BBC العربية
بعد نحو ثماني سنوات من الصراع، يعود الملف اليمني ليتصدر المشهد السياسي مع التقارب السعودي-الإيراني من أجل التوصل إلى هدنة بين الحوثيين والسعودية.
وفي هذا الإطار التقى وفد سعودي بجماعة أنصار الله الحوثية بوساطة عُمانية في صنعاء في محاولة للوصول إلى تفاهمات توقف إطلاق النار بشكل كامل.
ويقود التحالف العربي بقيادة السعودية حملة عسكرية واسعة ضد الحوثيين منذ عام 2015 في اليمن دون أن يحقق نتائج تذكر.
ويدعم التحالف العربي القوات الموالية للحكومة اليمنية المعترف بها دوليا على الأرض ورغم ذلك لا يزال الحوثيون يسيطرون على مساحات شاسعة من اليمن ويشمل ذلك جل ما كان يعرف باليمن الشمالي على الرغم من الحصار البحري والجوي المفروض عليهم.
وطوّر الحوثيون قدراتهم العسكرية إلى حد بعيد خلال السنوات القليلة الماضية إذ شنوا هجمات بواسطة طائرات مسيرة وصواريخ بعيدة المدى على أهداف في عمق السعودية وصولاً إلى الإمارات.
من هم الحوثيون؟
انبثقت الحركة الحوثية من رحم الصراع المسلح مع الحكومة المركزية في اليمن، لكن جذورها العقائدية تعود إلى كونها جزء من المذهب الزيدي، أحد امتدادات الإسلام الشيعي، الأقرب من الناحية الفقهية إلى الإسلام السني.
يتسم المذهب الزيدي تاريخيا بطابع التمرد على الظلم والذي يعرف في أدبياته باسم “الخروج على الحاكم الظالم” وتعود جذوره إلى ثورة زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، في الكوفة، ضد الحكم الأموي في القرن الثامن الميلادي ومقتله على يد والي الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك.
ولعبت عوامل كثيرة ومتداخلة في تبلور الظاهرة الحوثية، منها العقائدي والسياسي والتاريخي والجغرافي ومنها ما هو مطلبي يتعلق بحقوق السكان في المناطق ذات الغالبية الزيدية.
“الشباب المؤمن”
بدأت تلك الظاهرة في أطوارها الأولى في بداية التسعينيات مع تشكيل أول حركة باسم “الشباب المؤمن”، مدفوعة بواقع التهميش الذي تعاني منه مناطق الزيديين الذين تقدر نسبتهم بحوالي 35 إلى 40 في المئة من سكان اليمن. واتخذت الحركة في بادئ الأمر طابعاً فكرياً عبر التركيز على البحث والتدريس ضمن إطار المذهب الزيدي.
ولفتت الحركة الأنظار إليها أكثر بعد تزايد نشاط الشبان المنخرطين في صفوفها حيث كانوا يقومون بترديد هتافات “الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل” خلال صلاة الجمعة في المساجد. تعاملت السطات معهم ببعض الليونة إذ كانت تعتقلهم وتطلق سراحهم بعد فترة قصيرة ويعودون إلى نشاطهم السابق.
وارتبط الزعيم الأول للحركة حسين بدر الدين الحوثي، ابن رجل دين زيدي بارز، في بداية مسيرته السياسية بحزب سياسي صغير كان يعرف باسم “الحق” وفاز هذا الحزب بمقعدين في برلمان اليمن في انتخابات 1993، وشغل حسين أحدهما خلال الفترة ما بين 1993 الى 1997.
وبعد 11 سبتمبر/أيلول 2001 وما تلاه من أحداث كغزو العراق اتبع حسين الحوثي، نهجا فكريا جديدا جمع بين “إحياء العقيدة” و”معاداة الإمبريالية” متأثراً بالأفكار العامة للثورة الإسلامية في إيران.
فاتسع نطاق نشاط “الشباب المؤمن” الذي كان في البداية يقتصر على الدفاع عن حقوق أبناء منطقة صعدة، ليشمل تقديم خدمات اجتماعية وتعليمية واكتسب طابعا سياسيا أكثر وضوحا وحدة تمثل بمعارضة حكم الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح.
التحول
تحولت الحركة إلى تنظيم مسلح في عام 2004 في غمرة المواجهات مع القوات الحكومية، وهو العام الذي قتل فيه حسين الحوثي ليخلفه شقيقه الأصغر عبد الملك في القيادة.
اتخذت الحركة أسماء مختلفة حتى استقرت في النهاية على اسم “أنصار الله”.
