أخبار متنوعة محلية
الدوحة 14 أبريل /قنا/ تمثل الفنون بمختلف ضروبها أرقى أشكال التعبير عن طموحات الإنسان وعواطفه وأحلامه، وتجسيدا لدوره في إعمار الأرض ونشر المعارف وبناء مجتمع الكرامة والسلام والعدل.
ويحتفي العالم غدا السبت باليوم العالمي للفن، الذي يصادف الـ 15 من إبريل كل عام، بهدف النهوض بالعملية الفنية وتطويرها ونشرها والاستمتاع بها وتذوقها، وذلك منذ اعتماد المؤتمر العام لليونسكو في دورته الأربعين المنعقدة في العام 2019 اليوم العالمي للفن، الذي تتمثل رؤيته في توطيد أواصر الصلة بين أشكال الإبداع الفني والمجتمع، وإذكاء الوعي بتنوع هذه الأشكال، وتسليط الضوء على مساهمة الفنانين في تحقيق التنمية المستدامة.
وأكد فنانون تشكيليون ونقاد في تصريحات خاصة لوكالة الأنباء القطرية (قنا) أهمية اليوم العالمي للفن في إبراز التراث الفني والجمالي للأمم والشعوب، ودور الفنانين في توثيق واستلهام وعكس الحالة الحضارية للمجتمعات واستيعاب التحولات والتغيرات في المشهد الإنساني والتعبير عنها بأشكال جمالية.. كما نوهوا، من جهة أخرى، بالنهضة التي تشهدها دولة قطر في مجال الفنون، وجهود المؤسسات المعنية بالثقافة في رعاية الإبداع والمبدعين، وقدرة الفنانين على تطوير أدواتهم وأساليبهم والاستجابة لتحديات العصر.
وفي هذا السياق أكد الفنان التشكيلي سلمان المالك أهمية وضرورة الرهان على الثقافة بمعناها الشامل، والفنون البصرية والإبداع التشكيلي على وجه الخصوص، وأهمية اليوم العالمي للفن في إبراز التراث البصري الفني بمكوناته المادية وغير المادية في الحضارات الإنسانية، ودور الفنان في توثيق واستلهام وعكس الحالة الحضارية للمجتمعات منذ فجر التاريخ.
وقال إنه “لولا الفن والفنانين لما تعرفنا على ملامح الحياة القديمة”، فقد وثق الفنانون تفاصيل تلك الحياة على جدران الكهوف وفي الخزف والمشغولات اليدوية، مثلما وثق الفنانون لعصور النهضة والعصور الحديثة من خلال أعمال ظلت شاهدة على مر الدهور والأزمان.
ونوه المالك بالنهضة الفنية الشاملة في المجتمع القطري واهتمام مؤسسات الدولة برعاية الفن والفنانين من خلال الجهود التي تقودها متاحف قطر، حيث تحولت البلاد إلى متحف مفتوح للإبداع، من خلال تعزيز ثقافة الفنون البصرية في المجتمع، وإرساء الفنون في كل بقعة من بقاع الدولة خلال استضافة بطولة كأس العالم FIFA قطر 2022، بمشاركة فنانين قطريين وعالميين أبدعوا منحوتات وتحفا ولوحات فنية استلهمت ثقافة المجتمع القطري، وأبرزت احتفاء دولة قطر بالتنوع الثقافي على أرضها واهتمامها بالفنون العالمية.
وقال إنه كان له الشرف بالمشاركة في هذا الجهد من خلال مجسمين فنيين هما “الجساسية” و”توب توب يا بحر” وقد استلهما كليهما من التراث الاجتماعي القطري.
وأشار الفنان سلمان المالك إلى أن الاهتمام بالفن والفنون يمثل مقياسا لاهتمام الدولة بالإنسان، ويبرز في نفس الوقت أهمية الفنان في مجتمعه كصانع للجمال ومعبر عن روح وأحلام وطموحات المجتمعات والشعوب والأمم، مما يعزز الدور الوظيفي للفنان ويؤكد أهمية بذل مزيد من العناية والرعاية للفنون، بحيث تصبح الفنون جزءا أساسيا من حاجاتنا اليومية، ومطلبا روحيا من مطالب الناس، يتم تلبيته من خلال مزيد من المعارض الفنية وإشاعة حب الفنون والإبداع في المجتمع.
ومن جانبه، أوضح الفنان التشكيلي العراقي إسماعيل عزام أن مفهوم الفن يتطور، وأدوات الفنان تتطور وتتجدد على مر الأزمان والعصور، مما يعكس قدرة الإبداع على استيعاب التغيرات الاجتماعية والتحولات الثقافية للمجتمعات والأمم، وقدرة المبدعين على تطوير أساليبهم في التعبير بالفن والجمال عن هذه التغيرات وتلك التحولات.
وأكد عزام أن أهم التحديات المعاصرة، تتمثل في الاعتراف بحق كل جيل فني في تطوير أدواته وأساليبه بما يناسب عصره، ومنها الانتقال من الأدوات التقليدية إلى عصر الديجيتال والعالم الافتراضي والأدوات التعبيرية المرتبطة به.
