BBC العربية
- سامي جروان
- بي بي سي عربي
لا تقف أزمة تسريب الوثائق في الولايات المتحدة عند القبض على من يقف وراءها عادة، فالقضية لها أبعاد تزيد الأمر تعقيداً وتقوم على عدة محاور، كالتوقيت، والأطراف المعنية بالتسريبات ومدى حساسيتها.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، لا يمكن تصنيف المعلومات الواردة في “تسريبات البنتاغون” الأخيرة حول مكامن الضعف والقوة لدى كل طرف في الحرب الروسية الأوكرانية على أنها بذات أهمية تلك التي تتحدث عن الضغوط الصينية على الأردن للعمل مع “هواوي” على تركيب أبراج تشغيل خدمة ال 5G!
لذلك ورغم أن التاريخ الأمريكي الحديث حافل بتسريبات الوثائق، إلا أن عنصر التوقيت في التسريبات الأخيرة هو الأهم والأخطر حسب رأي العديد من الصحف، نظراً لأن المعلومات المسربة الأبرز تتعلق بحري ما زالت قائمة، وقد تغير من مسار الأحداث.
وفيما يلي أبرز التسريبات التي شهدتها الولايات المتحدة.
ووترغيت
رغم مرور خمسين عام تقريبا على “فضيحة ووترغيت”، لكنها ما زالت تشكّل ندبة في وجه التاريخ الأمريكي الحديث، إذ أنها قادت لأول استقالة رئيس أمريكي في تاريخ البلاد، وأدت إلى إدانة مسؤولين كبار في البيت الأبيض وأجهزة أمنية أخرى في البلاد.
وظهرت “الفضيحة” بعداكتشاف أجهزة تنصت كان قد وضعها الجمهوريون في مكاتب الحزب الديمقراطي داخل مبنى ووترغيت بواشنطن، وتسجيل 65 مكالمة لأعضاء الحزب، وتضخمت القضية إلى أن طالت أشخاصاً على علاقة بوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، وانتهت بإدانة آخرين بتهمة التجسس والسرقة.
وفي البداية أدين خمسة أشخاص اتهموا بأن لهم علاقة بوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إي)، كما أدين شخصان آخران في القضية بتهمة “التجسس والشروع في السرقة، إلى أن وصلت للرئيس نيكسون الذي رفض التعاون مع لجنة التحقيق بدايةً والإفصاح عن التسجيلات ومن ثم محاولة مسحها، فأقرت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية استخدام الرئيس سلطته التنفيذية، وأدانت 48 شخصاً آخرين، ما دفع بنيكسون لاحقاً للاستقالة، كأول حالة من نوعها.
فضيحة التعذيب في سجن أبو غريب
عام 2004، وصل الصحفي الاستقصائي الأمريكي سيمور هيرش إلى “تقرير تاغوبا”، وهو خلاصة تحقيق داخلي سري للجيش الأمريكي حول الانتهاكات المرتكبة ضد السجناء العراقيين في سجن أبو غريب، وسمي التقرير بذلك نسبة للواء أنطونيو تاغوبا، الذي قاد عملية التحقيق.
وأظهر التقرير صور سجناء عراة وهم يعاملون بطريقة مهينة وتقودهم جندية أمريكية بحبل وانتشرت في جميع أنحاء العالم، بالإضافة لعديد من الصور التي توثق تعذيب المعتقلين، واستمرت الدعاوى القضائية ضد متورطين بتعذيب السجناء أو المشاركة في ذلك لأكثر من اثنتي عشر عاماً،
وجاء نشر هذه الصور ليلة السادس من فبراير/شباط 2016 بعد مرافعات قضائية استمرت 12 عاما، منذ تفجر فضيحة سجن أبو غريب في العراق عام 2004، ونشرت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) 198 صورة تظهر التعذيب الوحشي الذي مارسته القوات الأميركية ضد المعتقلين في العراق وأفغانستان، إلا أنه امتنع عن نشر مئات الصور الأخرى.
وثائق ويكيليكس
تعتبر تسريبات ويكيليكس من أكثر الاختراقات خطورة بالنسبة لوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكة، ففي عام 2010 تعاون برادلي مانينغ وهو محلل بيانات في المخابرات الحربية الأمريكية مع مؤسس موقع ويكيلكس الأسترالي جوليان أسانج، حيث حصل مانينغ على آلاف الوثائق السرية من أجهزة كمبيوتر رئيسية خاصة بالجيش، واتهم أسانج بالتآمر معه للوصول إلى معلومات في أجهزة الكمبيوتر الخاصة بوزارة الدفاع الأمريكية.
وكشفت هذه الوثائق الحربية عن قتل الجيش الأمريكي مئات المدنيين دون الإبلاغ عن ذلك أثناء حرب أفغانستان.
كما كشفت وثائق تتعلق بحرب العراق عن مقتل 66 ألف مدني، أكثر من الرقم الذي أشارت إليه التقارير التي ظهرت قبل نشر وثائق ويكيليكس، كما كشف التسريبات عن تعذيب السجناء على أيدي القوات العراقية.
وتضمنت تلك الوثائق أيضا 250 ألف رسالة من دبلوماسيين أمريكيين أشارت إلى أن الإدارة الأمريكية أرادت الحصول على معلومات “شخصية وحيوية”، من بينها بصمات الأعين، وعينات الحمض النووي، وبصمات الأصابع، لمسؤولين مهمين في الأمم المتحدة.
وفي مارس/أذار 2011، وجه الجيش الأمريكي 22 تهمة لمانينغ، تتعلق بحيازة غير قانونية لأكثر من 720 ألف وثيقةٍ دبلوماسيةٍ وعسكريةٍ سريةٍ وتوزيعها.
وثائق “سنودن”
إدوارد سنودن، محلل نظم وعميل استخبارات أميركي سابق، وتقني معلومات سابق في وكالة الأمن القومي الأميركي، تعرف خلال عمله مع الوكالة على أبعاد عمل وكالات الاستخبارات والتجسس، وتمكن من الوصول لعدد هائل من الوثائق الأمريكية بالغة السرية، مثل البرنامج الأميركي لمراقبة اتصالات الهواتف والإنترنت “بريزما” ونظيره البريطاني “تيمبورا”
عام 2013، فر سنودن إلى هونغ كونع وسرب من هناك تفاصيل برامج المراقبة السرية لصحيفتي الغارديان البريطانية وواشنطن بوست الأمريكية، وبعد فترة وجيزة، أصدرت المباحث الفيدرالية الأمريكية أمراً دولياً باعتقاله، واتهمته بالتجسس ونقل معلومات تخص الأمن القومي بلا تفويض
وكشفت وثائق سنودن أن الحكومة الأميركية وسعت عمليات المراقبة من دون إذن لتدفق البيانات من الخارج عبر الإنترنت، وتجسس وكالة الأمن القومي ومكتب التحقيقات الفدرالي على رسائل البريد الإلكتروني لقيادات مسلمة في الولايات المتحدة، كما كشفت أيضا عن تجسس الولايات المتحدة على حلفاء مقربين لها كإسرائيل والأردن ومسؤولين كباراً في البلدين.
كما كشفت أن وكالة المخابرات الإلكترونية الكندية تعترض وتحلل بيانات نحو 15 مليون ملف في اليوم، في إطار برنامج عالمي للمراقبة.