BBC العربية
بعد سقوط حكم الرئيس السوري بشار الأسد، برزت هيئة تحرير الشام وزعيمها أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) المدرجان على قوائم الإرهاب للمنظمات والأفراد، لقيادة مرحلة ما بعد الأسد في سوريا، وسط تساؤلات حول إمكانية إزالتهما من تلك القوائم.
ويثير ارتباط الهيئة وزعيمها فيما سبق بتنظيمات مثل القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية قلقاً كبيراً، في ظل مراقبة الولايات المتحدة وغيرها للتطورات المتسارعة في سوريا.
عرضت الولايات المتحدة في عام 2013 مكافأة قدرها 10 ملايين دولار مقابل معلومات عن أحمد الشرع، أو “أبو محمد الجولاني” الذي أصبح يشار إليه بـ “القائد العام للإدارة السورية الجديدة”، لاعتباره “إرهابياً خطيراً بشكل خاص” آنذاك، وهو ما تراجعت عنه مؤخراً.
وذهبت ترجيحات مختصين بالقانون الدولي تحدثت بي بي سي إليهم نحو التريث في إزالة هيئة تحرير الشام و الجولاني من قوائم الإرهاب، لحين التأكد من سلوكهما وتقديم ضمانات لعملية انتقال سلسة في سوريا واحترام حقوق الأقليات، ومنع استخدام سوريا كقاعدة للإرهاب وغيرها الكثير.
ما هو المطلوب لإزالة الهيئة عن قائمة الإرهاب؟
رأى الدكتور ماثيو ليفيت مدير “برنامج جانيت وايلي راينهارد لمكافحة الإرهاب والاستخبارات” في معهد واشنطن، أن شطب جماعة من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية في الولايات المتحدة يعد “أمراً سهلاً نسبياً”.
وقال لبي بي سي، إنه منذ إنشاء القائمة، شُطبت عشرون جماعة؛ موضحاً أنه يمكن شطب جماعة إذا قرر وزير الخارجية الأمريكي أن: “الظروف الأصلية التي أدت إلى التصنيف قد تغيّرت بما يكفي لتبرير إلغائها أو أن مصالح الأمن القومي الأمريكي تبرر إلغاءها”.
وببساطة أكبر، يتمتع الوزير بسلطة “إلغاء التصنيف في أي وقت”، كما يمكن إلغاء التصنيفات الخاصة بالإرهاب العالمي التي صدرت بموجب “الأمر التنفيذي رقم 13224″، وفق وزارة الخارجية الأمريكية.
وأكّد ليفيت أنه “على الرغم من أنه يجب إصدار بعض الإعفاءات قصيرة الأجل للمساعدة في تفكيك الشبكة المعقدة من التصنيفات على قوائم الإرهاب الأمريكية وتسهيل المساعدات الإنسانية، إلّا أن أي رفع أوسع نطاقاً لهيئة تحرير الشام و الجولاني وغيرهما من قائمة التصنيفات يجب أن يُكتسب لا أن يُمنح كهدية”.
وأشار ليفيت إلى أن “العديد من المراقبين يعتبرون بأن إلغاء هذه العقوبات أمر أساسي لمنح القيادة السورية ما بعد الأسد فرصة لبناء نوع مختلف من الحكومة والبلد، ولا يمكن لأحد أن يعارض بعض الإعفاءات قصيرة الأجل والتدابير المماثلة التي تسمح بتقديم المساعدات الإنسانية”.
“الحكومة الناشئة بقيادة هيئة تحرير الشام لديها الكثير لتثبته للمواطنين السوريين، ولجيران سوريا، وللمجتمع الدولي”، وفق ليفيت.
وأفادت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) بأن الفصائل المسلحة اتفقت على حل نفسها والاندماج تحت مظلة وزارة الدفاع عقب اجتماع قادتها مع قائد الإدارة الجديدة في سوريا أحمد الشرع.
وذكرت سانا التي أصبحت تنشر الأخبار نقلاً عن غرفة العمليات العسكرية والمصادر التابعة لهيئة تحرير الشام أن “اجتماع قادة الفصائل الثورية مع قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع يسفر عن اتفاق لحل جميع الفصائل ودمجها تحت مظلة وزارة الدفاع”.