ورغم أن الزيديين حكموا اليمن عبر التاريخ حتى الإطاحة بحكم الإمام في شمالي اليمن عام 1962، ظل معقل الحوثيين البعيد عن سطلة الحكومة المركزية في صعدة مهملا ومهمشا مما اضطر أبناء المنطقة إلى الاعتماد على الذات في إدارة المنطقة وبناء ما أمكن من بنية تحتية بمواردهم الذاتية.
وترى الباحثة البريطانية في الشأن اليمني شيلا وير أن هناك سببا آخر لبروز الظاهرة الحوثية في اليمن، وله علاقة مباشرة بانتشار الجماعات السلفية والوهابية وتزايد نفوذها في اليمن ووصولها حتى إلى معاقل الحوثيين، مما شكل تهديدا للنسيج الاجتماعي والديني الراسخ في المنطقة.
وتقول وير “حتى ثمانينيات القرن الماضي كانت جبال صعدة زيدية خالصة وتسيطر عليها طبقة من “السادة” تبلغ نسبتها 5 في المئة من السكان، لكن في تسعينيات القرن الماضي برزت ظاهرة السلفية في معقل الحوثيين وتسببت بإحداث شرخ واضح في المجتمع المحلي وكان ذلك بدعم وتمويل من المسؤولين اليمنيين بمن فيهم الرئيس علي عبد الله صالح ورجال أعمال يمنيين وسعوديين”.
ندوب عميقة
خاضت الحركة صراعا مسلحا مع حكومة صالح، وتركت الحروب الست ما بين عامي 2004 و2010 في مناطق انتشار الحوثيين في الشمال ندوباً عميقة فيها. وقاتلت السعودية الحوثيين عام 2010 إلى جانب قوات الحكومة اليمنية.
لا يعرف العدد الحقيقي لضحايا الحرب الأخيرة خلال عامي 2009 و2010، والتي أطلقت عليها الحكومة عملية “الأرض المحروقة”، بسبب التعتيم الإعلامي عليها، لكنها أدت إلى تشريد عشرات الآلاف وتسببت بأزمة إنسانية كبيرة.
شارك الحوثيون بكثافة في المظاهرات المناهضة لحكم صالح خلال عام 2011 وكانوا طرفا أساسيا في جلسات الحوار الوطني.
ومثّل سقوط حكم صالح عام 2012 فرصة ثمينة للحوثيين لتعزيز موقعهم ونفوذهم في اليمن، خاصة بعد أن تحول بعض أنصار عدوهم اللدود صالح إلى مناصرين لهم من الناحية العسكرية.
عام 2014 زحف الحوثيون على العاصمة صنعاء واحتلوها بعد إلحاق الهزيمة بقوات الجنرال علي محسن الأحمر وقوات صالح، وفرضوا سيطرتهم على مؤسسات ودوائر الدولة.
في أوائل 2015 حاصروا القصر الجمهوري وفرضوا الإقامة الجبرية على الرئيس عبد ربه هادي وأعضاء الحكومة. وبعدها بشهر تمكن هادي من الفرار من الإقامة الجبرية، ووصل إلى جنوبي اليمن وانتقل لاحقا إلى السعودية.
تحالف الحوثيون وعدو أمس- على عبد الله صالح- في مسعى لبسط سيطرتهم على جميع أنحاء اليمن.
لكن السعودية التي اتهمت مرارا إيران بدعم الحوثيين شعرت بالقلق الشديد من هذا التحالف ومساعيه للسيطرة على اليمن، فباشرت بحملة قصف جوي في إطار العملية العسكرية المعروفة باسم “عاصفة الحزم” لإرغام الحوثيين على الموافقة على عودة هادي إلى دفة الحكم وهو ما فشلت الحملة في تحقيقه حتى الآن.
تسببت الحملة العسكرية السعودية بدمار كبير في مختلف أرجاء اليمن الذي كان يعتبر من أفقر الدول حتى قبل انطلاق حملة القصف الجوي إضافة إلى أزمة إنسانية حادة.
انهار تحالف الحوثيين وصالح، الذي قتل على يد الحوثيين وهو يحاول الفرار من صنعاء، في شهر ديسمبر/كانون الأول 2017.
لكن يبدو أن السعودية قد أقنعت اللاعبين الرئيسيين في الحكومة الائتلافية اليمنية بالموافقة على وقف إطلاق النار، وذلك في سياق محادثات مع الحوثيين حول مستقبل العملية السياسية في البلاد.
والتقى مسؤولون سعوديون مع الحوثيين، في حضور وسطاء من عمان، في التاسع من أبريل/ نيسان 2023 في العاصمة اليمنية، صنعاء، التي يسيطر عليها الحوثيون.
وقد أثارت هذه المحادثات السعودية-الحوثية، التي تحدث للمرة الأولى بشكل علني، تساؤلات عدة عما إذا كانت ستُنهي حرب اليمن بعد ثماني سنوات من اندلاعها.