غزة
في 20 مارس/العمانية/ في غزة، حيث لا سماء تحمي ولا أرض تأوي، يمضي عدوان الاحتلال
الإسرائيلي بلا هوادة، يحصد الأرواح، ويترك خلفه جثثًا متناثرة تحت الركام.
وخلال
72 ساعة فقط، تحولت غزة إلى مقبرة مفتوحة، حيث ارتفعت حصيلة الشهداء إلى 591 شهيدًا
وأكثر من 1042 مصابا، ممن وصولوا إلى المستشفيات، في حين يبقى عدد غير معروف من
الضحايا تحت الأنقاض، حيث تعجز فرق الإنقاذ عن انتشالهم بسبب انعدام الوقود
وانهيار قدرات الدفاع المدني.
منذ
فجر الثلاثاء الماضي شنت طائرات الاحتلال مئات الغارات العنيفة على مختلف أنحاء
قطاع غزة، مستهدفة المنازل بشكل مباشر وبدون سابق إنذار، ولم تفرق الصواريخ بين
مسن وطفل، بين أم وأبنائها، بين جائع يبحث عن لقمة خبز وجريح ينتظر الإسعاف.
70بالمائة من الضحايا أطفال ونساء ومسنين، وهي إحصائية تكشف بوضوح
أن المدنيين هم الهدف الأول للعدوان الإسرائيلي في جريمة إبادة جماعية ممنهجة
تُرتكب أمام أعين العالم.
وفي
رفح، على أطراف المدينة التي كانت آخر ملجأ للفارين من المجازر، يقف عيسى حجازي
وسط الركام، يضم أطفاله السبعة، وعيناه تائهتان بين السماء والأرض. يقول : “القذائف والقنابل في كل مكان. لا نعرف أين نذهب. كنا قبل
اتفاقية إطلاق النار في مواصي خان يونس، ثم عدنا إلى رفح، لنجد منازلنا مدمرة. لا
نملك مكانًا نختبئ فيه، لا طعام، لا ماء، أعيل أسرة كاملة، لكن إلى أين أذهب بهم؟
الموت فقط هو الخيار الوحيد المتاح أمامنا”.
وفي
عبسان شرق مدينة خان يونس، لم يكن الحال أفضل، فالصواريخ سبقت السكان إلى بيوتهم،
وفرضت عليهم التهجير القسري.
ختام
أبو عودة، تحكي بصوت مخنوق من البرد والجوع: “طلب جيش الاحتلال منا إخلاء
المدينة، فهربنا إلى مواصي خان يونس. كنا نعيش في خيام، والآن نحن في العراء تحت
السماء. لا نملك شيئا، لا بطانيات، لا طعام. نحن صيام، ولا نجد حتى لقمة نسد بها
جوعنا. الموت يحيط بنا من كل مكان، والخوف لا يفارقنا”.
أما
محمد الآغا، فكان حديثه أشبه بالنداء الأخير قبل أن تضيع أصوات الناجين تحت أنقاض
غزة: “هربنا بأعجوبة من جنون القصف، لم نأخذ معنا شيئا. كل ما أردناه هو
النجاة بأرواحنا، لكن إلى أين؟ نحن الآن بلا خيمة، بلا طعام، بلا ماء. حتى الهروب
أصبح مستحيلا. هل يوجد أحد حكيم يوقف هذا الجنون؟ تعبنا من الركض من مكان إلى آخر،
تعبنا من التهجير، من فقدان بيوتنا وأحبابنا، من العيش في انتظار القذيفة القادمة.
كم من العائلات استُشهدت بالكامل؟ لم يبقَ لنا شيء. وكأننا ننتظر الموت فقط”.
ووسط
هذه المشاهد المروعة، يقف قطاع غزة على حافة كارثة إنسانية غير مسبوقة، المستشفيات
ممتلئة عن آخرها، تعاني نقصا حادا في الأدوية والمستلزمات الطبية، فيما يعمل
الأطباء تحت ظروف مستحيلة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. لا طعام، لا ماء، لا كهرباء، لا
وقود، ولا حتى أكفان تكفي لتكريم الشهداء الذين يزداد عددهم مع كل دقيقة تمر.
وبينما
تواصل قوات الاحتلال قصفها بلا توقف، يبقى المعبر الوحيد للمساعدات مغلقا، وكأن
العالم قرر أن يحكم على غزة بالموت البطيء، المنظمات الإنسانية تحذر، لكنها لا
تفعل شيئا. الدول تتحدث عن القلق، لكن القنابل تواصل السقوط.
في
غزة، لا مكان للحياد، فإما أن تكون ضحية تحت الأنقاض، أو ناجيًا ينتظر دوره في
المجزرة القادمة.
غزة
تستغيث.. والعالم يصم أذنيه مع استمرار القصف، واستحالة الوصول إلى المناطق
المنكوبة، تتزايد المخاوف من أن الأعداد الحقيقية للضحايا قد تكون أكبر بكثير مما
هو معلن، فرق الدفاع المدني تعمل بوسائل بدائية، فيما يبقى آلاف المفقودين تحت
الركام دون أي أمل في إنقاذهم.
/العمانية/
فهد الحضري
Source link