أخبار منوعة محلي
الدوحة في 26 ديسمبر /قنا/ تشكل المهرجانات الثقافية والفنية علامة فارقة في ركائز المشهد الثقافي في مختلف مجالاته، لما تعكسه من انتقاء لأنشطتها وفعالياتها، بالشكل الذي يجعلها تعود بالفائدة على الجمهور، وهو ما يثري بدوره المشهد الثقافي، كون الجمهور أحد أبرز العناصر المستهدفة من إقامة مثل هذه المهرجانات.
وفي هذا الصدد أكد مبدعون في تصريحات خاصة لوكالة الأنباء القطرية “قنا”، أن العدد الكبير الذي يشهده المشهد الثقافي القطري من مهرجانات، يعد أحد المكونات الأساسية لإثراء هذا المشهد، مشددين على ضرورة التنسيق بين المهرجانات، منعا لتشتيت الجمهور، وتجنب النمطية، وتكرار الفعاليات، بالشكل الذي يجعلها تحقق أهدافها.
وأكد الدكتور حسن رشيد ناقد مسرحي، أهمية الفعاليات الثقافية والفنية بالنسبة للواقع المعاش، لما تعكسه من مخرجات تنعكس على تنمية الوعي لدى أفراد المجتمعات، خاصة وأن الكثير من الدول تحرص عادة على إطلاق مهرجانات بهذا الخصوص، تحمل اسم عواصمها، انطلاقا من أهمية الثقافة، وتوظيفها كقوة ناعمة.
وقال: إن هذه النوعية من المهرجانات كلما كان لها بعدا يتجاوز حدود الجغرافيا، كلما كان تأثيرها أكبر، لما تحظى به من مشاركات خارجية، ينعكس تأثيرها على تبادل الخبرات، والتجارب المتنوعة بين مختلف المشاركين، ما يسهم بدوره في إنعاش الذاكرة، وصقلها بتجارب وتراكم ومخزون ثقافي وفني وفير.
وتابع: أن قيمة وتأثير هذه المهرجانات تتعاظم عندما تحمل نمطا نوعيا، على غرار المهرجانات التراثية، التي تنظمها المؤسسة العامة للحي الثقافي “كتارا” على سبيل المثال، مما يجعلها منصات مهمة، للتعريف بالإرث القطري الأصيل، سواء لزائري الدولة، حيث يتم تقديم عراقة التراث القطري التليد أمامهم، أو في أوساط الجيل الحالي، لغرس هذا الإرث بينهم، حفاظا عليه، وكذلك لتوريثه بين الأجيال المقبلة.
وأشار إلى أهمية انتقاء منظمي المهرجانات الثقافية والفنية لنوعية أنشطتها وبرامجها، حتى تتمكن من تحقيق نجاحات ملموسة، في مقدمتها استقطاب الجمهور، كونه المستهدف الأول من هذه المهرجانات، الأمر الذي يجعل من المهرجانات النوعية الجماهيرية ركيزة إضافية من ركائز النهوض بالمشهد الثقافي القطري.
وحول آلية التنسيق بين هذه المهرجانات، لتحقيق أهدافها، لفت الدكتور رشيد إلى أهمية أن يكون هناك تنسيق بين مختلف الفعاليات، لاسيما المهرجانات الثقافية والفنية، من خلال لجان مشتركة، تعمل على تحديد مواعيد إقامتها، علاوة على اختيار موضوعاتها، منعا لعدم تكرارها، أو تضارب أنشطتها ومحاورها، ومنعا كذلك لإهدار الجهود، وحتى لا يجد المتلقي نفسه في حالة من التشتيت، بدلا من العمل على استقطابه إليها، وتنمية وعيه بما تستهدفه هذه المهرجانات من رسائل وأهداف.
وبدوره، شدد صالح غريب الإعلامي والكاتب، على أهمية المهرجانات الثقافية والفنية لأي مجتمع، لدورها في تنمية الوعي لدى أفراد المجتمع، لاسيما وإذا كانت هذه المهرجانات متخصصة، تستقطب على إثرها شرائح نوعية من الجمهور.
وأوضح أن هناك على سبيل المثال مهرجانات مسرحية، يتم تصنيفها ضمن المهرجانات المتخصصة، التي تتوجه إلى شريحة بعينها من الجمهور، ممن لديه اهتمام بالمسرح، وأحيانا يمتد ذلك إلى قطاعات أوسع من الجمهور، والذي يحرص بدوره على المشاركة في المهرجانات الكبيرة، على نحو مهرجان الدوحة المسرحي، الذي يحتفي بالمسرح القطري، وتستقطب عروضه جمهورا لافتا.