وأشار إلى أن الاحتفال باليوم العالمي للفن هذا العام يأتي في ظل ظروف وأحوال اجتماعية وثقافية وسياسية متغيرة، ألقت بظلالها على العالم، مثل الجوائح والحروب والتغيرات البيئية والسياسية التي أثرت على الفن والإبداع عموما والفنون البصرية خصوصا، ولكن الفنانين ظلوا يحملون شعلة الأمل والطموح ويعبرون عن تطلعات الإنسان في العدل والسلام والكرامة.
كما نوه الفنان إسماعيل عزام بالنهضة في مجال المتاحف والفنون والثقافة في قطر، وثراء المعارض الفنية والبرامج الإبداعية التي تنظمها متاحف قطر والتي تمثل احتفاء مستمرا بالفن والإبداع.
وأكد أن الورش الفنية التي يشرف عليها في متحف الفن الإسلامي ومتحف: المتحف العربي للفن الحديث والمستمرة منذ أكثر من خمس سنوات، ضمن البرامج التعليمية لمتاحف قطر، جسدت نموذجا لعلاقة المتحف والمجتمع وتحفيز الإبداع وتبادل الخبرات وزيادة الوعي بالفن الحديث والمعاصر، حيث يستكشف المشاركون فيها تقنيات جديدة في الرسم وفنون البورتريه باستخدام مختلف الخامات، وقد أسهمت هذه الورش من خلال التدريب والتمرين العملي وتبادل وجهات النظر في تعزيز وتجديد الحوار الفني والفكري في مجتمع متعدد الجنسيات، كما عززت التمازج الجميل بين الثقافة المحلية والعالمية.
من جهته، أكد الناقد الفني المصري الدكتور خالد البغدادي أهمية دور الفن في إحداث نقلة نوعية في المجتمع، باعتباره حالة من الشغف الدائم بكل تفاصيل الحياة، وضرورة أن تتم التربية في ضوء التراث الثقافي الخاص بكل مجتمع حتى ينمو ويرتقي، وفي ضوء التقبل العام لهذا المجتمع ووعيه بأهمية الفنون، على أن يتم كل ذلك من خلال أفق واسع للتلقي يتسم بالمرونة والتنوع الثقافي والجمالي.
وقال: “في هذا السياق يجيء احتفاء اليونسكو باليوم العالمي للفن، ليلفت نظر العالم أجمع إلى أهمية الفنون في حياتنا المعاصرة، وأن الفنون ليست مجرد ترف أو شيء مكمل بل ضرورة من ضروريات الحياة للإنسان المعاصر”.
وشدد البغدادي على دور الفنون في الارتقاء بالتفكير والوعي والحس الإنساني، وأهميتها في تنشيط الخيال وتجديد طاقات العقل، وكذلك الشعور بأن الحياة جميلة، وأن التربية الجمالية التي تستعين بالثقافة والفنون وبكل عناصر الجمال في الطبيعة هي تربية ضرورية في تنشيط الإبداع والتكيف مع ظروف الحياة وتحسين الواقع مما سينعكس بالضرورة في شكل إيجابي على حياة الأفراد والمجتمع بشكل عام. وقال : “ولعل هذا ما دفع الفيلسوفة سوزان لانجر للتأكيد على أن مجتمعا قويا باستعداداته الحربية وإمكانياته الاقتصادية ولكنه مفتقر إلى النشاط الفني، هو مجتمع ضعيف بالقياس إلى أدنى قبيلة بدائية تضم بين جوانبها مصورين وراقصين ونحاتي تماثيل”.
وأوضح البغدادي أن ارتباط الفن بالإنسان هو ارتباط وثيق ومتواصل، حيث صاحب الفن الإنسان في رحلته الطويلة عبر المجهول والظلام والخوف، حتى انتقل عبر تاريخه الطويل من صراع الغابة إلى ضجيج المدنية الحديثة، معبرا من خلال الفن عن معتقداته الدينية وحياته الاجتماعية، بل ومعبر أيضا عن الجوانب المجهولة من النفس الإنسانية بما فيها من أحلام وآمال ورغبات. فالأعمال الفنية هي رسائل عابرة للتاريخ.. وللجغرافيا أيضا، حيث يحمل كل عمل فني خصائص عصره الثقافية والاجتماعية والسياسية وينقلها من زمن الى آخر.
وأشار الدكتور خالد البغدادي إلى أهمية الفنون باعتبارها لغة عالمية، مقتبسا رأي المفكر إدوارد سعيد، عندما أكد أنه لا توجد ثقافة نقية مئة بالمئة، فكل الثقافات قد أخذت من بعضها، والثقافة الحية القوية هي التي تؤثر وتتأثر أما الثقافات التي تنغلق على نفسها ولا تتفاعل مع متغيرات العصر فإنها تندثر وتموت.