“أمر بعيد المنال”
من جهته، قال البروفيسور في كلية الحقوق في الجامعة الأمريكية في الإمارات عامر الفاخوري لبي بي سي إنه “للخروج من قائمة الإرهاب، يتوجب على هيئة تحرير الشام وزعيمها أن يقطعا بشكل كامل ونهائي علاقاتهما بأي جماعات متطرفة، وأن يُظهرا تحولاً حقيقياً في خطابها وسلوكها، كما يجب على الهيئة أن تساهم بشكل ملموس في تعزيز الاستقرار في المناطق التي تسيطر عليها، وأن تبني علاقات إيجابية مع المجتمع الدولي، بالإضافة إلى ضرورة تقديم ضمانات قاطعة تُثبت أنها لم تعد تشكل تهديداً أمنياً أو سياسياً”.
وأشار إلى أن “المجتمع الدولي لا يزال يتعامل بحذر بالغ، مشككاً في مصداقية هذه التحولات، كما أن الولايات المتحدة تُخضع أي خطوة من هذا النوع لتقييم دقيق، حيث يتداخل فيها البعد القانوني مع التوجهات السياسية والإقليمية”.
وأعلن المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسن، في وقت سابق، تأييده رفع العقوبات المفروضة على هيئة تحرير الشام، وأكد أنّ العدالة “الموثوقة” ضرورية لتجنّب الأعمال “الانتقامية”، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن سوريا بحاجة إلى مساعدة “إنسانية فورية”.
في ظل هذه المعطيات، يرجح فاخوري أن إزالة هيئة تحرير الشام و الجولاني من قوائم الإرهاب “لا يزال أمراً بعيد المنال”، فالمسألة لا تتعلق فقط بإعلان التغيير، بل بإثباته من خلال أفعال ملموسة تتماشى مع المعايير الدولية لمكافحة الإرهاب وتعزيز الأمن.
وأردف أن “القرار يتأثر بعوامل سياسية وأمنية تتجاوز الجوانب القانونية، إذ تأخذ الولايات المتحدة في الاعتبار تقييمات الأجهزة الأمنية والسياسية، وكذلك الموقف الدولي من الجولاني ومنظمته، أي طلب من هذا النوع سيخضع لفحص دقيق لضمان أنه لا يُعرّض المصالح الأمريكية أو حلفاءها للخطر”.
ماذا عن قائمة الإرهاب التابعة لمجلس الأمن؟
تقول الأمم المتحدة أنه يجب على إحدى الدول الأعضاء أن تقدم طلباً لإزالة هيئة تحرير الشام من قائمة الإرهاب، ثم يُرسل الاقتراح إلى لجنة مجلس الأمن المعنية. اللجنة- المكونة من ممثلي أعضاء المجلس الخمسة عش- لابد أن تتخذ قراراً بالإجماع للموافقة على الاقتراح.
ودعا مجلس الأمن الدولي، إلى تنفيذ عملية سياسية “جامعة ويقودها السوريون”، مشدداً أيضاً على وجوب تمكين الشعب السوري من أن “يحدّد مستقبله”.
هل يمكن للهيئة ممارسة أعمالها في سوريا دون الإزالة؟
البروفيسور الفاخوري المختص بالقانون الدولي، أكّد أنه يمكن لهيئة تحرير الشام ممارسة بعض الأنشطة السياسية في سوريا حتى إذا كانت مدرجة على قوائم الإرهاب، خاصة على الصعيد المحلي، لكنها ستظل تواجه تحديات كبيرة على الصعيد الدولي.
وقال إن “تصنيفها كمنظمة إرهابية يعزلها دبلوماسياً ويمنعها من الحصول على دعم مالي أو مساعدات من الدول أو المنظمات الدولية، كما أن هذا التصنيف يمنع اعتراف العديد من الدول بها كطرف سياسي شرعي ويحد من قدرتها على التفاعل مع المجتمع الدولي أو المشاركة في المفاوضات الدبلوماسية”.