ولفت إلى شكل آخر من أشكال المهرجانات الفنية المتخصصة، مثل “بيناليات الفنون التشكيلية” على غرار مهرجان “فريج الفن والتصميم”، وغيره من الفعاليات الفنية المتخصصة، التي تتوجه إلى قطاع معين من جمهور الفن التشكيلي، علاوة على شكل آخر من هذه النوعية من المهرجانات، ومنها المهرجانات الموسيقية، على نحو مهرجان الأغنية القطرية، والذي كان يحظى بمشاركة نجوم الطرب القطري والعربي، فكان يستقطب إثر ذلك قطاعا كبيرا من الجمهور.
وأضاف أن هناك أيضا نوعية من المهرجانات الشاملة، مثل مهرجان القرين في الكويت، ويماثله مهرجان الدوحة الثقافي، الذي كانت تنظمه وزارة الثقافة سابقا، وكان نموذجا للمهرجانات الشاملة، التي تضم فعاليات فنية وثقافية، سواء كانت غنائية، أو مسرحية، أو ندوات أدبية متخصصة، أو معارض تشكيلية.
كما شدد على أهمية مثل هذه المهرجانات الشاملة، التي تسد فراغا في نوعية المهرجانات المتخصصة، بما يجعلها فضاء لاستقطاب جمهور متنوع الذائقة الفنية، والاهتمامات الثقافية، وذلك انطلاقا من أن المهرجان الثقافي، يختزل معه العديد من أشكال ومجالات الإبداع المختلفة، وأنه على هذا النحو، فإن المشهد الثقافي القطري نجح في تنظيم فعاليات ثقافية، تأخذ أبعادا شاملة في محاورها، على غرار معرض الدوحة الدولي للكتاب، الذي أصبح منصة متكاملة، تقدم زادا ثقافيا متكاملا ، يلبي مختلف شرائح المجتمع.
وقال صالح غريب الإعلامي والكاتب: إن مثل هذه النوعية من الفعاليات، يجعلها متفردة، كونها تقدم للجمهور تنوعا ثقافيا وفنيا، وهو شكل بدأت تتجه إليه العديد من معارض الكتاب الدولية، بحيث لا يصبح معرض الكتاب سوقا لترويج الكتاب فقط، بقدر ما يصبح منصة شاملة لمختلف أشكال الإبداع، لإحداث التنوع المطلوب.
وتابع: أن هذا التنوع في تنظيم المعارض الثقافية والفنية، انعكس على تنوع المشهد الثقافي القطري، والذي يستقطب قطاعات جماهيرية كبيرة، وهو ما يحدث حالة من تنمية الوعي لدى أفراد المجتمع، الأمر الذي يخلق بدوره تفاعلا، يجعلها وجهة أيضا لجميع زوار قطر، فضلا عن زيارات المواطنين والمقيمين.
حول انعكاسات المهرجانات الفنية على الحركة التشكيلية القطرية، قال حسن الملا فنان تشكيلي في تصريح مماثل لـ/قنا/، إن أي حراك تشكيلي، سواء كان معرضا أو مهرجانا يعود بالفائدة على الحركة التشكيلية، كون هذه الفعاليات تثري الساحة بأعمال فنية جديدة، علاوة على مواكبتها لتطلعات الجمهور من أصحاب الذائقة الفنية، بجانب ما تخلفه من تراكم للخبرات بين الفنانين المشاركين.
وأضاف أنه لا يمكن تصور مشهد ثقافي، بدون مهرجانات أو معارض فنية، في ظل وجود جيل صاعد من الفنانين، لديه رغبة في عرض أعماله التشكيلية، مما يستدعي احتضان هذا الجيل، وعرض أعماله، عبر المهرجانات الفنية المختلفة، على غرار مهرجان “فريج الفن والتصميم”، الذي نظمته وزارة الثقافة مؤخرا.
ولفت الملا إلى أن مثل هذه النوعية من المهرجانات توفر بيئة خصبة للفنانين لعرض أعمالهم، وهو ما يسهم بدوره في الارتقاء بالمشهد التشكيلي المحلي، عن طريق رفده بأعمال فنية، إما بريشة جيل الرواد، أو ببصمة الجيل الصاعد من الفنانين، الذين هم بحاجة إلى مثل هذه المنصات، ليعبروا فيها عن أنفسهم، وما جادت به قرائحهم الإبداعية.
