/العمانية/
عمّان في 2 أكتوبر /العُمانية/ منذ الصفحة الأولى، يقع قارئ ديوان “الموت يدخن أيضًا” للشاعرة اللبنانية المقيمة في كندا ماري عبد الجليل، في شرك الكلمات الناعمة التي تسحبه إلى عالمها، حتى وإن كان بطل الصفحات هو الموت، فهو ذلك الذي يدهشك أن تطَّلع على
مظاهره بين الأحبَّة ومظاهر تجرُّعه للذين ظلُّوا في الحياة الدنيا يقتفون آثار أحبابهم الراحلين.
تُقدِّم الشاعرة صورة ناعمة للموت، كأنه يدخِّن ويغنِّي ويزور أناسًا حان دورهم بخفَّة وكأنَّه صديق حميم، حتى إنها تتخيَّل زيارته لها في صمت:
“الموتُ نفسُهُ الذي رأيتُهُ البارحةَ
يَقطَعُ الطّريقَ على المارّةِ
رأيتُ وجهَهُ اليومَ في المرآةِ
كان صامِتًا وكُنتُ أبكي
كان الدّمعُ في عيني يتساقَطُ في عَينَيهِ
ودُموعُ الموتى ترتجفُ ولا تنهمِرُ”.
إنها تقلِّد الموت ثياب الحياة، فكأنه رافقها تلك الليلة متلبّسًا روحها وملامحها حتى رأته في المرآة، وهي تُزاوج بين كلّ نقيضين في الحياة، وكأن تلك المتناقضات وجوه متعدِّدة للحياة والموت، الشروق والغروب، اليقظة والنوم، النهار والليل.
وتعاين الشاعرة مشهد العلاقة المرتبكة مع ذلك القريب البعيد:
“لم يَسألني أبي مَرّةً
عن سِرّ اختِفائي كُلّ ليلةٍ
كانَ يَنظُرُ إلى وجهي المُعَلّقِ
على باب غُرفَتي وأطرافي التي أَسُدّ بها ثقوبَ الباب
ويَعرِفُ..
أنّني أذهَبُ بالمساءِ إلى تلكَ
الحكاياتِ التي لا يَعرِفُ نهايتها
أحد..
أُعيدُ كِتابتها”.
ولا يعرف القارئ إن كانت “أنا القصيدة” تخاطب حبيبًا حقيقيًّا من لحمٍ ودم، أم إنَّها تخاطب الموت الذي اختطف أحبَّتها وهي واقفة تنتظر دورها متصوِّرة أنه سينزع عنها روحها حين تنام. وهي تتخيل الموت في بعض النصوص على أنه شخص عادي يشاركها كل أوقاتها:
“يستيقظُ المَوتُ من نومهِ
مِن غياب قطَراتِ النّدَى
مِن صَمتِ الماءِ
وارتطامِ الصّوتِ بالصّدى”.
ويظهر الموت في القصيدة كائنًا ناعمًا كالحرير، هادئًا كليلٍ، مشاكسًا كطفلٍ:
“امرأةٌ وحيدةٌ ترتدي نـُحولَها
ظِلّها على الجِدارِ يتدلّى
سَقَطَت حنجرتُها
في الدُّموعِ
بعد صرخةٍ أخيرَةٍ
كان مَوتًا كافيًا
ليهدأ النّهار”.
يذكر أن ماري جليل درست اللغة العربية وآدابها في الجامعة اللبنانية، بالإضافة إلى دراستها في معهد الفنون الجميلة، وحصلت على ماجستير بالعلوم الاجتماعية والفلسفة من جامعة كيبيك في مونتريال.
/العُمانية/ النشرة الثقافية/عُمر الخروصي