/العمانية/
بيروت في 11 مارس /العُمانية/ يحاول الباحث الأردني نبال الخماش من خلال كتابه “الذاكرة المغيبة” التعرف على خصائص السلوك السياسي للمجتمع الفلسطيني في الفترة الممتدة بين الحربين العالميتين الأولى والثانية (1914-1945).
واتخذ المؤلف من الشهادات النابعة من أبناء المجتمع الفلسطيني مصادر لتدويناته ومقاطعه الدالّة، إذ قُدِّر للشخصيات التي استند إلى كتاباتها أن تعايش المحطات التي يشملها البحث زمنيًّا، وأن تشهد أحداثها، بينما قُدِّر لآخرين المشاركة في صناعة تلك الأحداث بشكل أو بآخر.
ويوضح الخماش في كتابه الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، أن هؤلاء دوّنوا في سيرهم الذاتية ويومياتهم ومذكراتهم الشخصية، خلاصة تجربتهم ومعايشتهم تلك، والانطباعات والمدركات التي تشكّلت في أذهانهم نتيجة تلك المشاهدات،. مشيراً إلى أن مجموع الأعمال الذاتية التي اعتمد عليها في عملية رصده، بلغت 49 عملاً، وجميعها مطبوعة، وأعيد نشر بعضها أكثر من مرة.
يضم الكتاب ستة فصول تتوزع على 488 صفحة، عالج الفصل الأول تفاعلات الجمهور الفلسطيني مع الأحداث السياسية التي عصفت بالمنطقة خلال الحرب العالمية الأولى، وأظهرت وفرة الشواهد الذاتية تفاعُلَ غالبية المكون الفلسطيني واحتفاليته بانتقالية المرحلة من العهد التركي إلى الحكم البريطاني، ذلك التفاعل الذي جنح في بعض جوانبه إلى المبالغة في استقبال القوى الغازية، التي كان يُنظر إليها بأنها قوة داعمة ومحررة للكيانات العربية، في فلسطين وسائر أرجاء المشرق العربي.
ويلفت الباحث إلى أن الجمهور الفلسطيني سرعان ما أصيب بخيبة أمل وهو يرى أحلامه في التحرر أو الالتحاق بالإقليم المشرقي تتهشم أمام المخطط الاستعماري الذي يعتمد على التفتيت والتجزئة، وتفاقمت مخاوف الإنسان الفلسطيني وهو يعاين سلسلة من الإجراءات والتدابير التي أقرتها سلطات الانتداب بهدف تنفيذ وعدها لليهود بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين؛ عندئذ، أخذت حوارات ونقاشات سياسية داخل المكون الفلسطيني بالظهور لأول مرة، حول استبدال حكم آخر بالحكم البريطاني، وإلحاق فلسطين بكيانات مشرقية مجاورة.
وبحث الفصل الثاني في البدائل التي تباحث حولها الفلسطينيون والتي أُجهضت بعد صدور صك الانتداب على فلسطين عام 1921؛ فبعد إقرار الصك، أخذ الفلسطينيون بالتعامل مع الانتداب بصفته أمراً واقعاً، لتتضخم عند تلك اللحظة مظاهر التوظيف المتبادل بين القوة الاستعمارية والسكان المحليين، وعلى وجه الخصوص المجموعة النخبوية من المجتمع، وغدا عنوان تلك المرحلة “تبادل جني الفوائد بين المستعمِر والمستعمَر”.
ومن وحي تلك العلاقة كانت المعالجة الناقدة في الفصل الثالث، فبينما استطاع عدد وافر من أعضاء المكون النخبوي من جني فوائد عدة بوجود سلطة الانتداب، إلا أن تلك المجموعة الوطنية فشلت في صياغة قواعد وأسس لمنطلقات عمل وطني ينهض بالمجتمع المحلي ويؤهله في مواجهة التحديات والأخطار المحدقة، لتأخذ النسبة الغالبة من الجهد السياسي الوطني في تلك الفترة صفة المساومة والمهادنة مع السلطات المحتلة.
ويعالج الفصل الخامس أعمال المقاومة ضد الإنجليز والمجموعات اليهودية، وتأثيرات تلك الأعمال داخل المجتمع الفلسطيني. بالمقابل تناولت شهادات معاصرة – بالنقد حيناً وبالتبرير أحياناً أخرى – ظاهرة إقبال أعداد غفيرة من أبناء الفلسطينيين على التسجيل في الجيش البريطاني كمجندين للقتال في صفوفه أثناء الحرب العالمية الثانية.
ويعالج الفصل الأخير من الكتاب ظاهرة الهجرة الطوعية للفلسطينيين كلّما عمت البلاد حالة من الفوضى وعدم الاستقرار؛ إذ تناول بعض أصحاب المذكرات التي اعتمد عليها الباحث، ظاهرة مغادرة ما لا يقل عن أربعين ألف فلسطيني بلادهم بين فترة الثورة الكبرى وبداية الحرب العالمية الثانية، في الوقت الذي كانت هجرة اليهود إلى فلسطين تشهد فيه زخماً على نحو غير مسبوق. ناهيك عن مغادرة ما لا يقل عن خمسين ألف فلسطيني موطنهم إلى أنحاء متفرقة في العالم بحثاً عن سبل أفضل للعيش.
/العمانية /النشرة الثقافية /طلال المعمري