وأكد أنه من هذا المنطلق، تكتسب المهرجانات الفنية التي تتخللها معارض تشكيلية أهمية كبيرة، تستوجب على الفنانين المشاركة بأعمالهم فيها، على غرار أهمية مشاركتهم في المعارض الخليجية والعربية والعالمية، إذ أن الانطلاق من المحلية يعد بوابة للصعود إقليميا ودوليا، فضلا عن أهميتها في تعريف الجمهور بأعمال الفنانين، واطلاعه على تجارب فنية متنوعة، بغية اكتساب الخبرات، وتبادل الرؤى الفنية.
وفيما يتعلق بانعكاسات المهرجانات الثقافية والفنية على المشهد الثقافي العام، أكد الكاتب حمد التميمي، أن دولة قطر تمكنت في السنوات الأخيرة من أن تصنع لنفسها مكانة مميزة في المجال الثقافي وهو ما جعلها تعيش عصرها الذهبي في مجالي الثقافة والفنون، حيث يشهد هذا القطاع الحيوي زخما كبيرا على كافة الأصعدة، سواء من حيث الكم أو الكيف، ليصبح الحراك الثقافي في قطر نموذجا استثنائيا في المنطقة وهو ما جعل من قطر وجهة للمثقفين من جميع أنحاء العالم، وأدى ذلك إلى تعزيز مكانتها كعاصمة للثقافة العربية والخليجية.
وقال، إن الثقافة بشتى أنواعها وتجلياتها أصبحت جزءا لا يتجزأ من رؤية الدولة التنموية، والتي تهدف إلى تحقيق تنوع اقتصادي مستدام يعتمد على اقتصاد المعرفة والاعتماد بشكل أكبر على الإبداع البشري وأيضا جزءا من بنية واهتمامات المجتمع، وهو ما يؤكد التزام الدولة بتطوير هذا المجال باعتباره ركيزة أساسية لتحقيق رؤية قطر 2030.
وأضاف أنه من خلال هذه الرؤية التي تحققت معظم أركانها، استثمرت الدولة بشكل أكبر في تطوير أساسيات الثقافة والفن، لاسيما البنية التحتية الثقافية من خلال إنشاء عدد كبير من المشاريع الثقافية والفنية والتي تتمتع بوزن وشأن على المستوى العالمي على غرار متحف الفن الإسلامي الذي يضم أهم المقتنيات العالمية في الفنون الإسلامية ووثائق مهمة ونادرة حول التاريخ، وكذلك الحال في المؤسسة العامة للحي الثقافي “كتارا” التي أصبحت أحد أهم مراكز الفنون والفعاليات الثقافية، بجانب مكتبة قطر الوطنية التي تضم كنوزا معرفية، توفر بيئة محفزة للبحث والدراسات الرائدة، وبشهادة الجميع أصبحت هذه المشاريع مراكز إشعاع ثقافي وعلمي وفني ليس فقط على مستوى قطر، بل على مستوى المنطقة بأكملها.
وأشار التميمي إلى أن كل هذه المشاريع وغيرها ضاعفت من مكانة قطر الثقافية بإقامة الفعاليات والمهرجانات الثقافية التي تقوم بشكل دوري ومدروس وعلى مدار السنة، وهو ما أسهم في رفد الساحة الثقافية بمواهب مختلفة واعدة ومميزة أثرت المشهد الثقافي، موضحا أن الكتاب والأدباء القطريين حققوا مكانة مميزة في مجال الأدب بمختلف أجناسه وتفرعاته فقد استطاعوا أن يكون لهم حضورا لافتا في الساحة الأدبية العربية والعالمية.
وقال: “إن كل هذا الحراك الثقافي الكبير ساهم في بناء وعي ثقافي جماعي عميق، وعزز من التفاعل بين الثقافات المختلفة، وكان سببا مباشرا في جعل قطر حاضنة للمواهب المحلية، كما أسهم في نشر الفن والأدب في قطر، مما جعل الفن والثقافة يشهدان نقلة نوعية كبيرة على مستوى الإبداع والإنتاج، مؤكدا أن “كل هذه الجهود كشفت التزام قطر العميق بتعزيز الثقافة والفنون، وجعلها ركيزة أساسية في مسيرة تقدمها، حيث تركز على تطوير العنصر البشري وتنمية قدرات الأفراد في شتى المجالات الثقافية والفكرية”.