير: سيكولوجية الإقناع”، يمكن للمستهلكين العمانيين اتخاذ قرارات مالية أذكى خلال رمضان، والتغلب على استراتيجيات التسويق التي قد تؤثر على سلوكهم الشرائي.
أبرز تحديات المستهلك في رمضان في سلطنة عُمان وحلول عملية
- الإنفاق الزائد بسبب العروض التسويقية الضخمة
كيف يستغل المسوّقون مبدأ “الندرة”؟
يعتمد المسوّقون على مبدأ الندرة (Scarcity) لإقناعك بأنك ستخسر الفرصة إذا لم تتخذ قرار الشراء فورًا، مثل العروض التي تحمل عبارات مثل:
• “عرض لفترة محدودة!”
• “متوفر بكمية محدودة – احجز الآن!”
• “آخر فرصة للحصول على التخفيض!”
الحل العملي:
• ضع قائمة مشتريات مسبقة والتزم بها قبل دخول السوق أو التصفح عبر الإنترنت، لتجنب الشراء العاطفي.
• لا تتسرع في اتخاذ القرار، فكثير من العروض الرمضانية تعود مجددًا في أواخر الشهر أو في مواسم التخفيضات الأخرى، لا تشتري سلتك في التطبيقات بل راجعها بعد ٢٤ ساعة و ٤٨ ساعة واحذف الشيء الذي لا تحتاجه.
• استخدم ميزانية محددة للنفقات الرمضانية وقسمها على الأسابيع الأربعة، بحيث لا تنفق كل شيء دفعة واحدة.
- اتخاذ قرارات شراء بناءً على آراء الآخرين (تأثير الدليل الاجتماعي)
كيف يتم التلاعب بك من خلال “الدليل الاجتماعي”؟
يرتكز التسويق الحديث على مبدأ الدليل الاجتماعي (Social Proof)، حيث ترى عبارات مثل:
• “أكثر المنتجات مبيعًا في عُمان!”
• “تم شراء هذا المنتج 1000 مرة خلال الأسبوع الماضي!”
• “شاهد تجربة هذا المؤثر الاجتماعي مع المنتج!”
هذه الأساليب تدفعك للشعور بأن الجميع يقومون بالشراء، مما يجعلك أكثر ميلاً لاتخاذ نفس القرار.
الحل العملي:
• تحقق بنفسك من جودة المنتج من خلال البحث عن المراجعات الحقيقية وليس فقط التقييمات الإيجابية على مواقع التسوق.
• لا تجعل الشراء قرارًا عاطفيًا فقط لأن الآخرين يشترون المنتج، بل اسأل نفسك: “هل أحتاجه حقًا؟”.
• استخدم مقارنة الأسعار بين المتاجر المختلفة، فبعض المتاجر ترفع الأسعار ثم تقدم تخفيضات زائفة.
- الانجراف وراء الهدايا والعروض الرمضانية بسبب مبدأ “المعاملة بالمثل”
كيف يجعلك التسويق تشعر بواجب الشراء؟
تعتمد الشركات على مبدأ المعاملة بالمثل (Reciprocity)، حيث تقدم لك شيئًا مجانيًا لتحفزك على الشراء، مثل:
• “تذوق مجاني لمنتج جديد!”
• “اشترِ واحدًا واحصل على الثاني مجانًا!”
• “هدية رمضانية مجانية مع كل طلب!”
بمجرد حصولك على هذه “الهدايا”، ستشعر بضرورة شراء المنتج بدافع رد الجميل.
الحل العملي:
• لا تشعر بالالتزام بشراء شيء لمجرد حصولك على هدية مجانية ابدا.
• قيّم فائدة المنتج بالنسبة لك قبل الانجراف وراء العروض المضللة.
• استفد من العروض فقط إن كانت تلبي احتياجاتك الفعلية، وليس فقط لأنك حصلت على هدية إضافية.
- ضعف القدرة على مقاومة استراتيجيات “الالتزام والاتساق”
كيف يجعلك المسوّقون تشعر بالالتزام بالشراء؟
يستخدم المسوّقون مبدأ الالتزام والاتساق (Commitment and Consistency)، حيث يجعلك تبدأ بخطوة صغيرة، ثم تجد نفسك مستمرًا في الشراء، مثل:
• “سجل مجانًا للحصول على كوبون تخفيض!” – خاصة Gym
• “اشترك في العروض الرمضانية وستحصل على هدية في كل طلب!”
• “ابدأ بشراء منتج واحد، واحصل على خصومات على المنتجات التالية!”
الحل العملي:
• كن حذرًا من الاشتراكات الدورية التي تبدأ مجانية ثم تتحول إلى مدفوعة دون أن تشعر.
• لا تجعل التخفيضات تدفعك لشراء منتجات إضافية فقط لأنك بدأت بالتسوق من متجر معين.
• ضع حدودًا واضحة للشراء ولا تستمر فقط لأنك بدأت بالفعل.
- العروض التي تستغل “مبدأ السلطة” لجذب المستهلك
كيف يؤثر عليك الخبراء والمؤثرون؟
يستغل المسوّقون مبدأ السلطة (Authority) لإقناعك بأن المنتج موثوق به لأنه موصى به من قبل:
• “أطباء التغذية ينصحون بهذا المنتج!” وأطباء الاسنان ينصحون بهذا المعجون.
• “خبير الاقتصاد يوصي بهذا الاستثمار خلال رمضان!”
• “هذا المنتج يستخدمه أشهر الطهاة!”
الحل العملي:
• لا تثق في كل توصية فقط لأنها تأتي من “خبير”، بل ابحث عن مصادر مستقلة تؤكد صحة هذه الادعاءات.
• لا تفترض أن المنتج الأغلى هو الأفضل، فالكثير من المنتجات البديلة تقدم نفس الجودة بسعر أقل.
• اعتمد على تجاربك الخاصة في تقييم المنتجات بدلاً من الاعتماد فقط على توصيات المؤثرين.
كيف تضع استراتيجية تسوق ذكية في رمضان؟
• حدد ميزانية أسبوعية والتزم بها حتى لا تجد نفسك منهكًا ماليًا مع نهاية الشهر.
• خطط لمشترياتك مسبقًا ولا تنتظر اللحظة الأخيرة حيث ترتفع الأسعار.
• لا تنجرف وراء العروض “الحصرية” والمحدودة، فقد تكون موجودة بطرق مختلفة لاحقًا.
• استخدم تطبيقات مقارنة الأسعار للعثور على أفضل العروض دون الوقوع في خدع التسويق.
• احذر من الضغط الإعلاني الذي يجعلك تشعر بأنك بحاجة إلى شراء المزيد.
الخلاصة
في سلطنة عُمان، مثل بقية الدول، يستغل المسوّقون المبادئ النفسية للإقناع لدفع المستهلكين إلى اتخاذ قرارات شرائية سريعة. ولكن إذا كنت مدركًا لهذه الأساليب، يمكنك التحكم في إنفاقك واتخاذ قرارات شراء أكثر ذكاءً. استخدم الوعي المالي والانضباط الذاتي لضمان أن يكون رمضان موسم بركة وسعادة، وليس موسم إنفاق مفرط وديون غير ضرورية.
رمضان كريم، وتسوّق بذكاء! 🌹