من جهته، ليفيت أوضح أن الإجابة عن هذا السؤال من جانب آخر يدخل ضمن حساباتها إرادة الشعب السوري، والذي “قد لا يقبل هو نفسه ترشح زعيم الهيئة في الانتخابات الرئاسية إذا لم يتعامل مع جميع الأطراف في سوريا والأقليات خاصة، ولم يبد أي تغييرات في السلوك من شأنها أن تقنع الشعب السوري بإمكانية قيادته”.
كيف وصلت “هيئة تحرير الشام” إلى قائمة الإرهاب؟
تصنيف هيئة تحرير الشام كمنظمة إرهابية جرى بموجب القانون الأمريكي، وتحديداً استناداً إلى الأمر التنفيذي رقم 13224 وقانون الهجرة والجنسية الأمريكي. هذا التصنيف يمنح السلطات الأمريكية صلاحية إدراج الأفراد أو الكيانات التي تدعم الإرهاب أو تنخرط فيه، إذا شكلت تهديداً للأمن القومي الأمريكي أو للمصالح الدولية.
على المستوى الدولي، يستند التصنيف إلى قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، مثل القرار 1373 (2001) الذي يلزم الدول باتخاذ إجراءات لمكافحة تمويل الإرهاب ومعاقبة المنظمات الإرهابية، والقرار 2253 (2015) الذي وسع نطاق العقوبات ضد تنظيم القاعدة ومن يرتبط به.
من الناحية القانونية، قال البروفيسور الفاخوري: “كانت هيئة تحرير الشام تعتبر امتداداً لجبهة النصرة، التي صُنّفت منظمة إرهابية عام 2012. هذا التصنيف استند إلى أدلة واضحة تشير إلى ارتباطها المباشر بتنظيم “القاعدة في العراق”، حيث كانت “جبهة النصرة تمثل فرع القاعدة في سوريا بقيادة أبو محمد الجولاني”.
ويضيف: “على الرغم من إعلان الهيئة في عام 2016 فك ارتباطها بالقاعدة، إلا أن الولايات المتحدة والمجتمع الدولي رأوا أن هذه الخطوة لم تكن حقيقية أو كافية. الأدلة المتوفرة أظهرت أن القيادة الأيديولوجية والتنظيمية بقيت متأثرة بنفس المبادئ والأساليب الإرهابية التي تبنتها القاعدة”.
هل سبق وأن أُزيلت جهات مماثلة عن قوائم الإرهاب؟
عند العودة إلى الموقع الرسمي لوزارة الخارجية الأمريكية، تبين إلغاء تصنيف عدة منظمات إرهابية أجنبية وبموجب قانون الهجرة والجنسية، من ضمنها: منظمة إيتا الباسكية، وأوم شينريكيو، ومجلس شورى المجاهدين في محيط القدس، حركة كهانا حيّ، والجماعة الإسلامية.
ووفقاً لما يقتضيه قانون الهجرة والجنسية، تراجع وزارة الخارجية تصنيفات المنظمات الإرهابية الأجنبية مرّة كل خمس سنوات لتحديد ما إذا كانت الظروف التي كانت سبب التصنيف قد تغيرت بشكل يستدعي الإلغاء.
ولقد بيّنت مراجعة الوزارة الأخيرة لهذه التصنيفات الخمس لمنظمات إرهابية أجنبية، كما حدّدها قانون الهجرة والجنسية، أن المنظمات الخمس لم تعُدْ منخرطة في الإرهاب أو النشاط الإرهابي ولا تحتفظ بالقدرة والنية على القيام بذلك.
“كما هو مطلوب من قبل قانون الهجرة والتجنس، أُلغيت هذه التصنيفات كمنظمات إرهابية أجنبية، وبالتالي فإن الأمر قد يطبق على هيئة تحرير الشام لكن لا يجب أن ننسى أن الجولاني مطلوب جنائياً لبعض الدول الإقليمية وخاصة العراق لارتباطه بعمليات إرهابية مما سيعقد المشهد”، بحسب الفاخوري.